شرح حديث تنكح المرأة لأربع

شرح حديث تنكح المرأة لأربع

الزواج في الشريعة الإسلامية وشروطه

حث الإسلام على الزواج، فهو الوسيلة الشرعية التي يتكاثر بها الجنس البشري، وهو الطريقة السوية لعمارة الأرض، ومن أجل هذا وضع الإسلام كل الضوابط التي يحتاجها المسلم حتى يرتبط بالمرأة التي تناسبه ليكوِّنا معًا أسرةً متماسكةً ومتكاملةً، إذ اعتنى الإسلام بأحكام الزواج وآدابه وشروطه، وما للزوجين من حقوق وواجبات تجاه بعضهما البعض؛ وذلك لحفظ هذه العلاقة واستقرارها، وما يترتب على ذلك من تكوين أسرة ناجحة يشعر أفرادها بالاستقرار النفسي والتفوق في حياتهم، ومن أهم هذه الأحكام الشروط التي وُضعت للزوجين حتى يكون زواجهما صحيحًا، وأولها أن تكون المرأة إما مسلمةً أو كتابيةً؛ أي يهوديةً أو نصرانيةً، بالرغم من أن الإسلام وضع الأولوية للمسلمة ذات الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما وضعت الشريعة شرطًا للزواج مرتبطًا بعفة المرأة، إذ لا يجوز الزواج من إمراة معروفة بالفحش أو الزنا والعياذ بالله مصداقًا لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب}،[١]، أما الشرط الثالث وهو المعروف من معلومات الدين بالضرورة أن لا تكون المرأة من محارم الخاطب، ومن شروط الزوج أن يكون مسلمًا، إذ يحرم الزواج من الكافر، وفي حال كان مسلمًا فإنه يجب أن يتحلى بحسن الخلق والاستقامة كما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال :(إذا خطبَ إليكم مَن ترضَونَ دينَه وخلقَه، فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ)،[٢]، فالخلاصة أن الشريعة الإسلامية السمحاء جاءت بتفاصيل دقيقة جدًا في موضوع الزواج؛ لما لهذا الأمر من آثار إيجابية في بناء المجتمع التي مصدرها الأسرة القائمة على المودة ومخافة الله سبحانه وتعالى[٣].


شرح حديث تنكح المرأة لأربع

يعني الحديث أن الأشخاص يختارون المرأة للزواج لخصال فيها، وهي: جمالها، ومالها، وحسبها، ودينها، وهو أمر اعتادوا عليه في رغبتهم عند الزواج، لكن ما يليق -كما جاء في الحديث- لمن يرغب بالزواج أن يكون الدين هو محط الاهتمام، لذلك حث الرسول عليه الصلاة والسلام بالظَّفَر بذات الدين، وفي حال كان الجمال أو المال أو الحسب صفةً مُضافةً إلى الدين فإن ذلك حسن.

ارتبط في الحديث بالبحث عن الفتاة التي تمتلك الدين دعاء هو (تربت يداك)؛ أي لصقت يداك بالتراب من الفقر إن لم تفعل وتظفر بذات الدين، وأوضح العلماء أنه ليس في الحديث أوامر أو ترغيب في الزواج من إمرأة لأجل جمالها وحسبها ومالها؛ أي أنّ هذه المقاصد ينتهجها الناس في الزواج، فالعديد منهم يبحث عن المرأة الجميلة، والبعض الآخر يبحث عن المرأة ذات الحسب أو المرأة ذات المال، ومنهم الذين يبحثون عن ما حث عليه النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي التزوج من المرأة ذات الدين فقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)،[٢].

كما أن النووي قال في تفسيره للحديث: "الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك … وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم"، وفي نفس السياق قال القاضي رحمه الله :"من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره، ويعظم خطره"[٤][٥][٦].


حديث تنكح المرأة لأربع

في هذا الحديث أخبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام عن أوصاف المرأة التي سيرتبط بها الرجل، وقد ذكرها بوضوح، وهي: المال، والحَسَب، والجمال، والدين، وقد بين أن اختيار الدين هو ما ستترتب عليه السعادة في الدارين، فعندما يبحث المسلم عن امرأة للزواج يحتار في اختياره، فهي من سترافقه في العمر، ويجب أن يكون اختياره بتأنٍ، ومبنيًّا على أسس متينة وصحيحة، لذلك ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث بمثابة توعية وإرشاد للشباب عند اختيار الزوجة، إذ جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: (تنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)،[٧][٨]


الفئات المقصودة بما جاء في حديث تُنكح المرأة لأربع

يظن عامة الناس أن الحديث موجه لطالبي الزواج من فئة الشباب فقط، لكن عند العلماء ما يتجاوز هذه الفئة؛ فهو موجه إلى جميع فئات المجتمع كل حسب موقعه ومسؤوليته، وهم كالآتي [٩]:

  • الحديث موجه للشباب لكي يحسنوا النظر ويتخذوا قرارتهم في ما يتعلق بالزواج بعقلانية وحلم، فلا تأخذهم المظاهر ويضعون الأولويات في غير مكانها الصحيح، إذ إن الأولوية في الأمر واضحة وحث عليها الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث، وهي الدين الذي هو الأساس في تكوين أسرة تقوم على أعمدة متينة.
  • الحديث موجه أيضًا للفتيات، فهن تحت المجهر للمحيطين بهن من الشباب الساعين للخطبة والارتباط الشرعي، وعند فهم الفتيات المسلمات معنى الحديث وعمقه، فإنهن بالتأكيد سيَنَلن مرضاة الله بالدرجة الأولى، وارتباطهن بزواج موفق وناجح بإذن الله.
  • الحديث موجه أيضًا لأولياء الأمور، ففيه حث واضح جليّ على تربية الأولاد التربية السليمة، وما لذلك من تبعات في الوصول إلى القيمة الأعظم الواردة في الحديث، وهي أن تكون البنات كما جاء فيه.
  • الحديث موجه للأمهات، فهن اليوم من يربي ويزرع القيم في بناتهن، فمن المعروف أن الأم لها التأثير الأكبر على تربية بنتها، فهي الأقرب لها ولخصوصاتها، وعليه فالأم هي المدرسة التي تنتج المجتمع حامل الأخلاق والصفات الحميدة.
  • الحديث موجه للعامة، فالكثير من المجتمعات الإسلامية -للأسف- تضع العادات والتقاليد كأولوية في اختيار زوجات أبنائهم، ولا يضعون في اعتبارهم الأسس والمعايير التي ذُكرت في الحديث الشريف، وما ذلك إلا للجهل والابتعاد عن الدين.


المراجع

  1. سورة المائدة ، آية: 5.
  2. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1084 ، حسن صحيح.
  3. "الزواج في الإسلام"، newmuslimguide، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019.
  4. "شرح حديث: "تنكح المرأة لأربع...""، elfagr، 3-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019.
  5. "شرح حديث : تنكح المرأة لأربع"، albetaqa، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019.
  6. "شرح حديث : (تنكح المرأة لأربع . . . .)"، islamqa، 7-1-2007، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019.
  7. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1466 ، صحيح.
  8. "شرح الحديث"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019.
  9. عبد المجيد البيانوني، "القولُ الأمتَع في حديث: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ) نظرات نفسيّة، وتأملات اجتماعيّة، وتوجيهات تربويّة"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019.

فيديو ذو صلة :