مدينة بنيت في عهد عمر بن الخطاب في مصر

مدينة بنيت في عهد عمر بن الخطاب في مصر

الخليفة عمر بن الخطاب

هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من مواليد عام 586 ميلاديًّا، ولد في مدينة مكة في المملكة العربية السعودية، وتوفي في الثالث من نوفمبر من عام 644 ميلاديًّا في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، ويقال له في كتب التاريخ "عمر الأول"، وفي عهد عمر بن الخطاب فتحت الجيوش الإسلامية بلاد الرافدين وسوريا، وكذلك فتحت مصر وإيران.

فقد كانت فترة خلافة عمر بن الخطاب من عام 634-644 فترةً ذهبيةً في حياة الأمة الإسلامية، إذ اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وامتدت بشكل كبير جدًا، وعرف عن عمر بن الخطاب القدرة العالية على التوجيه المميز والتنظيم الرائع مما عجل في تقدم الدولة في عهده، وقد عرف عمر بن الخطاب بالكثير من الصفات التي ميزت شخصيته من نعومة أظفاره، فهو أحد أفراد عشيرة عدي من قبيلة قريش، المشهرين بالحكمة وسداد الرأي، وفي بداية ظهور الدين الإسلامي الذي جاء به محمد صلى الله علية وسلم عارض عمر بن الخطاب الدعوة الجديدة ولكنه أسلم لاحقًا وكان ذلك في عام 615 ميلاديًّا، وعندما قرر محمد صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة المنورة هاجر عمر بن الخطاب في عام 622 ميلاديًّا، كما هاجر الكثير من مسلمي مكة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وكان عمر بن الخطاب أحد أكبر الصحابة إذ اقترن اسمه مع اسم الصحابي الجليل أبي بكر الصديق، وكان يقدم الكثير من الآراء السديدة والمميزة حين كان محمد صلى الله يستشير أصحابه في شؤون الدولة المختلفة، وكانت له مكانة خاصة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم حين تزوج الرسول الكريم "السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب" في عام 625 ميلاديًّا.

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عام 632 ميلاديًّا، لعب عمر بن الخطاب دورًا مميزًا في التوفيق بين الآراء المختلفة حول من سيخلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قيادة الأمة الإسلامية، واستطاع بحكمته جمع كلمة المسلمين من المهاجرين والأنصار على قيادة أبي بكر وخلافته للرسول عليه الصلاة والسلام، وأصبح أبو بكر خليفةً للمسلمين في تلك الفترة الحرجة الواقعة بين عامي (632-634)، وكان عمر بن الخطاب مستشارًا لأبي بكر خلال فترة خلافته، واعتمد عليه في كثير من الآراء التي قدمها، وقبل وفاته رضي الله عنه رشح عمر بن الخطاب ليخلفه في قيادة المسلمين ومتابعة المسيرة بعد صاحبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، وكان نعم الخلف لخير السلف.

كان عمر بن الخطاب أول شخص يطلق عليه لقب "أمير المؤمنين"، وعرف عن عمر بن الخطاب سيطرته ومتابعته الحثيثة لكل شؤون الدولة، وشهدت الأمة الإسلامية في عهده تحولًا كبيرًا جدًا، فتحولت الدولة من إمارة داخل الجزيرة العربية إلى قوى عالمية، وواجهت الدول العظمى المحيطة للجزيرة مثل الفرس والروم، وكان عمر بن الخطاب يشرف بشكل مباشر على شؤون الدولة العسكرية والسياسية، فوضع المبادئ الخاصة بإدارة الأراضي المفتوحة، ووضع هيكلًا إداريًا لنظام الدولة والتي كانت تتوسع بشكل كبير ومتسارع بما في ذلك الممارسات القانونية، ويرجع اليه الفضل في إرساء الخطوط الأساسية لهذا النظام الذي قامت عليه الإمبراطورية الإسلامية لاحقًا، كما أسس عمر بن الخطاب الديوان، إذ تطور مع مرور الوقت ليشكل هيئةً حكوميةً قويةً ومميزةً، كما أنشأ ديوان القضاء، ومن أعماله العظيمة إنشاء التقويم الهجري الإسلامي، كما أسس المدن الحامية مثل الفسطاط في مصر، والبصرة والكوفة في العراق.

وفي عام 644 ميلاديًّا، تعرض عمر بن الخطاب لهجوم من قبل العبد المسيحي الفارسي الذي يدعى "أبو لؤلؤة" وتوفي متأثرًا بجراحه بعد مرور ثلاثة أيام على هذه الحادثة، وبينما كان ينازع روحه ويحتضر بقى همه الأكبر مصلحة المسلمين فشكل مجلسًا من ستة رجال لاختيار الخليفة له في قيادة المسلمين، واختير "عثمان بن عفان" بعد وفاته خليفة ثالثًا للمسلمين[١].


مدينة بنيت في عهد عمر بن الخطاب في مصر

إنها الفسطاط عاصمة ولاية مصر الإسلامية في زمن الخلافة الأموية والعباسية وبقيت تحت سيطرة الخلافة العباسية، حتى استولى عليها القائد الفاطمي جوهر الدين وذلك في عام 969 ميلاديًّا، وقد تأسست مدينة الفسطاط في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد القائد المسلم عمرو بن العاص في عام 641 ميلاديًّا على الضفة الشرقية لنهر النيل جنوب مدينة القاهرة، وتعد الفسطاط أول مدينة إسلامية بنيت في مصر، وفيها جامع عمر بن العاص وهو أيضًا أول مسجد بُني في مصر من قبل المسلمين، ونشأت بشكل عشوائي إلى حد ما، وتعرضت المدينة للحريق أكثر من مرة، فأقام الولاة العباسيون أحياءً جديدة في المناطق الشمالية، فساهم في ازدهار المدينة إذ ازدهرت التجارة وصناعة الأواني الزجاجية والسيراميك الفاخر، واستمرت المدينة عاصمة للدولة الفاطمية التي حكمت مصر، وتعرضت لحريق كبير أثناء الحملات الافرنجية ثم أعيد بناؤها في زمن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، وتوسعت المدينة مع مرور الوقت، واستبدل اسمها بالقاهرة، وفي مصر الحديثة تشكل الفسطاط ربع القاهرة المصرية المعروفة اليوم وتشتهر باسم "القاهرة القديمة"[٢].

بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد القائد الكبير عمر بن العاص رغب بإقامة عاصمة للمسلمين في مصر أراد أن تكون العاصمة مدينة الإسكندرية فهي مدينة قديمة جدًا أُعيد بناؤها عددًا من المرات عبر التاريخ، فقد خضعت لحكم الدولة الرومانية في العصر البطليمي بين عامي 332 قبل الميلاد وحتى عام 641 بعد الميلاد، و لكن الخليفة عمر بن الخطاب عارض أن تكون الإسكندرية هي عاصمة مصر مما جعل القائد عمر بن العاص يتحول عن الإسكندرية إلى مدينة الفسطاط، وأصبحت بالفعل عاصمة المسلمين في مصر لقرون عديدة، ومعنى كلمة الفسطاط في اللغة العربية "الخيمة"، وقد بنى القائد عمرو بن العاص فسطاطًا أي "خيمة" وعسكر مع جيشه في هذا المكان، ولاحقًا أقيم مكان الخيمة مسجد عرف باسم مسجد عمرو بن العاص أو "المسجد العتيق"، واليوم تعد الفسطاط من أكبر أحياء القاهرة الكبرى، وتحتوي على العديد من المواقع الأثرية المميزة، مثل كنيس بن عزرا، وأكثر من سبع كنائس قديمة، ومسجد عمر بن العاص، وموقع التنقيب لبقايا مدينة الفسطاط القديمة، وموقع مقياس النيل في جزيرة الروضة، وقصر المنستيرلي، وقصر محمد علي في المنيل[٣].


ماذا حدث أيضًا في عهد عمر بن الخطاب؟

عندما نتذكر أو نفكر باسم أعظم ملوك الأرض غالبًا ما يتبادر إلى العقل اسم الإسكندر الأكبر وبالفعل هو يستحق هذه السمعة والمكانة، ولكن شخصية عمر من الخطاب التي لا يدرك أهميتها الكثيرون كانت حقًّا أعظم من كثير من الملوك والمؤثرين في تاريخ البشرية، وقد كتب عن عمر بن الخطاب الكثير من التحليلات ولكن غفل المؤلفون عن جوانب من شخصيته، وقدر بعضهم ما كان عليه من ذكاء وقيادة وتميز، وقد سار عمر على خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت أفكاره وسياسته في كل الأمور مثيرةً للإعجاب، وكان مذهلًا بقيادة دولة سريعة الانتشار الجغرافي، وتتسارع فيها التغيرات بشكل كبير، وكان قادرًا على القيادة بحكمة ووعي مدهشين[٤].

لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة، بعد وفاة أبي بكر شعر الناس بالقلق بسبب ما عرف عن عمر من الشدة والحزم، فكان من أهم أعماله بعد أن تولي الخلافة مباشرةً التالي[٥][٦]:

  • وقف على المنبر وقدم إلى الناس خطبةً مميزةً تعد بمثابة الدستور الشامل لسياسات الحكم التي سينفذها خلال فترة خلافته، وتحدث فيها عن مبدأ العدل والمساواة، وحزمه في رفع الظلم عن المظلوم، وإحقاق الحقوق لأصحابها، وكان مدركًا لأهمية العدالة المالية بين الناس؛ فبين لهم أنه لن يأخذ منهم شيئًا أو مما أنتجته أرضهم أو من غنائم الحروب إلا كما أمر الله ولن ينفقها إلا بما أمر الله، وأنه سيحاسب كل من يتعدى على قرش أو درهم من أموال المسلمين، وأنه سيزيد من مخصصاتهم ورواتبهم، وأن المخصصات المالية والرواتب للناس جميعًا، وسيعمل على حراسة حدودهم، وطمأن الناس أنه لن يرسل الجيوش إلى أماكن الخطر التي لا يتوقع معها النصر، ووعد المجاهدين بعدم إبقائهم لفترات طويلة على الثغور وفي مواقع المعارك، وأنه سيقوم على رعاية أطفالهم وعائلاتهم في حال غيابهم.
  • قام عمر بن الخطاب بإصلاح القوانين المتعلقة بتوزيع الأراضي والضرائب، فمن المعروف أن الغنائم في المعارك الإسلامية تقسم إلى خمسة أجزاء، تكون أربعة أجزاء للمجاهدين وجزء واحد فقط للدولة الإسلامية، لكن عمر بن الخطاب لم يرَ ذلك في تقسيم الأرض المفتوحة لا سيما أرض العراق والشام، ورأى أن الغنائم المتنقلة تخضع للتقسيم السابق، أما الغنائم غير المتنقلة فتبقى ملكًا للدولة، ويقوم أصحابها الأصليين بدفع ضرية للدولة مقابل العمل بها واستثمار محاصيلها الزراعية، وكان يرى أن ذلك أساس للنشاط الاقتصادي وأن استخدام الأرض وزراعتها حجر أساسي في توليد الثروة والتجارة، وكان يرى أن عدم توزيع الأراضي على المجاهدين يمنع وجود الإقطاعيين في الدولة الإسلامية ويمنع بقاء الأموال في يد الأغنياء.
  • فرض عمر بن الخطاب الرسوم الجمركية على التجار الأجانب عند عبورهم الأراضي الإسلامية، وكان معدل الضريبة العشر، وهي ذات القيمة التي كانت تفرضها الدول الأجنبية على التجار المسلمين عند عبورهم الأراضي الأجنبية، وتفرض مرةً واحدةً في العام على الصنف الواحد بغض النظر عن عدد المرات التي يدخل بها التاجر الأجنبي الأرض الإسلامية، وكانت تفرض على الحدود الخارجية وليس بين الولايات الإسلامية.
  • استثمر في البنية التحتية، كحفر القنوات المائية التي زودت المدن بالماء، فحين اشتكى أهل البصرة إلى الخليفة عمر شح الماء في مدينتهم أمر بحفر قناة مائية لتزويد السكان بالماء، إذ جُلبت الماء من نهر دجلة عبر قناة كان طولها 9 أميال، كما حفرت قناة في مصر تربط بين نهر النيل والبحر الأحمر طولها 69 ميلًا استغرق حفرها ستة أشهر ساعدت على زيادة النقل البحري، ففي العام الأول وصلت عشرون سفينة من مصر تحمل كميات كبيرة من الحبوب إلى المدينة المنورة عن طريق البحر الأحمر.
  • بنى مدينتي الكوفة والبصرة في العراق، ومدينة الفسطاط في مصر، كما أولى اهتمامًا واضحًا بتصميم الطرق، واهتم بعرض الشوارع ومركزية المسجد لا سيما في مدينتي الكوفة والبصرة، وهذه الإجراءات سهلت عمليات الاستثمار والتنمية؛ مما سمح بتراكم الثروة ورأس المال في وقت قصير فتزايدت حركة العرض والطلب وبقيت قيمة النقود ومستوايات الأسعار في استقرار شبه دائم.
  • اشتهر الخليفة بإحساسه بالمسؤولية الشخصية عن كل فرد تحت رعايته؛ فكان تعاطفه مع الفقراء حقيقيًا، يتفقد أحوالهم باستمرار ويمشي في الطرقات ليلًا ويبحث عن الجائع والمظلوم ويحقق العدالة ويتفقد أحوال الناس، واشتهرت عنه الكثير من القصص في هذا المجال ومن إحدى الرويات المشهورة أنه كان يسير مع رجل يدعى "أسلم" في إحدى الليالي خارجًا فرأى نارًا وعندما اقترب منها رأى امرأة مع أطفالها وهم يبكون حولها فألقى السلام عليها فردت المرأة السلام وقالت: "أحضر لنا بعض الخير أو اتركنا وشأننا"، سألها الخليفة عن سبب بكاء الأطفال فأخبرته أنه الجوع والبرد، وكان أمامها قدر فوق النار، فسألها الخليفة عمر عما فيه فأخبرته أنه يوجد فيه ماء لأطفالها وأضافت: "أسأل الله أن يحكم بيننا وبين عمر" فأجاب الخليفة: "رحمك الله، كيف يمكن لعمر أن يعرف شيئاً عنك؟" فأجابت: "إنه تولى أمرنا، ثم نسي همنا" فغادر الخليفة مع أسلم المكان مسرعًا وذهب إلى بيت المال، وأحضر الدقيق والسمن، وحمل الكيس فوق ظهره، وحاول أسلم أن يحمل الكيس عن بدل الخليفة، لكنه رفض ذلك قائلًا " ومن يحمل عني العبء يوم القيامة" ثم عاد إلى المرأة وأعد الطعام للأطفال فشكرته المرأة على حسن صنيعه وقالت: "لقد فعلت ما لم يفعل عمر"، فرد عليها قائلًا: "تعالي غدًا إلى مجلس أمير المؤمنين وستجدينني هناك" وانتظر بعيدًا لم يغادر المكان يراقب الأطفال حتى أكلوا وناموا، ثم حمد الله وقال لأسلم: أيقظهم الجوع فلم أشأ أن أغادر حتى أراهم وهم نائمون من الشبع.

هذا هو عمر الذي جمع بين الرحمة وبين الحزم، وقاد الأمة الإسلامية في وقت قصير، ورفع من شأنها بحكمته السياسية ومواقفه الحازمة وتخطيطه الرائع؛ فأولى أهمية كبيرة جدًا للموارد الطبيعية كوسيلة مهمة جدًا للإنتاج، ولم تكن سياسته فيما يتعلق بالإنتاج والاقتصاد رأس مالية ولم تكن شيوعية إن أردنا استخدام المصطلحات الحديثة؛ بل كانت تنفيذًا لتعاليم دين عظيم اهتم بالاقتصاد كما اهتم بالصلاة والعبادة، فكل ما قام به عمر بن الخطاب هو التفكير السليم والمرن بمصلحة الأمة الإسلامية بمجموعها، فالملكية الفردية وحقوق الأشخاص تحظى بكامل الاحترام ما دامت لم تمس المصلحة العامة للمسلمين.


المراجع

  1. "Umar I", britannica, Retrieved 6-7-2020. Edited.
  2. "Al-Fusṭāṭ", britannica, Retrieved 6-7-2020. Edited.
  3. "Al-Fustat (Old Cairo)", egymonuments, Retrieved 6-7-2020. Edited.
  4. "THE FORGOTTEN ECONOMIC GENIUS OF HAZRAT UMAR IBN AL-KHATTAB — ISLAM’S SECOND CALIPH", rationalreligion, Retrieved 6-7-2020. Edited.
  5. "Umar Ibn Al-Khattab: The Commander of the Faithful", arabnews, Retrieved 6-7-2020. Edited.
  6. "THE FORGOTTEN ECONOMIC GENIUS OF HAZRAT UMAR IBN AL-KHATTAB — ISLAM’S SECOND CALIPH", rationalreligion, Retrieved 6-7-2020. Edited.

فيديو ذو صلة :