حكم خروج المرأة متعطرة

حكم خروج المرأة متعطرة

التعطّر والتطيّب في الإسلام

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ الطيبَ، ويكثرُ من التطيّب، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكمُ النِّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ) [البدر المنير| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح]، ويفسّر ابن القيم رحمه الله حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للتطيّب، فيقول: "لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع القلب والدماغ، وسائر الأعضاء الباطنية، ويسرُّ النفس، ويفرّحُ القلب، ويبسط الروح، وهو أصدقُ شيء للروح، وأشده ملاءمة لها، وبينه وبينَ الروح الطيبة نسبة قريبة، وكان أحَد الأشياء المحبوبة من الدنيا إِلى أطيب الطيبين صلوات الله عليه وسلامه، وفي الطيبِ من الخاصية أنّ الملائكة تحبه والشياطين تنفر عنه، فأكثر ما يحبه الشياطين الرائحة المُنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، وهذا وإن كَانَ في النساء والرجال، فإنّهُ يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح، إما بعموم لفظه، أو بعموم معناه".

وكان عليه الصلاة والسلام إذا أُهدي الطيب لم يردّه، ونهى عن ردّه، فعن أنس رضي الله عنه: "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ لا يَرُدُّ الطِّيبَ" [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وعنه رضي الله عنه أنّه قال: "ما رأيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُرِض عليه طِيبٌ فرَدَّه قَطُّ" [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ لا تُرَدُّ: الوسائدُ، والدُّهنُ واللَّبنُ) [صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَن عُرِض عليه طِيبٌ فلا يرُدَّه فإنَّه خفيفُ المَحمَلِ طيِّبُ الرَّائحةِ) [صحيح ابن حبان| خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه] ويفسّر القرطبي الحديث: "المحمل بفتح الميمين، ويعني به الحمل، والحديث يدلُّ على أن ردّ الطيب خلاف السنة؛ لأنَه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حامله، وباعتبار عرضه طيب لا يتأذَّى بِهِ مَن يعرض عليه، فلم يبق حامل على الرَّد، فإن كُلّ ما كان بهذه الصفة محبب إلى كل قلب مطلوب لكل نفس"، ويقول ابن العربي: "إنما كان لا يردُّ الطيب؛ لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر مِن غيره؛ لأنه يناجي مَن لا نناجي، وأما نهيه عن رد الطيب، فهو محمول على ما يجوز أخذه، لا على ما لا يجوز أخذه؛ لأنه مردود بأصل الشرع".

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيبُ الناس رائحة دون أن يتطيّب، وإنْ تطيّب يُشم طيبُه من بَعيد، ويُلمس أثَرُه من قَريب، فكل من يجالسُه ينشرح لَه وكأنّه في روضة غنَّاء، وإذا مسَّ أَحَدهم جَسده، أو ثوبَه فيجد ليدِه ريحًا طيبًا مِنْ أَثَرِ اللمس، وعن أنس رضي الله عنه قال: "ما شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ، وَلَا مِسْكًا، وَلَا شيئًا أَطْيَبَ مِن رِيحِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَلَا مَسِسْتُ شيئًا قَطُّ دِيبَاجًا، وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مَسًّا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ" [صحيح مسلم|خلاصة حكم المحدث: صحيح] وفي رواية: "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً، وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِن كَفِّ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِن رَائِحَةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ" [صحيح مسلم|خلاصة حكم المحدث: صحيح] ، وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: "صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إلى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ معهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا، أَوْ رِيحًا كَأنَّما أَخْرَجَهَا مِن جُؤْنَةِ عَطَّارٍ" [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ المسك من القارورة، ويمسح على لحيته ورأسه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طِيبُ الرِّجالِ ما ظهَرَ رِيحُه وخَفِيَ لونُه، وطِيبُ النِّساءِ ما ظهَرَ لونُه وخَفِيَ رِيحُه) [سنن الترمذي|خلاصة حكم المحدث: حسن]، وكان المِسكُ أحبُّ أنواع الطيب إلى النبيّ عليه صلوات الله، فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ عن المسكِ فقال: (هو أطيبُ طِيبِكُم) [عارضة الأحوذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١]


ما هو حكم خروج المرأة متعطرة؟

خروجُ المرأة مِن بيتها وهي متطيّبة غير جائز، سواء ذهبتْ إلى السوقِ أو إِلى أيّة جهة أخرى يمكن أن تجلبَ الفتنة، وقد ذكرَ الإمامُ ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة ولو بإذن الزوج" تحت عنوان: "الكبيرة التاسعة والسبعون بعد المائتين" وتضمن الزجر عن خروج المرأة متعطر الحديث الذي رواه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كل عينٍ زانِيةٍ، والمرأةُ إذا استعطرتْ فمرتْ بالمجلسِ، فهي كذا وكذا، يعني: زانيةٌ) [سنن الترمذي|خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح]، وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّما امرأةٍ استَعْطَرت فمرَّت على قومٍ لِيجِدوا ريحَها فهي زانيةٌ وكلُّ عينٍ زانيةٌ) [صحيح ابن حبان| خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه][٢].


من حياتكِ لكِ

يجوز لكِ الخروج للتعليم أوعيادة المريض، أو زيارة أقاربكِ، لكن عليكِ أن تتحري الضوابط الشرعيّة للخروج من بيتكِ في الإسلام، ومنها[٣]:

  • كوني متسترة، ولا تسبّبي الفتنة، فلا تتبرجي ولا تُبدي شيئًا من زينتكِ، وكوني مُتحفظة.
  • لا تَخرجي بطيب، لأنَّ الطيبَ فيه فتنة للناس.
  • لا بأس في ذهابكِ للمسجد أو للمستشفى أو إلى زيارة الجيران أو الأقارب، حتى وإن كنتِ وحدكِ إذا لم يكن في ذلك خطر عليكِ، وكانت الطريق آمنة، فقد كانت نساء الصحابة يخرجن في المدينة، أمّا إذا كان هناك خطر فليس لكِ الخروج إلا مع من يوفّر لكِ الأمن والحماية.
  • لا يجوز ذهابكِ مع السائق وحدكِ، ولا بدّ من أن يكون معكِ محرمك، أو زوجة السائق مثلًا إذا تيسر ذلك أو امرأة أخرى، بشرط أن تكون الطريق آمنة ليس فيها خلوة.
  • يجوز لكِ حضور الأعراس والولائم بشرط ألّا يكون فيها فتنة ولا فساد وأن تكون تلبية الدعوة بإذن زوجكِ.


المراجع

  1. سامح محمد البلاح (24/12/2015)، "تطيب النبي (الطيب والعطر في الهدي النبوي)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
  2. فريق الإسلام سؤال وجواب (4/9/2006)، "خروج المرأة من بيتها متعطرة "، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.
  3. الامام بن باز، "الضوابط الشرعية في خروج المرأة من بيتها"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :