سبب نزول سورة طه

سبب نزول سورة طه

القرآن الكريم

أنزل الله تعالى القرآن الكريم في خير ليلةٍ من ليالي السنة وهي ليلة القدر، مما يدلّ على أنّه ذو قدرٍ عالٍ ومكانةٍ عظيمة، وقد جعل الله عزّ وجلّ هذا الكتاب آخر الكتب السماويّة ونهاية المعجزات النبويّة ليكون باقيًا إلى قيام الساعة وصالحًا لكلّ زمانٍ ومكانٍ ومعالجًا لكافّةِ الموضوعات التي يحتاجها العبد، الدينية منها والدنيوية، وعلى عكس ما تعرّضت له الكتب السماوية السابقة من تحريفٍ وتبديلٍ، فإنّ الله تعهّد بحفظه وتحدّى به الإنس والجن على أن يأتوا ولو بآيةٍ من آياته، وقد كان لكلّ آيةٍ من آياته عبرةً ومُناسبةً لنزولها فلم تنزل هباءً، وإنّما لغايةٍ أرادها عزّ وجلّ؛ وفي هذا المقال نُقدّم تعريفًا لسورة طه وسبب نزولها.[١]


سبب نزول سورة طه

سورة طه من السور المكية التي نزلت بعد سورة مريم، وسميت بذلك لأنها ابتدأت بالحرفين طه، مثلها مثل سورة يس، وسورة ص، وسورة ق، وقد قيل أنها تسمى بسورة الكليم، لأنها تتحدث عن نبي الله موسى -عليه السلام- وهو كليم الله، وقد ذكر الطبري في تفسيره أن طه باللهجة النبطية تعني يا رجل، وبهذا يكون نداء للنبي -صلى الله عليه وسلم-، أما عن سبب نزولها ففيه عدّة أقوال، منها:[٢]

  • ما ذكره مقاتل عن كفار مكة ومنهم: أبو جهل، والوليد بن المغيرة، والنضر بن حارث، ومطعم بن عدّي، فكانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن أشقاه، وقد شقي لمفارقته دين آبائه، فأنزل الله تعالى قوله: {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ} [طه: 1-2-3].
  • وقيل أن كفار قريش لمّا رأوا كثرة عبادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعيشته، قالوا: شقي محمد بربه، فأنزل الله الآيات.
  • وقيل أنها أنزلت في الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان يُكثر من العبادة والصلاة فيقوم الليل كلّه، ويراوح بين قدميه إذا شعر بالتعب، فأنزل الله تعالى عليه الآيات ليخفف عن نفسه.


تأملات في سورة طه

تناولت سورة طه عدد من الموضوعات، وقد ذُكِرت فيها قصة سيدنا موسى -عليه السلام- ومجادلته لفرعون، كما أنها تحدثت عن توحيد الله تعالى، وفيها مواقف تربوية متعددة منها:[٣]

  • طلب المعونة من الله تعالى في سبيل الدعوة: وهذا ما فعله موسى -عليه السلام- عندما سأل ربه، قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25-28]، فقد دعا الله تعالى أن يعينه في دعوته لقوم فرعون، ثم دعا الله تعالى أن يبعث معه أخاه هارون، قال الله تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: 29-35]، وفي هذا دليل على أن الصالحين يُعين بعضهم بعضًا في سبيل الخير والصلاح.
  • الدعوة إلى الله تعالى باللطف واللين: رغم الطغيان الذي كان به فرعون وقومه، إلا أن الله تعالى أمر نبيه أن يدعوه باللين واللطف، قال الله تعالى: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ} [طه: 43-44].
  • استحضار معية الله عز وجل في الدعوة: فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أن موسى وهارون -عليهما السلام- خافا ظلم فرعون وقوته، لكن الله تعالى طمأنهما بأنه معهما، قال الله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ} [طه: 45-46].
  • تقديم الحجج والبراهين: وهذا ما فعله موسى -عليه السلام- عندما سأله فرعون عن ربه، قال الله تعالى: { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ} [طه: 49-54]
  • الثبات على الحق: حتى وإن تعرض المسلم للشدائد، فهو يطمع بما عند الله من الثواب، ويعلم أن هذه دنيا زائلة، كما حدث مع السحرة الذين آمنوا، فهددهم فرعون بالصلب والقتل، لكنهم آثروا ثواب الله تعالى وثبتوا على موقفهم، فقال الله تعالى: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 71-72]
  • التحذير: إن الدعوة والتربية قائمة على تعريف الناس بطرق الهداية، ويكون ذلك بطريقين، الأول تعريف الناس بالله تعالى وترغيبهم بما عنده، ووصف الجنة ونعيمها، والثاني تحذير الناس من عذاب الله تعالى وغضبه، وتعريفهم بصفات جهنم، وذلك ما فعله الأنبياء في دعوتهم لأقوامهم، ومنهم موسى -عليه السلام- عندما دعا السحرة إلى الإيمان، قال الله تعالى: {قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ} [ طه: 61].


الحروف المقطعة في بداية السور

اختلف العماء في معنى الحروف المقطعة التي ابتدأت بها بعض سور القرآن الكريم، فذهب بعضهم إلى أنها تحدٍ من الله عز وجل للعرب، فهذه الحروف هي التي يستعملها العرب في كلامهم ومنها كان القرآن الكريم، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله ولو بآية من آياته، واستدلّ الشنقيطي -رحمه الله- على أن هذه الحروف كانت للإعجاز، بأن الآيات التي ذكرت بعدها إنما كانت عن إعجاز القرآن الكريم، كقول الله تعالى:[٤]

  • {الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [ البقرة: 1-2].
  • {الم * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ} [ آل عمران: 1-3].
  • {المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} [ الأعراف: 1-2].
  • {الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1].


المراجع

  1. "أنه آخر الكتب المنزلة"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.
  2. "سورة طه دراسة وتحليلا"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.
  3. "تأملات تربوية في سورة طه"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.
  4. "الحروف المقطعة أوائل السور إعجاز أيما إعجاز"، .islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :