ما حكم عمل المراة في الاسلام

ما حكم عمل المراة في الاسلام

مكانة العمل في الإسلام

لقد اهتم الدين الإسلامي الحنيف بكافة جوانب الحياة، بما في ذلك الاهتمام الكبير بالعمل؛ إذ أعطى له مكانة عظيمة، ومنزلةً رفيعة، فبه تُنال الأجور، وترتفع الدرجات؛ وذلك لأنَّ العمل في الإسلام من أنواع العبادات التي يتقرّب بها العبد من ربه، فهو المُعمر للديار، والمُقوّم للحياة، وهو من عوامل الاستقرار، وازدهار الأوطان، الأمر الذي يظهر في الكثير من الآيات الكريمة، إذ يقول تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]، ولم يقف الأمر عند هذا فحسب بل إن الإسلام يَعدّ العمل من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى؛ إذ روى كعب بن عجرة قال: (مر على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ) [المتجر الرابح| خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح]، ولهذا فإن العمل من الأمور التي حثّ عليها الدين الإسلامي، ولكن قد يتساءل البعض عن حكم العمل للمرأة وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال[١].


ما حكم عمل المرأة في الإسلام

لم يقتصر الدين الإسلامي في تبيان شرائعه على الرجل وحده، بل إن المرأة والرجل في ذلك سواء؛ فهي إنسان حالها كحال الرجل، فيقول تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195]، فلا فرق بين الرجال والنساء عند الله تعالى، ومن ذلك فإن المرأة مكلّفةٌ بالعمل كالرجل تمامًا، ولها ما له من ثواب وحساب؛ إذ إنّ المرأة -كما يُقال- نصف المجتمع، فلم يكن الإسلام ليحكم على نصف المجتمع بالجمود وعدم النفع، كما أن المرأة ذات وظيفة إلهية مقدسة، فهي المربي الأول للأجيال، الأمر الذي لا يستطيع أن يقوم به أحد غيرها؛" لذا فإن ارتقاء المجتمع وتقدمه معقود بالمرأة ومكانتها في الأسرة وتربية الأجيال.

ولكن لا يعني هذا أنَّ عمل المرأة خارج منزلها محرّم، فلا يملك أحد أن يُحرّمه دون وجود نص شرعي صريح الثبوت؛ لذا فإن عمل المرأة جائز، وربما يصل إلى منزلة الاستحباب، بل ويتعدّى في بعض الأحيان إلى أن يكون واجبًا، وذلك إذا ما كانت المرأة تحتاج إلى العمل، كأن تكون المعيلة لنفسها أو أولادها، فيكون عملها واجب لتكفي نفسها ذل السؤال والحاجة، ولكن في حدود ما تستطيع من أعمال، وفي بعض الأحيان تستدعي حاجة الأسرة عمل المرأة لمساعدة زوجها، أو أولادها، أو والديها، أو إخوتها الصغار، وما إلى ذلك من أسباب، وفي ذلك ما ورد في قصّة ابنتي شعيب -عليه السلام- مع سيدنا موسى -عليه السلام-، فضلًا عمّا ورد عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها وعن أبيها- حين كانت تساعد زوجها في شؤون حياته، كما أن المجتمع الإسلامي ذو حاجةٍ ماسة لعمل المرأة، كأن تكون طبيبةً نسائية، أو ممرضة، أو مدرسة، أو ما إلى ذلك من أعمال خاصة بالمرأة، ولكن لا بدّ من مراعاة الشروط الشرعية للعمل[٢].


شروط عمل المرأة في الإسلام

كما أسلفنا فإنّ العمل مباح للمرأة، ولكن لا بدّ من مراعاة بعض الشروط الواجب توفّرها، وذلك ليكون عمل المرأة فيه صلاح المجتمع الإسلامي لا فساده، وفيما يأتي نذذكر تلك الشروط[٣]:

  • العمل المباح: من الشروط التي يجب توافرها في عمل المرأة أن يكون العمل مما يحلّ شرعًا، كأن يكون العمل ممّا يحتاج إليه المجتمع الإسلامي؛ كالطب والتمريض، والتعليم ونحو ذلك.
  • الإذن: لا بد للمرأة عند الخروج إلى العمل أن تستأذن زوجها أو وليّ أمرها، وذلك لأن الوليّ مسؤولٌ عنها أمام الله تعالى، وقد استدل الفقهاء على ذلك من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
  • الحاجة إلى العمل: يجب أن تكون المرأة ذات حاجة للعمل، أو أن يكون المجتمع الإسلامي يحتاج إلى عملها، كما أن علماء الفقه أجازوا للمرأة الخروج للعمل دون إذن زوجها إذا كان لا يكفيها، واستندوا في ذلك إلى ما ترويه عائشة -رضي الله عنها- فتقول: (خَرَجَتْ سَوْدَةُ بنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا، فَرَآها عُمَرُ فَعَرَفَها، فقالَ: إنَّكِ واللَّهِ يا سَوْدَةُ ما تَخْفَيْنَ عَلَيْنا، فَرَجَعَتْ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَتْ ذلكَ له، وهو في حُجْرَتي يَتَعَشَّى، وإنَّ في يَدِهِ لَعَرْقًا، فأنْزَلَ اللَّهُ عليه، فَرُفِعَ عنْه وهو يقولُ: قدْ أذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أنْ تَخْرُجْنَ لِحَوائِجِكُنَّ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • عدم تضييع الحقوق: من شروط عمل المرأة ألا تُضيّع حقوق أولادها وزوجها في الحياة الأسرية، وقد استدل الفقهاء على هذا بالحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر فيقول: (قَالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ قَالَ: فلا تَفْعَلْ صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ بحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، فإنَّ لكَ بكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا، فإنَّ ذلكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي أجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، ولَا تَزِدْ عليه، قُلتُ: وما كانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ، فَكانَ عبدُ اللَّهِ يقولُ بَعْدَ ما كَبِرَ: يا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • أن يلائم طبيعة المرأة: فمن شروط العمل للمرأة أن يلائم طبيعتها التي خلقها الله تعالى عليها، ومراعاة الاختلافات بين جسد الرجل والمرأة، فلا يجوز للمرأة أن تعمل في الأعمال التي تتطلب قوةً بدنية عالية.
  • اللباس الشرعي: من الواجب على المرأة أن تلتزم في خروجها للعمل باللباس الشرعي الذي أمر به الله تعالى، فلا يُجسد مفاتن المرأة، ولا يكون في ذاته من ملابس الزينة، ويندرج تحت ذلك عدم التطيب والتعطر، لما ورد في ذلك من التحريم القطعي.
  • الابتعاد عن الفتنة والاختلاط: من شروط عمل المرأة أن تأمن على نفسها من الافتتان في الخروج إلى العمل، فلا تفتتن بأحد ولا يُفتتن بها أحد، ويجري في ذلك ألا يكون العمل مختلطًا الاختلاط الذي يحرم شرعًا.


المراجع

  1. "مكانة العمل وآدابه في الإسلام"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 1-1-2020. بتصرّف.
  2. "عمل المـرأة .. حقيقته وضوابطه"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 1-1-2020. بتصرّف.
  3. "التفصيل في عمل المرأة بين التحريم والتحليل"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 1-1-2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :