الحكمة من بعث الرسل
الأنبياء والرسل هم أكمل البشر وأطهرهم قلوبًا، وقد رزقهم الله تعالى العقل والحكمة والخلق الحسن، وأرسل الله عزّ وجلّ الأنبياء والرسل لكلّ أمّة على هذه الأرض ليبينوا لهم طريق الحق من طريق الضلال، وليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور وليرشدوهم إلى عبادة الله عز وجل، وحتى لا يكون لهم حجة لفجورهم وعصيانهم، ومما دعا إليه الأنبياء والرسل تقوى الله عز وجل، فكانوا يدعون أقوامهم إلى التمسك بهذه الصفة الحميدة لتكون الطريق إلى الجنة ورضا الله تعالى، وفيما يلي من المقال ذكر لبعض الأعمال التي توصل المسلم إلى تقوى الله عز وجل[١].
كيف تكون تقيًّا
تُعرّف التقوى اصطلاحًا بأنّها عبادة الله تعالى واتّباع أوامره واجتناب نواهيه محبةً بالله تعالى وخوفًا منه ورجاءً لما عنده وتعظيمًا لحرماته، كما أنها خشية الله في السر والعلن، وبالاستناد إلى معنى التقوى الاصطلاحي؛ فإنها تحتوي على ركنين أساسيين، هما: الامتثال لأوامر الله تعالى وفعل الطاعات، والركن الثاني اجتناب النواهي والابتعاد عن المعاصي، وقد ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم 258 مرةً، ويمكن للمسلم تحقيق تقوى الله عز وجلّ بما يأتي[٢][٣]:
- معرفة قدر الدنيا وتفضيل الآخرة عليها، فقد وعد الله المتقين جنات تجري من تحتها الأنهار، فلا يضيع المسلم لأجر الآخرة بتضييع التقوى في الحياة الدنيا، فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
- استشعار عظمة الله تعالى وجليل قدره.
- حرص المسلم على الصيام الذي يعينه على التقوى؛ فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أن الهدف من الصيام تحقيق التقوى، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
- تحقيق الغاية العظمى لوجود الإنسان على هذه الأرض، وهي عبادة الله تعالى؛ ويكون هذا باتّباع أحكام شريعته سبحانه وتعالى.
- الحرص الدائم على الخلو بنفسه لمحاسبتها على أيّ ذنبٍ قد بدر منه في غفلته.
- استشعار المسلم لمراقبة الله عزّ وجلّ له في كلّ وقتٍ وحين، وتيقنه أنّه لا تخفى عليه خافية، وأنّه مطّلع سبحانه وتعالى على خبايا الصدور.
- معرفة الثواب المترتب على التزام المسلم بتقوى الله تعالى في الدنيا والآخرة والمنزلة العظيمة للمسلم التقي.
- الاقتداء بالأنبياء والرسل الذين كانت التقوى ملازمة لهم وقراءة سيرهم ومعرفة اكتسابهم هذا الخلق الجليل، والحرص على سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجتناب البدع، قال تعالى: { وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
- الحرص على أداء الصدقات خفية.
- المداومة على كافّة أنواع الذكر إن كان ذلك بالتكبير أو التهليل أو قراءة القرآن الكريم في كلّ وقتٍ حتى يصبح اللسان رطبًا بذكر الله تعالى.
- تنقية النفس من الأمراض الخفية؛ كالغيرة والحقد والكره ويكون ذلك بتذكّر الآخرة والموت وأهوال يوم القيامة وما سيلاقيه العبد من ذل وعذاب إن عصى خالقه، وفي المقابل الثواب العظيم الذي سينعم به إن التزم تقوى الله تعالى وطاعته.
- الحرص على التوبة النصوح وعدم تأجيلها والندم على الذنب مهما كان صغيرًا في عين العبد، إنّما على المسلم أن ينظر إلى عظمة الخالق الذي يعصيه.
- اختيار الصحبة الصالحة والجليس الصالح المتخلّق بالأخلاق الحسنة والابتعاد عن صحبة السيئة؛ إذ إنّ الصحبة الصالحة تعين على الصلاح والتقوى وتُقوّي من عزم المرء على المسير في طاعة الله تعالى، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 134-136].
- صيانة الحواس عن الخوض في المحرّمات.
- الحرص على طلب العلم النافع الذي يدفع المسلم إلى طاعة الله تعالى وتقواه.
فضائل التقوى
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من فضائل التقوى التي لا يمكن حصرها، وفيما يلي بعض هذه الفضائل التي يجب على المسلم أن يحرص على نيلها[٤]:
- التقوى سبب في نيل محبة الله تعالى، قال الله تعالى: {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76].
- الله تعالى يرحم المتقين في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156].
- التقوى سبب في معونة الله تعالى ونصره وتأييده لعباده المتقين، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]
- الأمن من الخوف والسكينة والطمأنينة التي تسكن قلوب المتقين، قال تعالى: { فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35].
- التقوى تحصن العبد من شرور الشيطان، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]
- التقوى سبب في تكفير السيئات، قال تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5]
- التقوى سبب في سعة الرزق، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]
- التقوى سبب في تفريج الكربات، قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2-3].
أحاديث نبوية عن التقوى
حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على التزام الأخلاق الحميدة، وكان -عليه الصلاة والسلام- القدوة العظيمة والمعلم الأول للأمة أجمع، ومن الأخلاق التي دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى التزامها التقوى، ومن هذه الأحاديث ما يلي[٥]:
- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أُوصيكم بتَقْوى اللهِ، والسَّمعِ والطَّاعةِ وإنْ عبدًا حَبَشيًّا؛ فإنَّه مَن يَعِشْ منكم بعدي فسَيَرى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْديِّينَ الرَّاشِدينَ، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَ مُحدَثةٍ بِدْعةٌ، وكلَّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ) [تخريج سنن أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ) [الأمالي المطلقة| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- (سُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أكثرُ ما يُدخلُ الناسَ الجنةَ؟ قال: تقوَى اللهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ. قيل: مَا أكثرُ ما يُدْخِلُ الناسَ النارَ؟ قال: الأَجْوَفَانِ: الفمُ والفرجُ) [صحيح الموارد| خلاصة حكم المحدث: حسن].
المراجع
- ↑ " مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة"، al-eman، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "ما معنى تقوى الله"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تقوى الله فضلها وثمراتها"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "مع التقوى والمتقين"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.