طريقة صلاة قيام الليل بالتفصيل

طريقة صلاة قيام الليل بالتفصيل

الصلاة

الصلاة من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى خالقه، إذ إنها تُبقي العبد على صلةٍ بربه كما أنها ناهيةٌ عن الفحشاء والمنكر والذنوب، فقد قال الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]، وممّا يزيد هذه العبادة فضلًا وقدرًا أنّها أوّل ما سيُحاسب عليه العبد يوم القيامة وسيُبنى عليها مصير سائر أعماله؛ فإن صلُحت صلُح باقي الأعمال وإن فسدت فسدت بقيّة الأعمال وخاب وخسر العبد، ودليل ذلك ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: (إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ النَّاسُ بِه يومَ القيامةِ من أعمالِهمُ الصَّلاة قالَ: يقولُ ربُّنا جلَّ وعزَّ لملائِكتِه وَهوَ أعلمُ: انظروا في صلاةِ عبدي أتمَّها أم نقصَها فإن كانت تامَّةً كُتبت لَه تامَّةً وإن كانَ انتقصَ منها شيئًا قالَ انظُروا هل لعبدي من تطوُّعٍ فإن كانَ لَه تطوُّعٌ قالَ أتمُّوا لعبدي فريضتَه من تطوُّعِه ثمَّ تؤخذُ الأعمالُ علَى ذاكُم) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولفضل الصلاة العظيم فإنّ المسلم لا يقتصر على الصلاة المفروضة، إنما يحرص أيضًا على أداء السنن والنوافل مثل صلاة قيام الليل، والتي هي محور حديثنا في هذا المقال[١][٢].


كيف تؤدى صلاة قيام الليل؟

تؤدّى صلاة الليل مثنى مثنى؛ أي ركعتان ركعتان، فقد ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر قال: ( أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم عن صلاةِ اللَّيلِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: صلاةُ اللَّيلِ مَثنى مَثنى فإذا خشيَ أحدُكمُ الصُّبحَ صلَّى رَكعةً واحدةً توترُ لَهُ ما قد صلَّى) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ومن السنّة أن يجهر المصلي في القراءة مع التأنّي وعدم الاستعجال، وتدبّر معاني القرآن الكريم، أمّا عن عدد ركعاتها فإنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يُحدّد عددًا خاصًا، كما ورد في الحديث السابق، وهذا من باب الفضل والرحمة، إذ يُصلي كلٌ حسب طاقته، أمّا ما ورد عن عدد الركعات التي صلّاها عليه السلام فهي إحدى عشرة ركعةً، وثلاث عشرة ركعةً، بما فيها صلاة الوتر[٣].


وقت صلاة قيام الليل

صلاة قيام الليل تبدأ من أول الليل حتى آخره، فمن أراد أن يُصليها في أول الليل جاز ذلك، ومن أراد أن يصليها في منتصفه جاز ذلك، ومن أراد أن يُصليها آخر الليل فهذا هو الأفضل، إذ ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنه- فقال: (أنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وهي خَالَتُهُ- قالَ: فَاضْطَجَعْتُ علَى عَرْضِ الوِسَادَةِ، واضْطَجَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَهْلُهُ في طُولِهَا، فَنَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ- أوْ قَبْلَهُ بقَلِيلٍ، أوْ بَعْدَهُ بقَلِيلٍ- ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَلَسَ، فَمَسَحَ النَّوْمَ عن وجْهِهِ بيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ منها، فأحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ ما صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ اليُمْنَى علَى رَأْسِي، وأَخَذَ بأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا بيَدِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حتَّى جَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٣][٤].


فضائل قيام الليل

إن لقيام الليل فضله العظيم؛ فقد حثّ عليه ربّ العزة جلّ في علاه في العديد من الآيات العظيمة، وبعده رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في الكثير من الأحاديث الكريمة، وفيما يأتي بعض من فضائله[٥]:

  • إجابة الدعاء: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ينزِلُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلُثُ اللَّيلِ الآخرِ فيقولُ مَن يدعوني فأستجيبَ لَه؟ من يسألُني فأعطيَه؟ من يستغفرُني فأغفرَ لَه) [الاعتقاد للبيهقي| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • عظيم الجزاء: قال الله تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ السجدة: 15- 17].
  • سبب في دخول الجنة: والدليل ما يأتي: (لمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ) [صحيح ابن ماجه|خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • الحصول على مرتبة التقوى: قال تعالى: {إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15- 18].


لذا فإن على المسلم أن يغتنم هذه الركعات التي لها من المنزلة العظيمة ما لا يعلم قدره إلا الله؛ فهي أفضل أوقات الصلاة بعد الصلوات المفروضة، كما أنها تتزامن مع وقت استجابة الدعاء، فمن كانت له حاجةٌ عند ربه فلا يبخل على نفسه بتحقيقها بدعوةٍ خالصةٍ يناجي بها ربّه، وقد كان هذا دأب صحابة رسولة الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد رُوي أن لبيوتهم في عتمات الليل دويًّا بقراءة القرآن والصلاة والقيام والدعاء.


حساب ثلث الليل الأخير

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله المصطفى أنه قال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ومن الحديث الشريف يتبين أفضلية ثلث الليل الأخير في القيام على ما سواه من ساعات الليل، فهو وقت شريف مرغوب فيه، وقد خصه جل وعلا بالنزول والتفضل على العباد بإجابة الدعاء وإعطاء السائل، وذلك لأنه وقت خلوة وغفلة واستغراق في النوم واستلذاذ به، فمَن فارق فراشه الدافئ وترك راحته يستحق هذا الجزاء الجزيل رفقةً به من الله[٦].


في حساب الثلث الأخير من الليل لا بد من معرفة عدد ساعات الليل ثم قسمتها على ثلاث، والليل عرفًا ولغةً يبدأ مع غروب الشمس وينتهي مع طلوع الشمس، فإذا كانت الشمس تغرب في تمام السادسة مساءً على سبيل المثال، والفجر يطلع في تمام السادسة صباحًا فإن ثلث الليل الأخير يبدأ بعد مرور 8 ساعات على المغيب، وبتعبير آخر فهو يسبق الفجر بأربع ساعات أي بدءًا من الثانية ليلًا حتى السادسة صباحًا أي موعد صلاة الفجر، وتجدر الإشارة إلى أن ثلث الليل الأخير في كل دولة يختلف عن غيرها حسب مواقيت الغروب وطلوع الفجر، كما أنه يتغير في البلد ذاته تبعًا للمذكور آنفًا[٧].


مسائل هامة في قيام الليل

فيما يأتي مجموعة ملخصة عن مسائل هامة حول صلاة قيام الليل وبيان الحكم الشرعي فيها[٨]:

  • من كانت في نيته أداء صلاة القيام لكنه نام عنها؛ كتب الله له أجر ما نوى، وكان نومه صدقةً عليه من الله جل وعلا.
  • مَن نام عن الوتر حتى طلوع الفجر؛ يمكن له القضاء ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح.
  • مَن فاته قيام الليل يشرع له أداء صلاة الضحى بقدر صلاة الليل.
  • مَن تيقّن من قدرته على الاستيقاظ لأداء القيام في الثلث الأخير من الليل فيستحسن تأخيره، أما مَن خاف فواته فالأولى أن يؤديه قبل الخلود إلى النوم.
  • سنة النبي في صلاة الليل بافتتاحها بركعتين خفيفتين، وقراءة دعاء القنوت في الوتر قبل الركوع، ومن قنت بعده فلا بأس.
  • صلاة الليل الجماعية مع أهل البيت مشروعة، وهي من فعل النبي المصطفى لما صلى بابن عباس مرةً وبابن مسعود مرةً في بيته، علمًا بأنه لم يتخذ ذلك سنةً، ولم يؤد الصلاة في المسجد.
  • أداء قيام رمضان أي صلاة التراويح جماعةً في المسجد تجزئ عن قيام ليلة كاملة، بالتالي فمَن صلى مع الإمام لا يستحب له ترك الوتر بحجة تأخيره إلى آخر الليل، ولا أن يشفعه معه بركعة.


المراجع

  1. "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  2. "شرح حديث : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ ... )"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "كيف تؤدى صلاة قيام الليل"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. "قيامُ اللَّيلِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  5. "فضل قيام الليل"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  6. "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.
  7. الشيخ خالد الرفاعي (17-5-2012)، "كيف نحسب الثلث الأخير من الليل"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2016. بتصرّف.
  8. سليمان الماجد (18-10-2013)، "ملخص أحكام قيام الليل في رمضان وغيره"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :