مفهوم السلطة في الفلسفة

مفهوم السلطة في الفلسفة

ما مفهوم السلطة في الفلسفة؟

السلطة هي ممارسة التأثير المشروع من قبل فاعل اجتماعي على آخر، وكثيرة هي الطرق التي يُمكن من خلالها لفرد أو كيان ما التأثير على شخص آخر ليتصرّف بشكل مختلف، بحيث لا يتساوى كليهما بحق المطالبة بالسلطة؛ بمعنى أنّ أحدهما يُجب أنْ يمتلك سلطة أعلى من الآخر، وعلى هذا الصعيد نجد أنّ الحكومات هي المثال الأكثر شيوعًا للفاعل الاجتماعي الرسمي (المُعترف به)؛ إذ إنّها ووفقًا لمعظم الروايات تمتلك احتكارًا للاستخدام المشروع للقوة البدنيّة بهدف إجبار الطاعة على ولايتها في منطقة جغرافيّة معيّنة.


تجدر الإشارة إلى أنّ ممارسة السلطة على النحو السابق لا تقتصر على الدولة فحسب، بل تتعداها لتشمل مجموعة متنوعة من التفاعلات الاجتماعيّة والفاعلين الاجتماعيين، كالمنظمات والشركات وغيرها من العلاقات التي تعتمد مفهوم التسلسل الهرمي ونظام الرئيس والمرؤوس، لذا كان من الطبيعي أن يجذب مفهوم السلطة انتباه العديد من مجالات الدراسة المختلفة بما فيها مجال الفلسفة؛ إذ يُعرّف الفلاسفة السلطة على أنّها انتهاك صارخ للاستقلاليّة الأخلاقيّة للشخص، ذلك أنّها تتطلّب منه التصرّف بطريقة تتعارض مع حكمه الخاص الذي يُعدّ حق أساسي من حقوقه كإنسان[١].


مفهوم السلطة عند أهم الفلاسفة

السلطة في منظور أفلاطون

رغم أنّ أفلاطون في بداياته كان يعتقد أنّ السلطة المبنية على العقلانيّة والفضيلة يُمكنها التوفيق بين المصالح المتضاربة لأجزاء مختلفة من المجتمع والسماح لكل جزء من أجزائه بالازدهار، إلّا أنّه سرعان ما تغيّرت وجهة نظره تمامًا، وذلك بعد أنْ صوتت محكمة بلاده الديموقراطيّة بأغلبية ساحقة على إعدام سقراط بتهمة غير عادلة من عدم التقوى.


وتجدر الإشارة إلى أنّ أفلاطون تلميذ سقراط كان يعتبره أكثر الرجال عدلًا في عصره ليتوصّل بعدها إلى استنتاج مفاده أنّ السلطة لعنة، ولن يتبدّل الوضع إلّا عندما يدير شؤون البلاد فلاسفة حقيقيين، فشرع إلى إدخال الفلسفة في المجال الأكاديمي من خلال إنشاء أكاديميّة تهدف إلى تعليم السياسة من منظور فلسفي، وقد أصبح العديد من تلامذته قادة موجهين ومستشارين دستوريين، ومن تلامذته الأكثر شهرة هو أرسطو[٢].


السلطة في منظور توماس هوبز

بنى الفيلسوف توماس هوبز منظوره عن السلطة بعد أن عاش زمن الاضطراب الأشد حدّة في تاريخ إنجلترا، وهي الفترة التي انقسمت خلالها الدولة على نفسها سياسيًّا ودينيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا لتشهد بعدها نشوب حرب أهليّة، وخلال تلك الفترة كانت أعظم مخاوف هوبز هي انتشار رقعة الفوضى الاجتماعيّة والسياسيّة التي لاحظها وعانى من آثارها.


وللتخلّص من تلك المشكلة حاول التفكير بطريقة يُمكن من خلالها أنْ يعيش البشر معًا بسلام ويتجنّبوا خطر الصراع الأهلي لتتلخص إجابته على تلك الأسئلة السلطة من منظوره؛ إذ كان يعتقد أنّ منح الشعب طاعته لسيادة مستقلة ومطلقة غير خاضعة للمُسائلة سواء أكان شخص أو مجموعة تتمتّع بقدرة البت في جميع القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة هو السبيل الوحيد لتجنّب المعاناة من حرب أهلية أو حالة من انعدام الأمن لتكون بذلك وجهة نظر هوبز للسلطة الأكثر واقعيّة واتصالًا بالطبيعة البشريّة[٣].


السلطة في منظور ميشيل فوكو

حاول ميشيل فوكو في منظوره حول السلطة علاج إشكاليّة السلطة المُتمثّلة بطرفي المعادلة، وهي المجتمع وحقوق الإنسان من جهة، والدولة والقانون من جهة أخرى، لا لشيء وإنّما لمقاربة وجهات النظر بينهما من خلال بناء نموذج سلطة واقعي وعقلاني ليعتبر فوكو بذلك أكثر الفلاسفة تعمّقًا في نظرته وتفسيره لمفهوم السلطة نظرًا لتطويره مفهوم كل من الحقيقة والسلطة كلّ على حدّة باعتبارها مفاهيم متداخلة يصعب الفصل بينهما في الحياة الإنسانيّة[٤].

  1. Michael E. Johnson-Cramer, "Authority", britannica, Retrieved 25/1/2021. Edited.
  2. W. J. Korab-Karpowicz, "Plato: Political Philosophy", iep, Retrieved 27/1/2021. Edited.
  3. Garrath Williams, "Thomas Hobbes: Moral and Political Philosophy", iep, Retrieved 27/1/2021. Edited.
  4. جودة أبو خاص (19/12/2017)، "المنظور الفلسفي للسلطة في أعمال فوكو"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اطّلع عليه بتاريخ 25/1/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :