محتويات
العام الجديد
يتكرر وداع الوقت في مواقف كثيرة في حياة المرء، وتجد الكثيرين لا يهتمون بإدارة الوقت أو بمروره، ولا يقف على ذلك إلا أصحاب العقول المُبصرة، فتراهم يُتابعون مرور الأيام مع كل شروق وغروبٍ للشمس، ويُتابعون انقضاء الأشهر في ظهور الهلال وفي غيابه، وكذلك فهم يتابعون مرور السنين سنةً بعد سنة، والمُتمعن في ذلك يُدرك أن الحياة لحظة سُرعان ما تَمر، فمع بداية كل عام يرى المرء النهاية بعيدة، ولكن سرعان ما يمضي عام ويبدأ عام آخر دون أن يشعر المرء كيف مضى، ولا يفوز في هذه الحياة إلا من أدرك قيمة الوقت وعمل عملًا صالحًا، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20]، وعلى المرء أن يقف مع نفسه بداية كل عام وقفة صادقة يستذكر فيها إنجازاته في هذا العام، ليتدارك ما فاته من أعمال صالحة، ويجب على المرء أن يحذر كل الحذر من مرور الأيام ومَغَبَّة الأجل وأن يستقبل العام الجديد بتوبةٍ صادقة وبداية صالحة، وأن يستذكر الأحباب والأصحاب الذين رحلوا في العام الماضي إلى الدار الآخرة، فيكون رحيلهم عبرة لمن اعتبر، واستذكار لمصيرنا الذي لا مفر منه.[١]
دُعاء دخول عام جديد
للدُعاء فضلٌ كبير في حياة المُسلم فهو بِحد ذاته عِبادة بل ومن أعظم العبادات عند الله تعالى وأعلاها مرتبةً وأكثرها أجرًا، وبالدُعاء يَبقى العبد على ارتباط بربه فيلجأ إليه ويَتضرَّع إليه في الدُعاء طالبًا منه أن يُعينه في كل شؤون حياته، وأمر الله عباده بالدعاة ووعدهم بالإجابة، ويعود النفع من الدُعاء على العبد نفسه فالله تعالى غنيٌ عن العبد ولا ينتظر أي منفعة منه، ويُعدُّ الدُعاء من الأخذ بالأسباب وهو سببٌ رئيسي في حصول العبد على ما يريد، فلا ينبغي للعبد أن يُهمل الدُعاء لأي سبب من الأسباب وأن يكون على يقين بالإجابة وأن يؤمن بأن كل شيء بأمر الله تعالى وليس بأمر أي مخلوق، فكل المخلوقات فقيرةٌ إلى الله تعالى.[٢]
وينبغي للعبد أن لا يحصر الدُعاء في تاريخ معين مثل بداية العام أو غيره، وإنّ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان وهو عضو في هيئة كبار العلماء وعضو في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ذكر أن ما يروجه البعض من أدعية مخصصة لبداية السنة هو من البدع ولا أساس له في تعاليم السنة النبوية، وذكر أن هذه الأفعال تعد مخالفةً شرعية، وسمى من يرسلون هذه الرسائل بالمبتدعين، ويجب الحذر ممن يسعون إلى نشر هذه الأدعية، وبين أنه يجب على العبد ملازمة الدُعاء والاستغفار في كل الأوقات خصوصًا لمن أذنب فلا ينتظر يوم بداية السنة أو أي يوم آخر للدُعاء أو الاستغفار، ووضح الشيخ أن اتباع من يروجون هذه الأدعية يؤدي إلى ترويج الخرافات التي لا أساس لها من الصحة.[٣]
حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد
أجاب الشيخ محمد صالح العثيمين على سؤال وُجِّه إليه حول جَواز التهنئة بقدوم السنة الهجريَّة الجديدة وماذا على المسلم أن يفعل إذا هنأه أحدٌ بذلك فأجاب بجواز أن يرد المرء على المُهنئ فيقول له مثلًا هَنَّئَك الله بالخير وجعله عام خيرٍ وبركة، ولكن عليه أن لا يكون هو من يبدأ بالتهنئة، وذكر أنه لم يعلم عن ورود مثل هذه العادة في حياة السلف الصالح، وأن هذا التأريخ الهجري واتخاذ شهر محرّم بداية للعام لم يُعتمد إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتطرق الشيخ عبد الكريم الخضير إلى الموضوع نفسه فقال إن استخدام دُعاء مُطْلق لا يُتعبَّد بلفظه في المناسبات مثل الأعياد ليس فيه أي مشكله خصوصًا إذا كان المقصود في ذلك التودد، وإظهار الفرح والسرور على وجه المسلم، وكان رأي الإمام أحمد رحمه الله في هذه المسألة أنه قال لا يَبْتَدئ بالتهنئة بِها، ولكن إذا هنأه أحد فإنه يرد عليه التهنئة، لأن رد التحيَّة واجب على المسلم وأما الابتداء بها فغير وارد في السنة النبوية ولم يرد عنه نهي.[٤]
بعض أوقات وأماكن الدُعاء
للدُعاء أوقات وأماكن عديدة يكون فيها مستجابًا، نذكر منها ما يلي:[٥]
- الدُعاء ليلة القَدر: للدُعاء في ليلة القدر وزنٌ كبير، وقد حَث النبي صلى الله عليه وسلم على الدُعاء في هذه الليلة، ومن الأدلة على ذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عمَّا تقول في ليلة القدر إن علمتها فقال صلى الله عليه وسلم: (قولي اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي) [الأذكار| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- الدُعاء في جَوف الليل: يقصد بذلك وقت السحر، وهو الوقت الذي يَنزل فيه الرحمن، ويكون الدعاء فيه مستجابًا لمن دعا، وتكون الذنوب مغفورةً لمن طلب المغفرة.
- الدُعاء دُبر الصلوات المكتوبة: وهو أفضل أوقات الدُعاء، واختلف المفسرون في إن كان الدُعاء قبل التسليم أو بعده، فكان رأي شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ الدُعاء هنا يكون قبل التسليم، وكان رأي الشيخ محمد صالح العثيمين أن ما ورد على أنه دُعاء يكون قبل التسليم، أما ما ورد على أنه من الأذكار فيكون بعد التسليم واستدل في ذلك على قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].
- الدُعاء عند وقوع المصائب: حثَّت السنَّة النبويَّة على الدُعاء عند وقوع المصيبة، ويكون الدُعاء كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (ما مِنْ مسلِمٍ تصيبُهُ مصيبَةٌ فيقولُ ما أمرَهُ اللهُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللهمَّ آجرْني في مُصيبَتِي، واخلُفْ لي خيرًا منها. إلَّا آجرَهُ اللهُ في مصيبَتِهِ، وأخلَفَ اللهُ لَهُ خيرًا منها) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- الدُعاء عند المريض: حثت السنة النبوية على الدُعاء للمريض بالخير عند زيارته لأن الملائكة تكون حاضرة وتقول آمين بعد الدُعاء له.
- الدُعاء وقت زوال الشمس: ويكون ذلك قبل الظهيرة، ففي هذه الساعة تفتح السماء، وتكون فرصة للعبد أن يصعد دعاؤه وعمله الصالح إلى السماء.
- الدُعاء عند سماع صياح الديك: يسن الدُعاء في هذا الوقت لأن الديك يصيح عند رؤيته للملائكة.
- الدُعاء عند اليقظة من الليل: وقد وَرَدَ في السُنَّة النبويَّة دُعاء مخصص لهذه اللحظة، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
المراجع
- ↑ د. مراد باخريصة، "في وداع عام مضى وعلى أعتاب عام جديد"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 6-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "فوائد الدعاء وثماره والحكمة منه"، islamweb،، اطّلع عليه بتاريخ 6-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "الفوزان: ما يروجه البعض من أدعية بداية السنة الهجرية " بدعة ""، almoslim، اطّلع عليه بتاريخ 6-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "حكم التهنئة بابتداء العام الهجري"، islamqa، 2008-12-28، اطّلع عليه بتاريخ 6-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "أماكن وأوقات إجابة الدعاء"، islamqa، 2004-7-23، اطّلع عليه بتاريخ 6-1-2020. بتصرّف.