شرح حديث الحلال بين والحرام بين

شرح حديث الحلال بين والحرام بين

نص الحديث

روى النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ) [رواه البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وسيدور حديثنا في هذا المقال حول شرح الحديث بشيء من التفصيل من حيث بيان غريب كلماته، وقواعده الشرعية، بالإضافة إلى منزلته العظيمة بين مجمل أحاديث النبي عليه صلوات الله وسلامه عليه[١].


شرح الحديث

يُعد الحديث الشريف أعلاه حديثًا نبويًّا عظيمًا كونه من جوامع كلم النبيّ المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم-، ويتمحور حول قاعدة الورع والتقى بعيدًا عن كل المتشابهات في الدين، ومما جاء فيه[١]:

  • الحلال ظاهر واضح لا خلاف فيه، ويتضمّن كلّ شيء لم يرد فيه نصًا تحريميًّا سواء من كتاب الله -جل وعلا- وهو القرآن الكريم، أو سنة نبية القولية والفعلية، أو إجماع أهل العلم والأئمة الأربعة أو قياس على شيء مشابه؛ وذلك لأنَّ أصل الأشياء الإباحة.
  • الحرام أيضًا واضح، وهو كل ما نصت مصادر التشريع الإسلامي على تحريمه.
  • ما بين الحلال والحرام مشتبهات لا يعرفها الكثير من الناس، ويقصد بها الأمور غير واضحة الحكم من حيث الحل والحرمة، فنجد الناس يغفلون عن حكمها سواء كانت حلالًا أم حرامًا، و تتضمن هذه المشتبهات كل الأمور المشكوك فيها، ومن الأمثلة عليها المال المشبوه أي مجهول المصدر أو المخلوط بالربا.
  • مَن اجتنب الشبهات؛ أي بعد عنها ولم يدخل فيها فقد سلم دينه من النقص، وعرضه من القدح والذم وسوء السمعة، أما مَن وقع فيها واجترأ عليها فقد جعله نفسه عرضة للخطر والحرام، وفي هذا المقام ضرب النبي المصطفى -عليه الصلاة والسلام- مثالًا تشبيهيًا على هذا الكلام، فقد شبه الفاعل أو مَن يتهاون بالشبهات براعٍ يرعى حول المكان الذي خصه الملك لرعي مواشيه حصرًا، متوعدًا كل من رعى فيه بغير إذنه بأقسى العقوبات، فيما دخل الراعي هذه الأرض التي حماها الملك لنفسه وجعلها خاصة له، وبالتالي بات في غير مأمن من حركة المواشي، وبالتالي فإنه يستحق عقوبة الملك أو السلطان لأنه تهاون في أوامره، فربما كانت حرًا فيقع فيه، أو تساهل فأدى به ذلك إلى الاستهتار واللامبالاة، وهنا يقع بالحرام عمدًا؛ لأن الشبهة تجر إلى صغيرة والصغيرة تجر إلى كبيرة، وفي استكمال التشبيه فإن حمى الملك هي محارم الله أي المعاصي التي حرمها على عباده، فمن دخل فيها أي ارتكب شيئًا منها هلك، ومن اقترب منها كان على خطر.
  • بيان أن صلاح حركات الإنسان أو فسادها منوط بحال قلبه، فإذا صلح الأخير صلحت إرادة المرء وجميع جوارحه، فتأخذه إلى طاعة الله واجتناب سخطته لأنها قنِعت بالحلال واستغنت عن الحرام، وأمّا إذا فسد القلب فسدت إرادة المرء وجوارحه، فتأخذه إلى معصية الله وسخطه لأنه لم يقنع بالحلال، بل أسرع إلى الحرام متبعًا هوى قلبه.


فوائد عامة من الحديث

يمكن استنتاج القواعد التالية من الحديث الشريف[٢][٣]:

  • كل ما يوصل إلى الحرام يدخل في عداد المحرمات، وذلك لأن سد الذرائع قاعدة فقهية لا تصدأ ولا تتغير، فمثلًا إذا قال شخص ما أن سهره يفوّت عليه صلاة الفجر، فقد بات السهر حرامًا عليه، مع أن الأصل في السهر أنه حلال، لكنه محرم لهذا الشخص كونه يؤدي إلى حرام وهو تفويت صلاة الفجر التي تعد واحدة من الفرائض الخمسة ولا يجوز التهاون في أدائها.
  • عناية المرء بقلبه يصلح عمل جوارحه، لأن القلب أمير البدن.
  • ترك الشبهات من سلامة دين المرء وعرضه ، فابتعاده عن الشبهات لا يدفع أحدًا إلى طعنه في ماله أو عرضه، فقال بعض السلف في هذا المقام: "من عرَّض نفسه للتٌّهم فلا يلومنَّ من أساء الظن به".
  • الحلال واضح صريح، فالناس لا يحتاجون معه إلى مزيد من الإيضاح، وبالتالي فإن كل مَن يخالف أمر الله -جل وعلا- فيما يخص بدعوى نقص البيان وعدم الوضوع لا عذر له، فقد قال -جل وعلا- في محكم تنزيله: {ونزَّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} [النحل: 89]، وكل ما لم يأتِ مفصًلا في القرآن جاء شرحه في سنة النبي، أما ما يَشكُل على الناس حكمه؛ فالأولى اجتنابه من باب الاحتياط، فيجعله بريئًا من سوء الظن.


منزلة الحديث

أجمع علماء الشريعة الإسلامية على عظم ومكانة هذا الحديث، ومنهم الكرماني، والسجستاني، وابن دقيق العيد، والجرداني وابن العطار رحمهم الله جميعًا، ومما جاء في ذلك ما يلي[٤]:

  • أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، ويضاف إلى ذلك حديث الأعمال بالنية، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ولا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه.
  • أنه أصل عظيم من أصول الشريعة الإسلامية.
  • أنه حاوٍ لعلوم الشريعة؛ لاشتماله على حث الناس على فعل الحلال وتجنب الحرام والإمساك عن الشبهات من باب الاحتياط، وعدم تعاطي ما يوجب سوء الظن، وتعظيم دور القلب في صلاح الإنسان.
  • أنه من جوامع كلم النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، فعليه لوائح أنوار النبوة.
  • سبب عظم موقعه أن النبي المصطفى نبّه فيه على صلاح المطعم والمشرب والملبس فلا ينبغي إلا أن يكون حلالًا.


معاني كلمات الحديث

قد لا يعرف البعض معاني بعض الكلمات الوارة في الحديث، ومنها[٤]:

  • بيّن: ظاهر وواضح وصريح.
  • المشتهبات: كل ما تسبب في إشكال ما بين الناس بسبب عدم وضوح حكمه، فلا هو حلال واضح، ولا حرام صريح.
  • لا يعلمهن: لا يعلم حكم هذه المشتبهات بسبب غياب الأدلة في مصادر التشريع.
  • استبرأ لدينه وعرضه: طلب البراءة فكانت من نصيبه وحصل عليها.
  • وقع في الشبهات: اجترأ على الوقوع فيها.
  • الحمى: الشيء المحظور على غير مالكه أو صاحبه.
  • يوشك: يقترب من الوقوع في الشيء.
  • يرتع فيه: يأكل منه.
  • محارمه: كل المعاصي التي حرمها الله -جل وعلا- على عباده.
  • مضغة: قطعة لحم صغيرة الحجم تقدر بما يمضغ في الفم.


المراجع

  1. ^ أ ب "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.
  2. الشيخ الدكتور عبد الله الفريح (16-4-2013)، "القواعد والفوائد من حديث: الابتعاد عن الشبهات"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.
  3. "من جوامع الكلم النبوي"، موقع مداد، 8-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عبد العال الرشيدي (28-11-2015)، "شرح حديث: إن الحلال بين وإن الحرام بين (من الأربعين النووية)"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :