الظلم
يُعرّف الظلم على أنه وضع الشيء في غير محله، والتجاوز عن الحق، والاعتداء على أموال الآخرين وأعراضهم، وأنفسهم، والتصرف في حقوقهم بالطرق غير الشرعية، كما أن للظلم أنواعًا ثلاثة، أولها ما كان في جانب الله تعالى، كالشرك به مثلًا وهو أعظمها إذ يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 12-13]، أما النوع الثاني هو أن يظلم المرء نفسه بارتكاب المعاصي والذنوب والمهلكات، كبيرةً كانت أم صغيرة، إذ إن كل ذنبٍ يقترفه العبد هو ظلمٌ لنفسه، أما النوع الثالث من الظلم فهو ظلم المرء للآخرين، كأن يغتصب شيئًا من أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، كما أن الغيبة ظلم، والسباب والبهتان كذلك، ولأن هذا الأمر من الأمور الخطيرة على الفرد والمجتمع فقد حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعديد من الأحاديث النبوية الشريفة والتي سنذكر بعضها في هذا المقال.[١]
أحاديث نبوية عن الظلم
إن أول من حرّم الظلم على نفسه هو الله تعالى، بالرغم من أنه صاحب القوة المطلقة، والقدرة اللامتناهية، وقد حرّمه على البشر كذلك نظرًا لما فيه من دمار المجتمعات والأفراد، ولذلك فقد حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارًا وتكرارًا، تأكيدًا منه عليه السلام على خطورة هذا الأمر على المجتمع الإسلامي، إذ إن الظلم يسبب لصاحبه العقاب الشديد، الذي أشارت إليه الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، والتي نذكر منها ما يأتي:[٢]
- عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- عَنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ، وكَانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ في أرْضٍ، فَدَخَلَ علَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذلكَ، فَقالَتْ: يا أبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأرْضَ، فإنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: (مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرَضِينَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقُوا الظلمَ، فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ، واتقُوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهْلَكَ منْ كانَ قبلَكمْ، وحمَلَهمْ على أنْ سَفَكُوا دِمَاءَهمْ واستحلُّوا محارِمَهمْ) [الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ}) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- قال رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]
عاقبة الظلم
إن الظلم من الذنوب التي تورث صاحبها الذل والعار في الدنيا قبل الآخرة، إذ إنه لا بد للظالم أن يُعاقب على ظلمه، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما أن الظلم سبب في البلاء والهلاك والمصائب، يقول الله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:11]، إضافة لذلك فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَنِ، فَقالَ: (اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهَا ليسَ بيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌة) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، لذلك يجب أن يحاذر العبد من الظلم، كما أن من عواقب الظلم والظالمين أنهم أهل الخسران والعذاب يوم القيامة، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ} [إبراهيم: 42-44]، كما توجد الكثير من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي تُحذر المسلم من الظلم وعواقبه، لما في ذلك من خطرٍ على نفس المسلم وعاقبة أمره، الأمر الذي يجب أن يجعل من المرء مبتعدًا بنفسه عن الظلم بكافة أنواعه.[٣]
هل ظلم الإسلام المرأة؟
إن المتمعّن في التاريخ البشري في الكثير من الحضارات القديمة يرى من حال ظلم المرأة الشيء العُجاب، حتى جاء الإسلام ليعطي للمرأة حقوقها الكاملة، حالها كحال الرجل، وحارب ظلمهنّ وفرض القوانين التي تحفظ للمرأة كرامتها وحياتها ونفسها، حالها كمثل حال الرجال تمامًا، قال تعالى في ذلك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، وغير ذلك من الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، التي تُعطي للمرأة حقّها المشروع في كل جوانب الحياة، وفي الوقت الذي يتحدث به بعض العرب عن ظلم المرأة في الإسلام، جاءت الكثير من الأقلام الغربية التي تؤكد بأن الحضارة الغربية لم تعرف احترام المرأة إلا من المسلمين إبّان حضارتهم الخالدة، وتمسكهم بتعاليم دينهم بالوجه الصحيح.[٤]
المراجع
- ↑ "تعريف الظلم وأنواعه"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "ذم الظلم والنهي عنه في السنة النبوية"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الظلم ظلمات يوم القيامة (عاقبة الظالمين)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "من يظلم المرأة ؟!!"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.