مفهوم الغيرة

مفهوم الغيرة

الطبيعة الشخصية

تختلف الطبائع البشرية في كيفيتها ومظاهرها السّلوكية في الحياة، قد يوصف الفرد بأنّ طبعه ليّن سهل، أو أن طبعه مُتسلّط وأناني، ومنه المُحب المعتدل، والمُحب الشكاك، فهذه الطبائع جميعها منطوية تحت شعار الشّخصية الإنسانيّة ومكوناتها، وهي التي تُحدّد طبيعة علاقة الفرد مع الآخرين، ولعلّ الغيرة المتّزنة والسّليمة من الطبائع الحسّاسة في العلاقات الإنسانية، والهدف من مظاهرها زيادة متانة العلاقات الشّخصية، ولهذه الغيرة شروط وأهداف محددة تسعى لتحقيق إحياء الحياة الإنسانية من جديد، وإيجاد الأمان بين الأفراد.


الغيرة

هي من تراكيب النفس البشرية، وهي مشاعر مختلطة، وأفكار معقدة، وأحاسيس مركبة، يختبرها الفرد عند علاقته في شخص ما، تختلجها انفعالات مموهة، يدركها الفرد في غالب الأحيان، وهي من الخصال المحمودة بشرط التّوازن، ومساعدة في زيادة النشاط، وتطوير الذات، وتُأجّج روح المنافسة.

فمنذ ولادة الإنسان تبدأ ملامح الغيرة بالظهور، وتتطور في مراحل الطفولة، كغيرة الابن من والده، وغيرة البنت من والدتها، ونشوء عقدتي أوديب للأولاد، وإليكترا للبنات، والغيرة شرارتها تشتعل من عمر (2-6 ) سنوات، ودور الوالدين في هذه المرحلة احتواء الطفل وفهمه وإحاطته بالحب والحنان، مما يُعدّل سلوك الغيرة، ومُحاولة حقنها والحد من تطورها إلى غيرة مرضية حتى لا تؤثرعلى حياة الطفل في المستقبل، فمرور هذه الفترة مرورًا سليًما تساعده في الانتقال إلى المرحلة التالية وهي مرحلة إيجاد الأصدقاء واللعب معهم، وتحويل هذه الغيرة إلى روح المنافسة الإيجابية، فهذا يخلق إنسانًا إيجابيًا وطموحًا وقادرًا على تحقيق أهدافه.


أنواع الغيرة

  • الغيرة الممدوحة: هي غيرة الفرد لمحبوبه له وعليه، وهي دليل على الصّحة النّفسية والقوة والصلابة لدى المُحب، فهي نخوة وحَمية للمحبوب، فإذا تعرض للاستهانة والانتقاص من حقه بادر المحب الدفاع عنه، وهي مبادرة المُحب للسعي نحو تغييرمحبوبه للأفضل، فالمُحب باذل نفسه وجهده وماله لتحقيق السعادة للمحبوب، والمحبوب يمقُت الصفات البغيضة في محبوبه ويسعى لتعديلها، وذلك لمساعدته على الوصول إلى الصورة المثالية المطلوبة، وخوفه المعتدل على محبوبه ومحاولة حمايته وصونه من أي مكروه، ومحاولة إسعادة في شتى الطرق لخلق علاقات صحية نفسية متزنة ومعتدلة.
  • الغيرة المذمومة: هو التطرف والمبالغة في الحب والتملك، والسيطرة والخوف والقلق، والحسد، وسوء الظن والشك، مما يؤدي إلى

دخول الفرد في عالم الأمراض النفسية والجسدية، واستخدام وسائل الكيد، والاحتيال، وأحيانًا قد يلجأ الفرد إلى القتل، فهي مَفسدة للمحبة، ومُوقعة للعداء والبغضاء، والكره والضغينة، فهنا (الأنا) مُضخّمة ومَرضيّة مبعدة الفرد عن السّلام النّفسي الداخلي، وتدني ثقته بنفسه.


الغيرة المرضية

هي ما يُسمى كذلك بمتلازمة عطيل (Othello syndrome) أو تسمى الغيرة الوهامية، واقتُبس هذا الاسم من إحدى مسرحيات شكسبير، إذ قَتل عُطيل زوجته لتوهمه أنها خانته، وهذه الغيرة فرع من فروع اضطرابات الوهام (Delusional disorder)، وهو أحد أشكال اضطرابات الذهان، وهو اضطراب نفسي يتّسم بوجود ضلالات وأوهام ومعتقدات خاطئة في ذهن الفرد حول شريك حياته (الزوج/الزوجة)، ودائم الانشغال في أفكاره الضّلالية كخيانة وغدر ومؤامرات دون وجود أي دليل مادي ملموس، وقيامه بعدة سلوكات مرفوضة اجتماعيًا، والذي يُحّرك هذه الأفعال أفكاره وأوهامه الضالة.


أعراض الغيرة المرضية

  • توجيه التهم للشريك الثاني في استراق النظر لشخص ما أو الإعجاب والاهتمام به.
  • سوء الظن والشك بتصرفاته.
  • التحقيق والاستجواب له في أي موقف عرضي مرّ فيه، كاتصال هاتفي أو رسالة خاطئة على الهاتف أو على أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
  • التفتيش الدائم والمستمر في أغراض الشريك الثاني.
  • في حال خروج الطرف المعني الاستمرار في الاتصال به، وسؤاله عن المحيطين به ومن معه والاستفسار غيرالمبرر عن كل شيء في المكان، وقد تصل إلى فتح خط الهاتف أو الكاميرا طوال فترة الزيارة أو المكان الذي يتواجد فيه الشخص.
  • عدم السماح للشريك المشاركة في الزيارات العائلية، وتكوين الصداقات.
  • استخدام العنف وأنواعه المختلفة مع الشريك ومبرره في ذلك توجيه التّهم للشريك في أنّه يُمارس الخيانة.


صفات الإنسان الغيور

خروج الغيرة عن مسار السّواء النفسي، التي تُشعل بركان النزاعات والخلافات بين الشريكين، ونازعة للحب والطمأنينة والأمان والاستقرار النفسي، وقاضية على الثقة، وغارسة للكراهية والحقد وزارعة لأفكار الانتقام، فالشخص الغيور في حالته المرضية لديه مظاهر الشخصية الاضطهادية، وفرط في الحساسية خاصةً عدم قبول النقد الموجه له، وحب الذات الأناني، والنرجسية السلبية، والحقد ومصطلح التسامح غير متواجد في قاموسه، إضافةً للشك الدائم وتختلط معه الأوهام والضلالات التي لا تمت للواقع بصلة، والاعتداء على حقوق الآخرين وعدم الاعتراف بها، والعدائية المستمرة، وأخذ التصرفات العفوية والبريئة على محمل الجد وعلى أنها موجهة ضده قصدًا، ويُفسّر المواقف والألفاظ والكلمات تفسيراتٍ بعيدةً عن الحقيقة والواقع.


علاج الغيرة

قبل اتخاذ أي خطوة للعلاج ومعرفة نوعه، من المفضل معرفة سبب الحالة النفسية المساهمة في تأجيج الغيرة ووصولها إلى الغيرة المرضية، وتقييم الحالة تقييمًا دقيقًا سليمًا وصحيحًا، فمعرفة التاريخ المرضي وسبب هذه الحالة هو نصف العلاج، ومن ثم استخدام التقنيات العلاجية المكملة لتخطي هذه الحالة المرضية، بالإضافة إلى ذلك إجراء فحوصات للحالة العقلية للفرد التي تكمّل طرق العلاج، فتوجد بعض الاضطرابات الدماغية مُحفّزة لخلق الأوهام والضلالات تجاه الشريك الثاني، والإدمان على الكحول والمخدرات هي أهم الأسباب المحفزة للغيرة المرضية والشك، وإن معرفة التاريخ المرضي والأسباب الرئيسية للغيرة هي التي تُحدّد نوع العلاج المُتبع، ومنها العلاج النفسي، أو العلاج الدوائي، أو الاثنان معًا، فالعلاج الدوائي يشمل أدوية الذهان، أو أدوية الاكتئاب، والعلاج النفسي أما استخدام العلاج السلوكي، أو العلاج المعرفي، فهو قد يشمل العلاج الفردي، أو الجماعي.

فيديو ذو صلة :