سبب تسمية سورة العنكبوت

أسماء سور القرآن الكريم

اختلف العلماء في أسماء سور القرآن الكريم، إن كانت جميعها توقيفية أم أن بعضها كان من اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم، وقد ورد في سنة الرسول-صلى الله عليه وسلم- تسمية بعض السور مثل البقرة وآل عمران والفاتحة والكهف، وهذه أسماء توقيفية بالإجماع، أما أسماء السور التي لم ترد لها تسمية على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهي التي اختلفوا بأمرها، فذهب أكثر العلماء ومنهم ابن جرير الطبري، والسيوطي، وابن عاشور إلى أن جميع أسماء سور القرآن الكريم توقيفية، وذهب البعض الآخر إلى أنها من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.^[١]

سبب تسمية سورة العنكبوت

سورة العنكبوت سورة مكيّة نزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة، وهي من أواخر ما أُنزِل قبل الهجرة من سور، فلم ينزل بعدها إلا سورة المطففين، وعدد آيات سورة العنكبوت تسع وستون آية، وترتيبها التاسع والعشرون في المصحف العثماني. وسميت بهذا الاسم نِسبة للعنكبوت التي شبه الله تعالى المشركين بحاله، فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41]،^[٢] فشبه الله تعالى حال المشركين الذين يطلبون العون من الأوثان التي لا تضر ولا تنفع؛ بحال العنكبوت التي تظن أنها تحتمي بهذه الخيوط الواهنة التي بنتها، فهي حيوان ضعيف البنية والبيت؛ إذ لا يقي بيته بردً ولا حرًا، وكذلك من دعا مع الله إلهًا آخر؛ فإنه يزداد ضعفًا إلى ضعفه ووهنًا على وهنه، لذا قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 42-43].^[٣]

أسباب نزول سورة العنكبوت

أنزل الله تعالى القرآن الكريم متفرقًا، ثم جمعه الصحابة -رضي الله عنهم- في مصحف واحد خشية الضياع، وتعددت الأسباب التي نزلت بها آيات سورة العنكبوت، ومن هذه الأسباب: نزول قول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت:8]، إذ نزلت هذه الآية بسعد بن أبي وقّاص، وذلك عندما أسلم وكان شديد البر بأمه، فلما سمعت أمه بإسلامه امتنعت عن الطعام والشراب حتى يرتد ابنها عن الإسلام، وقالت له أنها ستدع الطعام والشراب حتى تموت فيُعيَّر بها ويُقال عنه أنه قتل أُمّه، فتركت الطعام والشراب حتى اشتدّ بها التعب، لكن أخبرها ابنها أنه لن يدع دينه، فذهب سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.^[٤]

الموضوعات التي تناولتها سورة العنكبوت

تعددت الموضوعات التي تحدثت عنها سورة العنكبوت، وكباقي السور المكية فقد كان المحور الرئيسي للسورة الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ الكفر والشرك، ونذكر الموضوعات التي تناولتها سورة العنكبوت كما يأتي:^[٥][٦]

• الدعوة إلى الجهاد: ولا يقتصر الجهاد فقط على محاربة الكفار، بل إن من الجهاد السعي إلى تبليغ الدعوة، كما أنه يتضمن جهاد النفس وردعها عن الحرام، وقد ورد ذكر الجهاد في سورة العنكبوت في موضعين: الأول عند قول الله تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6] والثاني عند قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
• سنّة الابتلاء: العبد المسلم يُبتلى من الله تعالى في شدة أو رخاء، فإن ابتلي بشدّة فعليه الصبر، وإن ابتلي بنعمة فعليه الشكر، والابتلاء امتحان من الله تعالى ليتبين الصادق من الكاذب، كما أن الله تعالى ابتلى الأنبياء والرسل والصالحين من عباده، فليس الابتلاء للعاصي فقط، قال الله تعالى: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].
• الهجرة في سبيل الدعوة: وقد ذكر الله تعالى حال إبراهيم -عليه السلام- عندما آذاه قومه فهاجر لربه حتى يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فقال الله تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت:25-26]، وكذلك محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر حتى يدعو إلى عبادة الله وأمر المسلمين بالهجرة، قال الله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56].
• النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن: وفي ذلك قاعدة مهمة من قواعد الدعوة إلى الله تعالى، وهي الدعوة بالإحسان والخير لا بالأذى والشر، قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].
• عرض لقصص الأنبياء السابقين: وفي ذلك عبرة للمسلمين وتأسي بالصبر الذي صبره الأنبياء في دعوتهم لأقوامهم، ومن الأنبياء الذين ذكرهم الله تعالى في سورة العنكبوت نوح عليه السلام، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [ العنكبوت: 14-15].
• الاستدلال على البعث: ودعوة الكافرين إلى التفكر والنظر في خلق الله، فقد ضرب الله تعالى مثلًا للكافرين، وهو خلق السماوات والأرض من العدم، كما سيبعثها الله كما خلقها، فلا يعجزه شيء سبحانه، قال الله تعالى: {وَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 19-20].

المراجع

1. ↑ "هل أسماء سور القرآن الكريم توقيفية؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
2. ↑ "مقاصد سورة العنكبوت"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
3. ↑ "مع القرآن - كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
4. ↑ "أسباب النزول"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
5. ↑ "وقفة عند سورة العنكبوت"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
6. ↑ "مقاصد سورة العنكبوت"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.