محتويات
السور القرآنية
جَعل الله تعالى السُّور القرآنية متفاوتة في الكثير من الأمور حتى على مستوى آيات السورة الواحدة، وتحمل كلِّ سورة في القرآن الكريم اسمًا أو أكثر، ومثال على السور التي تأخذ أكثر من اسم سورة الفاتحة التي تعُرف بعشرين اسمًا، وتَطرَّقَت سور القرآن الكريم إلى مواضيع مُختلفة؛ إذ شملت أمور العقيدة والتوحيد والأخلاق والتاريخ وغيرها الكثير، كما أنّ هذه السور اختلفت في طولها وقصرها، فتوجد سورة البقرة والتي احتوت على مائتين وست وثمانين آيةً وتوجد سورة الكوثر التي تُعد من أقصر سور القرآن الكريم وعدد آياتها ثلاث آيات، ومن هذه السّور ما نزل في المدينة المنورة فسُمّيَ مدنيًّا ومنها ما نزل في مكة المكرمة فسُمّيَ مكيًّا، وفي هذا المقال نتحدث عن واحدة من سورة القرآن الكريم وهي الأعراف؛ ذاكرين سبب تسميتها بهذا الاسم[١].
سبب تسمية سورة الأعراف
اشتهرت سورة الأعراف بهذا الاسم؛ إلا أنّها ذكرت باسمين آخرين، فقد سميت بسورة الميقات كما أوردها الفيروز أبادي في بصائر ذوي التمييز؛ إذ سميت بهذا الاسم لقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 143]، كما سُمّيت بسورة الميثاق لذكرها حديث الميثاق؛ فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ} [الأعراف: 177][٢].
سورةُ الأعرافِ من السُّوَر المكيَّة، وهي من السور الطويلة التي تَأخذ الترتيب السابع في القُرآن الكريم، وكان لها الدور الكبير في بناء عَقيدة المسلم، وعُرفت في عهد الصحابة بهذا الاسم؛ والراجح أنّ هذا الاسم جاء من عند الله تعالى ونَقله إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والأعرافُ في اللغة جمعٌ ومُفردها عُرفْ، ويُطلق على الجزء الذي يأتي فوق رأس الديك عُرْف، وسُميَّت العادات عند الناس أعرافًا، أما في سورة الأعراف فقد دَلَّ الاسم على سورٍ يُبنى بين الجَنَّةِ والنَّار، يقف عليه أُناسٌ تعادلت حَسَنَاْتُهم وسيِّئاتهم، أما معنى العُرف في السورة فيدُلُّ على شَرع الله تعالى وأنَّ هذا الشرع يَجب أن يكون العُرف السَّائد بين المؤمنين، ويجب أن تكون تصرفاتهم في الحياة مأخوذة من تعاليم الدين، وهذا هو الهدف الرئيسي من السورة الذي نستنبطهُ من اسمها، ويسمى العمل الذي يعرفه الشرع معروفًا، والعمل الذي ينكره الشرع منكرًا[٣].
أقوال العلماء في أهل الأعراف
تفاوتت أقوال أهل العلم فيمن هُم أهل الأعراف، وكان الراجح في القول أنّهم من تعادلت حسناتهم مع سيِّئاتهم، فيَقفون على سورٍ عالٍ يرون منه أصحاب الجنة وأصحاب النار، ثم يدخلهم الله تعالى الجنة، وقال ابن مسعود عن أصحاب الأعراف أنّهم يُنادون أهل الجنة ويقولون سلامٌ عليكم، وينظرون إلى أهل النار ويقولون ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، ويكون مع أصحاب الحسنات نور يمشون به، ويُسحب هذا النور من المُنافقين عندما يَصِلون إلى الصراط، أما أصحاب الأعراف فيبقى نورهم معهم ثم يدخلون الجنَّة ويكونون أخر من يدخلها.
وقيل عن أهل الأعراف أنهم أُناس ذهبوا للقتال في سبيل الله دون إذن فأعتقهم الله تعالى من النار، وقيل عنهم أنهم من حصَّل رضا أحد أبويه؛ فيبقيهم الله بين الجنة والنار حتى يحكم بين الناس ثم يدخلهم الجنة، وقيل أيضًا أنَّهم لَيسوا من البشر ولكنهم الملائكة، والقول الأول هو المُرَجَّح[٤]، وقد ذكر القرطبي عن أصحاب الأعراف أنهم أناسٌ أخرجتهم حسناتهم من النار ولم تدخلهم سيئاتهم الجنَّة وهذا ما روي عن العديد من الصحابة، وقيل أيضًا أنهم خيار المؤمنين ممن أنهوا أعمالهم وتفرغوا لأمور الناس[٥].
فوائد مطلع سورة الأعراف
ذُكر سابقًا أنّ سورة الأعراف من السوَّر المكيَّة، ويُعرف عن السور المكيَّة أنها تناولت مواضيعَ تتعلق بالعقيدة والتوحيد وذِكر أخبار الأمم السابقة لأخذ العِبرة، وتدعو السورة إلى توحيد الله عز وجل والتحذير من مُخالفة أمره والاعتبار ممّا حصل للأُمم السابقة من خُسرانٍ وهلاك، وكيف أنّ العذاب نزل عليهم بعد أن انقضت المهلة وأصبحوا لا يملكون إلّا الحَسرةَ والنّدامة على ما فرَّطوا به، وذكرت السورة أيضًا العاقبة التي حصل عليها المؤمنون، وقد ذَكرت سورة الأعراف معلومات عن بداية الخلق، وقصة سينا آدم ونزوله إلى الأرض ليكون خليفة الله تعالى فيها، وتَطرَّقت السورة لقصة إغواء الشيطان لسيدنا آدم وزوجته في الجنة، وذكرت كيف أنّ ابليس رفض السّجود لآدم عليه السّلام وتكبَّر عليه، وكانت هذه أول معصية لله عزَّ وجل، ورغم ما فعل إبليس إلا أنّ الله تعالى أعطاه ما يريد، وأمهله إلى يوم القيامة، ويقوم إبليس بإغواء الناس إلى يوم الدين وهذه مشيئة الله في أن يكون للجنة ناسها وللنار ناسها، كما عاتب الله تعالى سيدنا آدم وزوجته على الخطيئة التي ارتكبوها بأكلِّهم من الشجرة التي أغواهم بها ابليس بعد أن نهاهم الله عنها، ولكن لطف الله كان كبير فقد وَارَىْ سوءاتهم ومَنحهم العقل الذي يُمَكِّنُهم من تحمُّل مسؤولية خَطئهم[٦].
مَزايا السُّوَر المكيَّة
تتميّز السور المكيّة ببعض الأمور التي تميّزها عن السور المدنيّة، ومنها ما يلي[٧]:
- الآيات القصيرة: تتميز آيات السوَر المكيَّة بقصرها وإيجاز ألفاظها، كما تدعو إلى التَمَعُّن في الكون.
- التركيز على تَجسيم الأمور المَعنوية: وكذلك إضافة التعابير الحَرَكيَّة إلى الأشياء الجامدة، وتحويلها إلى لوحات تعبيرية تُتيح للمُتمعن الوصول والسُّموْ في المشاعر والأحاسيس، وتاليًا أهم المواضيع التي طرحتها السُّوَر المكيَّة:
- الألوهية: تطرقت السور المكيَّة إلى موضوع الألوهية لتخليص الناس من المعتقدات القديمة وعبادة ما دون الله، وتعريف الناس بأن هذه الآلهة لا حول لها ولا قوَّة، وهي غير قادرة على جلب الخير لنفسها أو كف الأذى، وعزَّزَت هذه السور العقيدة الاسلامية المبنيَّة على عبادة الله تعالى رب كلِّ شيء والقادر على كلِّ شيء والمنزه عن كلِّ نقص.
- يوم القيامة والبعث بعد الموت: تعرَّضت السُوَر المكيَّة إلى موضوع البعث بعد الموت، ووصف الاختلال الكوني الذي يسبق ذلك، وتدمير الكرة الأرضية وانتهاء الحياة عليها، والانتقال إلى مرحلة الحساب، واستخدم القرآن الكريم الكثير من الأدلة لإقناع الناس بقضيَّة الحياة بعد الموت ومنها إحياء النباتات كلِّ سنة، وخلق الكائنات أول مرة، ومن البديهي أن يكون الخلق من العدم أصعب من إعادة الخلق، ومن الأدلة التي استخدمها القرآن الكريم ذكر بعض الأمثلة على إحياء الموتى من الأمم السابقة.
- الإيمان بالنبوات والرسالات: بينت السور المكيَّة أن من سُنَن الله تعالى إرسال الرسل لإقناع الناس دون ترك أي مجال للشك، وبينت أن هدف جميع الرسالات واحد وهو توحيد الله تعالى، وبينت أن الله تعالى أرْسَلَ الرُّسُل إلى جميع الأمم، واختار الله تعالى أن يكون الرسل من البشر ليستطيعوا إقناع الناس ويكون التفكير متقاربًا، وبيَّنت أن الله جعل الرُسل من نفس الأقوام وبلسانهم ليسهل عليهم الفهم والإدراك.
- الدعوة إلى الأخلاق الحميدة وأصول العبادات: دعت السور المكيَّة إلى الالتزام بالأخلاق الحسنة وترك الرذيلة، وأن هذه الأخلاق تأتي كنتيجة تلقائية للالتزام بالعقيدة الاسلامية، وتعاليم القرآن الكريم، قال تعالى: {نَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 90-91].
المراجع
- ↑ عبدالله القحطاني، "معلومات في القران الكريم"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "مقاصد سورة الأعراف"، islamweb، 3-05-2011، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد الجوهري عبد الجواد (30/12/2017 )، "مقاصد سورة الأعراف"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "من هم أصحاب الأعراف ؟ وما مصيرهم في آخر الأمر ؟"، islamqa.info، 05-08-2010، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أقوال العلماء في معنى أصحاب الأعراف"، islamweb، 7-8-2004 ، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
- ↑ أ.ندى السجان، "فوائد وتأملات في مطلع سورة الأعراف"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.
- ↑ أ. د. مصطفى مسلم (14-11-2016 )، "مزايا الآيات المكية"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 3-12-2019. بتصرّف.