محتويات
عجائب الخلق دليل على وجود الله تعالى
عند التّدبُر والتّفكُّر في أدلة الكون الماديّة والعقليّة والحسيّة تَجِدها كلّها ناطقةً بوحدانيِة الله ووجوده، فأول دلائل وجوده سبحانه وتعالى في أن كرّم الإنسان بأداة أوليّة وهي العقل وجعل وظيفته إدراك وجود الخالق سبحانه، والاستفسار عن الحقائق، واتباع المنهج المناسب للحياة، فكان الاحتكام إلى العقل مع توفر الأدلة المادية على وجود الله سبحانه وتعالى موصلًا للإنسان إلى الدليل الإيماني الحق.
وجود الله تعالى
معنى الوجود: وجوده سبحانه من ذاته وعدم احتياجه إلى شيء، فمسألة الوجود قضية أزلية، تطرّق لها الفلاسفة ورجال الدين والعلماء، عن كُنهه سبحانه، وعن ذاته، وعن خلق الخلق، ولحل نزاع هذه التكهنات وقطع طريق الجدل فيها، أرسل سبحانه رُسلَه إلى أقوام مختلفين، لدعوتهم إلى وحدانيته، وخُتمت تلك الرسالات برسالة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعجزته القرآنية، التي أوضحت ماهية خلق الإنسان والكون والسماوات، وقطعت دابر الإلحاد بالله سبحانه وتعالى، وعدم إشراكه بإله غيره.
ومن أول دلائل وجود الله سبحانه وتعالى خَلق الكون من العدم، وجاء الإنسان إلى هذا الكون المُعدّ له كاملًا؛ فالشمس والقمر مسخران له في تعاقب الليل والنهار، ووجود البحار والمحيطات والأنهار والجبال، وغيرها من الدلائل المادية الدالة على قدرةٍ أعظم من قدرة البشر، فقال تعالى في قرآنه الكريم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت: 61]، فجميع العصور الإنسانية كانت باحثةً دومًا عن إله تعبده، وذلك لأنّ عقولها مدركة أنّ لهذا الكون الفسيح خالقًا أوجد كل شيء في نظام غير مختلّ، وإلهًا تطلب من قوته المساعدة في الضراء، وإلهًا تشكره وتحمده في السّراء، فأتت الرسائل السماويّة الهادية إلى طريق الحق ومؤكدةً إدراكات العقل عن وجود إله لهذا الكون.
تحدّي الله تعالى للإنسان
ومن أول تحديّات الله عزّ وجل للإنسان في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73]، فصدق الحق سبحانه؛ إذ رغم تقدّم التكنولوجيا وأجهزتها وآلاتها المتطوّرة إلا أنها عجزت عن صُنع ذبابة، فوصل الإنسان بآلاته إلى القمر والمريخ، واكتشف الكواكب والأجرام، وبقي تحدي الله عز وجل في خلق أصغر حشراته، وقياسًا عليها خلق بعوضة ونملة وغيرها الكثير من حشرات الكون المختلفة، فالعجز واضح ومُطلق في تحدي الإنسان لخلق الله تعالى في الحشرات والحيوانات والنبات فكيف في خلق الإنسان وقد جعله في أحسن تقويم، فهذا الإبداع في الخلق لله تعالى وحده، وأكّد ذلك في قوله سبحانه: (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) [الأنعام: 102].
عجائب خلق الله تعالى
- النحل: قال تعالى:(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[ النحل: 68-69]، فمن معجزات الخالق سبحانه خلق النّحل وتكوينه الدّاخلي، وحياته المنظمة، وبناء بيوته الهندسية، فخلقُها من العجب العُجاب؛ فبيوتها مُحكمة البناء سداسية متساوية الأضلاع، ودقة البناء هذه لا تُبقي فروجات ولا شقوق، وتجعلها متراصةً، وذلك يظهر عند امتلاء جزء بالعسل فلا يسيل ولا يضيع، وبناؤه من الشمع النقي الذي لا يسمح بنفاذ الهواء، ولكن عند إغلاق الأبواب يختلط هذا الشمع مع حبوب اللقاح، فيدخل الهواء من خلالها مما يزوّد يرقات النحل بالهواء لتتنفس، وإلاّ ماتت دون هواء.
أما عن تركيبة جسد النحلة؛ فقد خلق لها الله تعالى معدتين واحدةً لجمع المواد الأولية المُستخلصة من رحيق الأزهار وفيه تُفرز الخمائر الأولية المساعدة على صنع العسل للحفاظ عليه قبل وصوله إلى الخليّة، أو لحمل الماء، والمعدة الثانية لهضم طعامها الذي تتغذى عليه، أمّا حياة ملكة النحل فأول ما يُبنى في الخلية مقعدها وبيتها، فبيتها مربع شبيه بالسرير، وتجلس عليه وتحيطها طائفة من النحل وهم أُمراؤها، وخدمها، جاعلين بين يديها شيئًا شبيهًا بالحوض يملؤونه بأصفى أنواع العسل وأطيبه فهذا طعام الملكة وغذاؤها، ولا تخرج الملكة من الخلية إلا إذا أرادت التنزه فتطوف في البساتين والمروج ساعة في النهار ومعها الأمراء والخدم، ثم تعود إلى الخلية، فحياة النحل من بناء ونظام وغذاء وتلقيح ثم موت كل جزء فيها أعجوبة من عجائب خلق الله سبحانه.
- النمل: يرعى النمل ما يسمى بالمن (قمل النبات)، المتواجد على أوراق الشجر، ففي بداية الربيع يذهب النمل لجمع بيض هذا المن، ويضع هذه البيوض في بيوته ويعتني به كما يعتني ببيوضه، وعندما تفقس ويخرج الصغار يطعمهم ويكرمهم، وبعد فترة قصيرة يبدأ هذا المن بإدرار سائل حلو المذاق كالعسل، فيحلب النمل هذا السائل من هذا المن كما يُحلَب الحليب من البقر، فمن علّم النمل هذا الفعل وهداه إلى حشرة المن، فهذه عجيبة من عجائب الله عز وجل.
فعجائب خلق الله سبحانه وتعالى لا تُعدّ ولا تُحصى، ومنها خلق الإنسان من نطفة، ثم من علقة وكسا اللحم عظامًا، ثم صور الله وأحسن خلقه، والحديث عن خلق الإنسان بحد ذاته معجزة وأعجوبة، عجزت كل العقول والتكنولوجيا في صنع إنسان، وقد أُجريت بعض محاولات الاستنساخ ولكنّها فشلت لأنّ الإنسان ليس ماديًّا فقط بل له محرك أساسي وهو الروح، فالروح من أمر الله لا يعلم أحد ماهيتها ومم تتكوّن، كما خلق الله الجبال والمحيطات، والزلازل والبراكين، والسماء رفعها من غير أعمدة، وغيرها الكثير من الأدلة على قدرة عظيمة تعجز كل مخلوقات الكون في تحديها، فتبارك الله أحسن الخالقين.
أنواع التفكر في خلق الله
يوجد نوعان للتفكر في خلق الله، كما يلي[١]:
- التفكر الضار: هو تفكر غير نافع لأصحابه، ويكون بالتفكر بمخلوقات الله لغاية تفيدهم في الدنيا، ولا يقودهم التفكر إلى ما ينفعه في الآخرة.
- التفكر النافع: هو التفكر الذي يؤدي بصاحبه إلى اليقين بعظمة الله تعالى.
المراجع
- ↑ "التفكر في عجائب خلق الله جل جلاله"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 11-5-2020. بتصرّف.