محتويات
الصلاة
هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين، ومن أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين، ففيها يتواصل المؤمن مع ربه خمس مرّات في اليوم، عدا صلوات السنن والنوافل وقيام الليل، وفُرضت الصلاة على المسلمين خلال رحلة الإسراء والمعراج، وكانت الصلاة هي الشريعة الإسلامية الوحيدة التي شُرعت بهذه الطريقة وهذا دليل على أهميّتها وفضلها، كما قال الرسول -عليه السلام- في بيان أهمية الصلاة: (العَهْدُ الَّذي بينَنا وبينَهُمُ الصَّلاةُ، فمَن ترَكَها فقد كَفرَ) [حديث المساء| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح]، كما قال أيضًا: (إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِهِ صلاتُه فإن صلُحتْ فقد أفلح وأنجح وإنْ فسدتْ فقد خاب وخسِرَ فإنِ انتقصَ من فريضتهِ شيئًا قال الربُّ تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ فيُكمَّلُ بها ما انتُقِصَ من الفريضةِ ثمَّ يكون سائرُ عملِه على ذلك وفي روايةٍ ثمَّ الزكاةُ مِثلُ ذلك ثمَّ تؤخذُ الأعمالُ على حسبِ ذلك) [تخريج مشكاة المصابيح| خلاصة حكم المحدث: حسن]][١].
الدعاء والأذكار بعد الصلاة
من الأمور المستحبة بعد الصلاة أن يجلس المصلي بعد السَّلام ويتوجه إلى الله بأدعية وابتهالات وتسابيح، فهو لا يزال في حالة الخشوع والأجواء الروحانية، وتلك فرصة ليدعو الله بمشاعر صادقة وحقيقيّة، فالمؤمن المخلص في إيمانه، والصادق في عبادته لله، لا يُنهي العبادات بسرعة كأنّه متثاقل منها، فيُنهي الصلاة المفروضة ويتوجه إلى متابعة أعماله فورًا، بل يجلس قليلًا بعد الصلاة ليُناجي ربه ويدعوه بما يجول في باله، ليستشعر أكثر لذة القرب من الله، ومن الأدعية والأذكار الواردة عن رسول الله -صل الله عليه وسلم- ما يأتي[٢][٣]:
- اللهمَّ أنتَ السَّلامُ، ومنك السَّلامُ، تبارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، والدليل على ذلك ما بلغ عن ثوبانَ رضيَ اللهُ عنه مولَى رسولِ اللهِ أنه قال: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا أراد أنْ ينصرِفَ مِن الصَّلاةِ استغفَر ثلاثَ مرَّاتٍ ثمَّ قال: (اللَّهمَّ أنتَ السَّلامُ ومنك السَّلامُ تبارَكْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ) [تخريج صحيح ابن حبان| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- لا إلهَ إلاّ اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُـلْكُ ولهُ الحَمْد، وهوَ على كلّ شَيءٍ قَدير، اللّهُـمَّ لا مانِعَ لِما أَعْطَـيْت، وَلا مُعْطِـيَ لِما مَنَـعْت، وَلا يَنْفَـعُ ذا الجَـدِّ مِنْـكَ الجَـد. فكَتَبَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ إلى مُعَاوِيَةَ، أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كَانَ إذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ، قالَ: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِما أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ). [وفي رواية]: كَتَبَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، إلى مُعَاوِيَةَ، كَتَبَ ذلكَ الكِتَابَ له وَرَّادٌ، إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: حِينَ سَلَّمَ، بمِثْلِ حَديثِهِمَا، إلَّا قَوْلَهُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ فإنَّه لَمْ يَذْكُرْ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- بلغ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ كان يقولُ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ: (لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ لا نعبُدُ إلَّا إيَّاه له المَنُّ وله النِّعمةُ وله الفضلُ والثَّناءُ الحسَنُ لا إلهَ إلَّا اللهُ مخلِصينَ له الدِّينَ ولو كرِه الكافرونَ) ويقولُ: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ هؤلاءِ الكلماتِ دبُرَ كلِّ صلاةٍ [صحيح ابن حبان| خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه].
- سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، (إنَّ اللَّهَ اصطفَى منَ الكلامِ أربعًا: سبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبرُ، فمَن قالَ: سبحانَ اللَّهِ، كتبَ اللَّهُ لَهُ عشرينَ حسنةً، أو حطَّ عنهُ عشرينَ سيِّئةً، ومَن قالَ: اللَّهُ أَكْبرُ فَمِثْلُ ذلِكَ، ومَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَمِثْلُ ذلِكَ، ومَن قالَ: الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ، مِن قبلِ نفسِهِ، كُتِبَت لَهُ ثلاثونَ حسنةً، وحطَّت عنهُ ثلاثونَ سيِّئةً) [مسند أحمد| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- قراءة سورة الكرسي {اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، ثم الإتيان بالمعوذات -وهي السور الثلاثة القصيرة من آخر القرآن الكريم-؛ وهي الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1- 4]، والفلق {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1- 5]، وسورة الناس {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَـهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 1- 6]، إذ يستحب أن تُقرأ آية الكرسي مرةً واحدةً عقب كل صلاة، أما المعوذات فيُوتى بها مرةً عقب صلاة الظهر، العصر والعشاء وثلاث مرات عقب صلاتي المغرب والفجر.
مكانة الصلاة في الإسلام
للصلاة مكانة عظيمة جدًا في الإسلام تفوقت على جميع العبادات الأخرى، ومن الأمور الدالة على هذا الأمر ما يأتي[٤]:
- تُعد الصلاة عمود الدين، ولا يقوم إلا بها، إذ ثبت عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قُلْت: بلى يا رسولَ اللهِ قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قُلْت: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقُلْت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم) [ سنن الترمذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- تحتل المرتبة الثانية في أركان الإسلام بعد الشهادتين، فبإقامتها يُستدل على صحة الاعتقاد وسلامته، قال رسول الله -صل الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ؛ شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضانَ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح ]، ومن شروط إقامة الصلاة؛ أداؤها في أوقاتها المحددة كما ورد في القرآن الكريم: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103].
- تملك الصلاة مكانةً خاصةً بين سائر العبادات الأخرى، فقد اختصها الله تعالى بفرضها على الإنسان في رحلة الإسراء والمعراج.
فضائل الصلاة
الصلاة من العبادات المهمة التي تربط العبد بربه، ولها الكثير من الفوائد والآثار على حياته، ومن أهم هذه الآثار[٥]:
- النهي عن الفحشاء والمنكر؛ لقول الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
- أفضل العبادات في الإسلام بعد قول الشهادتين، فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قالَ: الصَّلاةُ لِوَقْتِها قالَ: قُلتُ ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ قالَ: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ. فَما تَرَكْتُ أسْتَزِيدُهُ إلَّا إرْعاءً عليه) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح ].
- مكفّرة للخطايا وماحية للذنوب، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الصَّلَواتِ الخمسِ كمَثَلِ نَهَرٍ جارٍ غَمْرٍ على بابِ أحدِكم، يَغتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خمسَ مَرَّاتٍ، فما يُبقي ذلك مِن الدَّرَنِ) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وبقيام الصلاة تُمحى سيئات المؤمن؛ إذ ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصَّلواتُ الخَمسُ والجمُعةُ إلى الجمُعةِ ورمَضانُ إلى رمَضانَ مُكَفِّراتٌ ما بينَهُنَّ إذا اجتُنِبَتِ الكبائرُ) [الزواجر| خلاصة حكم المحدث: صحيح أو حسن].
- نور للمؤمن في دنياه وآخرته؛ إذ ورد عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه قال في ذكر الصلاة: (من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامةِ، ومن لم يحافظْ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ، وكان يومَ القيامةِ مع قارونَ وفرعونَ وهامانَ وأُبيِّ بنِ خلفٍ) [المتجر الرابح| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- وسيلة لرفع الدرجات وحط الخطايا، إذ ثبت عن ثوبان مولى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال له: (عليكَ بالهجْرَةِ؛ فإِنَّه لَا مِثْلَ لَها، عليكَ بالصومِ، فإِنَّه لَا مثلَ لَهُ، عليكَ بالسجودِ فإِنَّكَ لَا تسجُدُ للهِ سجدةً إلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِها دَرَجَةً، وحَطَّ عنكَ بِها خطيئَةً) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- من الأسباب الأعظم وراء دخول المؤمن للجنة برفقة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ قال ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه-: (كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ.) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث :صحيح].
أهمية الذكر
إن للذكر عظيم النفع وكثير الفائدة في حياة المسلم، إذ دلّ على ذلك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، فيقول تعالى في محكم التنزيل {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون} [البقرة: 152]، ويقول في ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي يرويه أبو موسى الأشعري (مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، والكثير غيرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على أهمية الذكر وفضله، لذا فإن الذكر هو قوت القلوب، وعامر الدار، وهو النبع الذي يتزود منه المسلم ما يقوّي إيمانه، ويهوّن عليه الملمات، وصعائب الأمور، كما أن من ثمار الذكر على المسلم أن يبقى قلبه معلّقًا بالله تعالى، فلا يأبه لغيره، ولا يلجأ لأحدٍ سواه، وهو بابٌ مفتوح بين العبد وربه، فلا يُغلق أبدًا، ويكفي بالمرء شرفًا وكرمًا، أن الله يذكره كما ورد في الآية السابقة، أما عن السنة المحمدية قد ورد فيها من الأذكار الشيء الكثير، كما خصص لنا النبي بعض الأوقات الجليلة للذكر، ليتحرى فيها المسلم القرب من ربه، وفي هذا المقال سنتطرّق للحديث عن بعض الجوانب الهامة للذكر بما فيها فوائده بعد الصلاة[٦].
فوائد التسبيح بعد كل صلاة
يُعد التسبيح من الأذكار العظيمة التي تعود على المسلم بالنفع الكبير في دينه وعاقبة أمره، خاصةً بعد الصلوات المكتوبة، وفيما يأتي فضل ذلك كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[٧]:
- يُعدّ التّسبيح من الأذكار المشروعة بعد كل صلاة، والتّسبيح أنواع وأكملها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثًا وثلاثين مرةً، فتكون بالتالي 99 مرةً ويمكن إتمامها إلى المئة بقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ودليل ذلك ما جاء في حديث النّبي – صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (من سبَّح اللهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد اللهَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعونَ، وقال تمامَ المائةِ: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، غُفِرت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- في رواية أخرى رواها الإمام مسلم في صحيحه: يقول عليه الصلاة والسلام (مُعَقِّباتٌ لا يَخِيبُ قائِلُهُنَّ أوْ فاعِلُهُنَّ؛ ثَلاثٌ وثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً، وثَلاثٌ وثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً، وأَرْبَعٌ وثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً، في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- في رواية أخرى فيما رواه الإمام البخاري عن ما نقله أبو هريرة في الحديث بينه وبين الصحابة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه قال (جاء الفقراءُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: ذهَب أهلُ الدُّثورِ مِن الأموالِ بالدَّرجاتِ العلا والنَّعيمِ المقيمِ يُصلُّون كما نُصلِّي ويصومون كما نصومُ ولهم فضولُ أموالٍ يحجُّونَ بها ويعتَمِرونَ ويُجاهدونَ ويتصدَّقونَ قال: أفلا أدُلُّكم على أمرٍ إنْ أخَذْتُم به أدرَكْتُم مَن سبَقكم ولم يُدرِكْكم أحدٌ بعدَكم وكُنْتُم خيرَ مَن أنتم بينَ ظهرَيْه إلَّا أحدٌ عمِل بمثلِ أعمالِكم ؟ تُسبِّحون وتحمَدونَ وتُكبِّرون خلْفَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ ) [صحيح ابن حبان| خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه].
التسبيح في القرآن الكريم
يُعرّف التسبيح على أنه تنزيه الله تعالى من كل سوء أو نقص، وإثبات الكمال لله تعالى، والتعظيم لشأنه الكريم، كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا مرّ بآية فيها تسبيحٌ لله تعالى سبّح، إذ إن التسبيح ورد في العديد من السور القرآنية ومن بينها المسبحات، وهي السور التي بدأها الله تعالى بالتسبيح، وقد أمرنا في بعضها بتسبيحه جلّ في علاه، إذ يقول {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 42]، كما أن من الحكم العظيمة لإرسال الرسل إلى البشر أن يُسبحوا الله تعالى، وفي ذلك يقول في محكم التنزيل {إِإِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8- 9].
كما أن التسبيح ورد في بعض المواضع بمعنى الصلاة، إذ يقول تعالى { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130]، كما وردت كذلك في بعض الأحاديث النوبية الشريفة، إذ تروي فاختة بنت أبي طالب (أنَّهُ لَمَّا كانَ عَامُ الفَتْحِ أتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو بأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عليه فَاطِمَةُ ثُمَّ أخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ به، ثُمَّ صَلَّى ثَمَاني رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) ]صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٨].
حكم التسبيح بالسبحة
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن السبحة ليست من الأمور المحرمة شرعًا، كما أنها لا تنطوي تحت البدعة، وذلك لأن استعمالها لا يقصد به التعبّد لله تعالى وإنما القصد من ذلك العدد، لكن من الأولى اتباع سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام والتسبيح بالأصابع واليد اليمنى خيرٌ من اليسرى في ذلك، إذ إن الأصابع مستنطقاتٌ يوم القيامة، كما أن استعمال المسبحة قد يؤدي بالذاكر للغفلة، فترى كثيرًا من الناس يمسك مسبحته يسبّح بها ويتكلم مع الآخرين في الوقت ذاته، كما أنها قد تُدخل في النفس شيئًا من الرياء، من الناس من يُعلّق مسبحةً طوليةً في عنقه ليبين ذلك للآخرين، هذا والله أعلى وأعلم[٩].
حكم الذكر للحائض
يُشرع للحائض والنفساء ما يُشرع لغيرهما من الناس عامةً، من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار، سواء أكان ذلك ذكرًا بالقلب أو باللسان، كما يجوز لها أن تذكر ما شاءت من الأذكار والأدعية، والترديد مع المؤذن، وما سوى ذلك من أمور متعلقة بالذكر، أما قراءة القرآن فذلك محطّ خلاف بين علماء الفقه الإسلامي، فالأغلب لا يجوز لها قراءة القرآن استشهادًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كتب لأهل اليمن (ألا يمسَّ القرآنَ إلا طاهرٌ) [مجموع فتاوى ابن باز| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد قالوا بأن الحائض تدخل في هذا الاستثناء، لكن يُشرع للحائض والنفساء قراءة القرآن مما تحفظه غيبًا، هذا والله أعلى وأعلم[١٠].
المراجع
- ↑ أ. د. مصطفى مسلم (2015-3-9)، " أهمية الصلاة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ " أذكار بعد السلام من الصلاة المفروضة"، إسلام بوك، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ " الأذكار الواردة بعد الصلاة "، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ " مكانة الصلاة في الإسلام"، الإسلام سؤال وجواب، 2003-3-4، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (2012-11-6)، " فضل الصلاة في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ "أهمية الأذكار في حياة المسلم"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "التسبيح المشروع عقب الصلوات"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "التسبيح القرآني"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "ما حكم استعمال السبحة؟"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "يشرع للحائض الأذكار والأدعية واستماع القرآن"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.