دروس وعبر من حياة الصحابة

دروس وعبر من حياة الصحابة

الصحابة رضي الله عنهم ومكانتهم

يُعرف الصحابي اصطلاحًا بأنه كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأمن به ومات وهو مُسلم، ويشمل التعريف أيضًا من غزا معه أو لم يغزُ معه، ومن روى عنه حديثًا أم لم يروِ عنه، ومن شاهده ولكن لم يجلس معه، ومن لم يره لسبب عارض عالعمى، ومن طالت مجالسته له أو قصرت، ويدخل في تعريف الصحابي أيضًا من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به، ثم ارتد عن دينه، ثم عاد لرشده وآمن به ومات وهو مُسلم، وكل من اجتمع بالرسول لو حكمًا كالطفل في المهد، ولا يدخل في تعريف الصحابي من لقي الرسول وآمن به، ثم ارتد عن دينه ومات وهو على الكفر، ومن دخل الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به ولم يرَه، ومن اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يدخل في الإسلام، ومن لقي النبي وأسلم به إسلامًا ظاهريًا كالمنافق.


يُعد الصحابة من خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين بعلمهم وعملهم وتصديقهم لنبي الله وجهادهم معه، فهم خير من طبقوا تعاليم دينهم في جميع شؤون الحياة، وامتدحهم الله جل جلاله لحسن إيمانهم، وسمو أخلاقهم، وصلاح أعمالهم، ووعدهم بجنات النعيم، وأجمع علماء الأمة في كُتبهم على مكانتهم وفضلهم، وحملهم لراية الإسلام، ونيلهم الشرف والمجد، لذلك استحقوا تخليد ذكرهم والثناء عليهم حتى يوم القيامة لذلك توجب على جميع المسلمين محبتهم وتعظيمهم والاقتداء بهم والسير على خطاهم، فهم من صبروا على الأذى والعذاب الذي لقوه من الكافرين والمنافقين وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لإعلاء كلمة الحق ونصر هذا الدين العظيم، وهم من هجروا أوطانهم وتركوا أموالهم واختاروا الهجرة مع الرسول عليه الصلاة والسلام.


كما أورد الله ذكرهم في الكثير من الآيات منها قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، كذلك وردت الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تبين مكانتهم وفضلهم، فعن واثلة بن الأسقع الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَزالونَ بخَيرٍ ما دامَ فيكُم مَن رآني وصاحَبَني، واللَّهِ لا تزالونَ بخَيرٍ ما دامَ فيكُم مَن رأى مَن رآني وصاحبَ مَن صاحَبَني واللَّهِ لا تزالونَ بخَيرٍ ما دامَ فيكُم مَن رأى مَن رأى مَن رآني وصاحَبَ مَن صاحَبَ مَن صاحَبَني) [الصحيح المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


لم يُحدد أحد من العلماء المسلمين عدد الصحابة بدقة، بل ذكروا بأنهم يزيدون عن مائة ألف صحابي[١].


دروس وعبر من حياة الصحابة

إن الصحابة هم جيل مثالي تربى على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانوا من خِيرة النّاس في زمانهم، وبقيت آثارهم وقصصهم بعد وفاتهم تناقلها المسلمون جيلًا بعد جيل، فهم الذين تمسكوا بهذا الدين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد أن ارتد عنه الكثيرون، فكانوا أبطالًا يحاربون بكل شجاعة في الفتوحات الإسلامية وحروب الرِّدّة، ودعاةً موفقين، وعلماءَ مُصطفين، فأين نجد في تاريخنا أو تاريخ الأمم السابقة أو اللاحقة أمثال عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي عبيدة، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، ولكن من المؤسف القول بأنه يوجد من يَدعون بأنهم مسلمون لكن في الحقيقة هم جبناء خبثاء بعيدون كل البعد عن الدين الإسلامي وبعيدون عن أخلاقه، جعلوا كل همهم الهجوم على أولئك الصحابة الكرام البَررة وتشويه صورتهم من خلال الكذب والافتراء عليهم ونسب الأقوال والأفعال الكاذبة لهم، والواقع أن هؤلاء الأعداء لا يسعون فقط إلى النيل من هؤلاء الأبطال العظماء فقط، بل غايتهم أكبر من ذلك وهي هدم هذا الدين العظيم وفناؤه، ولكن خسئوا أن ينالوا مرادهم؛ لأن الله تعهد بحماية وحفظ هذا الدين، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وهنا تُلقى المسؤولية على دعاة هذه الأمة إذ يتوجب عليهم أن يعرضوا سيرة الصحابة الكرام بأسلوب مؤثر وطريقة جذابة على الأجيال الناشئة، ليسيروا على نهجهم ويتخذوا منهم قدوةً حسنةً[٢].


ما هو دور الصحابة في نشر السنة؟

كان الصحابة من أشد النّاس حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يُحبون مجالسته والتقرب منه والاستماع لأحاديثه وتطبيقها وتعليمها لزوجاتهم وأولادهم والمُقربين وللناس أجمعين، كما كانوا رضوان الله عليهم يسمع بعضهم من بعض ويروي بعضهم عن بعض، واستشعارًا منهم بعظم المسؤولية المُلقاة على عاتقهم والتي أمرهم الله ورسوله بها سعوا جاهدين لحفظ هذه الأحاديث ونقلها على أحسن ما يكون للأجيال من بعدهم، وأثمرت جهودهم إلى حفظ السّنة في الصدور، وفهمها واستيعابها في العقول، ثم تدوينها في الكتب، ونشرها بين النّاس، والعمل بها في جميع نواحي الحياة.


بسبب حرص الصحابة رضوان الله عليهم على تبليغ السنة ونشرها، اتخذوا عدة وسائل لتحقيق هذه الغاية السامية، نذكر منها[٣]:

  • انتقال الصحابة رضي الله عنهم من العيش في المدينة المنورة إلى الانتشار في الأمصار المفتوحة؛ وذلك لنشر الإسلام فيها وتعليم أهلها القرآن والسنة الشريفة، كما تعلموا من الرسول صلى الله عليه عدم انتظار قدوم النّاس إليهم، بل كانوا هم من يذهبون للناس ويدعونهم للدخول في دين الله.
  • استغلال خُطب الجمعة والعيدين والمناسبات المختلفة للصعود للمنابر وتبليغ الناس السنة.
  • محادثة النّاس بما يناسب عقولهم؛ لأن التحدث مع المُستمع بما لا يفهمه يكون سبب في عدم تصديقه لما سمعه، وهذا دليل على حكمتهم.
  • تقديم الفتاوى للناس، فقد كان من الطبيعي أن يسألهم النّاس عن أمور الدين، فكانوا رضوان الله عليهم يُجيبون على أسئلتهم ويذكرون لهم مصدر الفتوى من القرآن أو السنة.
  • اختيار الأوقات المناسبة للحديث مع الناس وتعليمهم، فكانوا يترصدون الأوقات التي كان التلاميذ فيها مهيئين للاستماع لهم.


من حياتكِ لكِ

بَشرَ الرسول عليه الصلاة والسلام عشرةً من أصحابه بالجنة، وفيما يأتي سنعرفكِ بهم[٤]:

  • أبو بكر الصديق: ولد في مكة سنة 573 م وكان سيدًا من سادات قريش وزعمائها، وهو أول من آمن مع الرسول من الرجال، وأول الخلفاء الراشدين، ولُقب بالصديق في الجاهلية، وقيل لقب بهذا اللقب بعد الإسلام لتصديقه الرسول في خبر حادثة الإسراء والمعراج، توفي في المدينة سنة 634 م وكان يبلغ من العمر 63 سنةً.
  • عمر بن الخطاب: ولد سنة 584 م، وكان في الجاهلية من أبطال قريش وشجعانها، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لُقب بأمير المؤمنين، واشتهر بعدله، وهو أول من دوَّن الدواوين في الإسلام، وأول من وضع التقويم الهجري، افتُتحت في عهده القدس، والجزيرة، ومصر، والعراق، والشام، قُتل سنة 644 م على يد أبي لؤلؤة الفارسي وهو يصلي الصبح.
  • عثمان بن عفان: ولد في مكة سنة 577 م وكان من الشرفاء والأغنياء في الجاهلية، وهو ثالث الخلفاء الراشدين بعد عمر بن الخطاب، وكان أول من أمر بالأذان الأول في يوم الجمعة، افتتحت في خلافته أفريقيا، وقبس، والقوقاز، وأرمينيا، وسجستان، وكرمان، وخراسان، قُتل سنة 656 م في صبيحة عيد الأضحى على يد وفود مصر والبصرة والكوفة.
  • علي بن أبي طالب: ولد سنة 600 م، وتولى الخلافة بعد وفاة عثمان بن عفان، وهو ابن عم النبي وصهره، وكان من أكبر العلماء بالقضاء والخطباء، شهد المعارك جميعها مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلا تبوك، قُتل سنة 661 م على يد عبد الرحمن بن ملجم وكان عمره 63 سنةً.
  • أبو عبيدة عامر بن الجراح: ولد بمكة سنة 584 م، شهد جميع المعارك مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وتوفي سنة 639 م متأثرًا بإصابته بمرض طاعون عمواس.
  • عبد الرحمن بن عوف: ولد سنة 580 م، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة وقيل عبد عمرو وبعد إسلامه غير الرسول صلى الله عليه اسمه إلى عبد الرحمن، احترف التجارة وكسب منها ثروةً كبيرةً، وقبل وفاته أوصى ب 50,000 ألف دينار وألف فرس في سبيل الله، توفي في المدينة سنة 652 م.
  • الزبير بن العوام: ولد سنة 594 م، وكان رابع أو خامس من دخل الإسلام، شَهِد الكثير من المعارك، عمل في التجارة وكان من الأغنياء، توفي سنة 656 م وكان عمره ما يقارب 67 سنةً.
  • سعيد بن زيد: ولد في مكة سنة 600 م، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، هاجر مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وكان من أصحاب البسالة وسداد الرأي، توفي سنة 671 م.
  • سعد بن أبي وقاص: ولد سنة 600 م، أسلم وعمره 17 عامًا وهاجر مع الرسول إلى المدينة، وهو أول من رمى بسهمه في سبيل الله، لُقِبَ بفارس الإسلام، توفي سنة 675 م وهو فاقد لبصره، وكان رضي الله عنه آخر من مات من المُبشرين بالجنة.
  • طلحة بن عبيد الله: ولد سنة 596 م، وكان من أذكياء قريش وعلمائها، لقبه النبي بطلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، وكانت له تجارة وافرة في العراق، قُتل في يوم موقعة الجمل سنة 656 م وكان عمره 60 سنةً.


المراجع

  1. "الصحابة مكانتهم و فضلهم "، islamweb، 18_11_2018، اطّلع عليه بتاريخ 22_6_2020. بتصرّف.
  2. د.محمد بن لطفي الصباغ (16_6_2014)، "دروس وعبر من سير الصحابة الكرام (1)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 22_6_2020. بتصرّف.
  3. د.أيمن محمود مهدي (5_2_2017)، "جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 22_6_2020. بتصرّف.
  4. "العشرة المبشرين بالجنة "، islamstory، 8_8_2019، اطّلع عليه بتاريخ 22_6_2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :