معرفة الطالع والحظ

معرفة الطالع والحظ

الطالع والحظ

يعتقد الكثيرون أنّ معنى الحظ؛ الحصول على مال وفير، أو منصب مرموق، وقد وردت كلمة الحظ في القرآن الكريم، في آخر سورة القصص حين وصف الناس قارون الذي امتلك الكنوز الكثيرة، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79]، وهذا وصف الذين يريدون الحياة الدنيا كما جاء في بداية الآية: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79]، وجاء بعدها آية أخرى تقول: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]، فرأي أهل العلم مختلف؛ إذ لم يصفوا من امتلكوا المال الوفير بأصحاب الحظ، بل من لهم نصيب من نعيم الآخرة، وإنّ ظنّ البشر غير ذلك؛ إذ يقول الله تعالى عن الكافرين:{يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 176]، فقد سمّاه الله حظًّا، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( فمَن أخَذ بالعِلمِ أخَذ بحظٍّ وافِرٍ)[مفتاح دار السعادة |خلاصة حكم المحدث: حسن].

كما أنّ الدراية بالحلال والحرام، وما أمر الله به ونهى عنه مباشرة أو مبطنا هو حظّ، والغفلة عنه وتجاهله وفعل ما يخالفه، هو من نقص حظ فاعله، فقد قال الله عن بني إسرائيل: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 14]؛ ويقصد هنا ما أمر الله به ونهى عنه، كما وصف الله النصيب من بالحظ، إذ يقول عز وجل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، كما أن مقابلة السيئة بالحسنة، وما فيها من تحوّل الخصومة إلى نصرة وودّ، من الحظ العظيم، إذ يقول الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت: 34-35].[١]، كما يعد الفوز بالجنة حظًّا عظيمًا وجزاءً للصبر، فيقول الله تعالى: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب} والصابرون هم أصحاب الحظ العظيم، لسلامة دينهم، وصبرهم على فتن الدنيا.[٢]


معرفة الطالع والحظ

يعتقد البعض أن الأبراج والنجوم تؤثر في حياتهم ومستقبلهم، وهذا ما يقع تحت مسمى علم الحظ والطالع، وهو من أعمال الجاهلية، التي أبطلها الإسلام، لأنّ فيها تعلّق بغير الله، واعتقاد بوجود من يملك الضر أو النفع غيره، كما فيه تصديق للمنجمين والكهنة، الذين يدّعون معرفتهم بالغيب، ورغم أن الصحف والمجلات، تُخصص لعلم الطالع برامج كثيرة وقنوات، إلا أنه علم باطل، وذلك للأسباب الآتية: [٣]

  • علم مبني على الأوهام، فلا علاقة لأحداث الأرض بالسماء، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما انكسَفَتِ الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم مات ولده إبراهيمُ، فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس صلاة الكسوف، ثم قام فخطب، وبعد أن أثنى على الله بما هو أهلُه، قال: (إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللهِ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ)[صحيح مسلم |خلاصة حكم المحدث:صحيح]، وهذا إبطال من النبي عليه الصلاة والسلام، لوجود أيّ علاقة تربط أحداث السماء بما يجري من أحداث على الأرض.
  • ادعاء بمعرفة الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى؛ إذ يقول سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، ما يعتبر إخبار الغيبيات بواسطة النجوم وحركتها ووجودها وغيابها، نوع من الكهانة.
  • نوع من السحر، لأنّ فيه استخدام لأمور خفيّة وغير حقيقية، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من اقتبس شعبةً من النجومِ فقد اقتبس شعبةً من السحرِ زاد ما زاد) [مجموع فتاوى ابن باز|خلاصة حكم المحدث:إسناده صحيح]، والسحر من المحرمات كما جاء في القرآن والسنة الشريفة، إذ يقول الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منَّا من تَطيرَ أو تُطيرَ له، أو تَكهَّن أو تُكهِّنَ له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنًا فصدَّقَه بما يقولُ فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) [مجموع فتاوى ابن باز|خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد ]، ولا يعدّ كل ما يتعلمه الإنسان جائزًا، فبعض ما قد يتعلمه يضرّه، إذ يقول سبحانه: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أخاف على أمتي من بعدي ثلاثًا: حَيْفَ الأئمةِ، و إيمانًا بالنُّجومِ، و تكذيبًا بالقدَرِ)[صحيح الجامع |خلاصة حكم المحدث: صحيح]


حقيقة علم الطالع والحظ

يتساءل الكثيرون حول حقيقة علم الطالع أو الحظ، وإمكانيتها في الاستدلال على المستقبل والغيب، لكن يبقى التساؤل حول حقيقة هذا العلم، والإجابة فيما يأتي:[٣][٤][٥]

  • النجوم والكواكب لا علاقة لها بمعرفة الغيب، وصفاتها الحقيقية، وهي كما يأتي:
    • مخلوقات تسبح بحمد الله وتسجد له، كما جاء في كتابه سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ}[الحج: 18].
    • الاستدلال على الأوقات والجهات، فهي علامات يهتدى بها، فيقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]، ويقول سبحانه: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16]
    • زينة للسماء، ووسيلة لرجم الشياطين؛ إذ يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5].
  • علم النجوم نوعان وهما كما يأتي:
    • علم التسيير: وهو العلم الذي من خلاله يستدل على الأوقات والجهات، كمعرفة اتجاه القبلة، ودخول أوقات الصلاة، ومعرفة الطريق في البر والبحر، وهذا علم جائز.
    • علم التأثير: وهو العلم الذي يُعتقد فيه أن للنجوم والكواكب والأبراج القدرة على التأثير على حياة الناس، والتحكم بما يحصل معهم من أحداث؛ كالصحة أو المرض، فهذا محرّم، لأنّ المصدّق به قد جعل لله شريكًا فاعلًا في الكون خارجًا عن إرادة الله سبحانه وتعالى، والحقيقة أن كل ما يحدث على الأرض، يحدث بتدبير من الله سبحانه وتعالى وحده.
  • الاطلاع على ما يقوله العرافون لا يجوز وقد يكون من باب التسلية بأخبار التنجيم والطالع، دون تصديق بها، وهو محرّم، أما تصديق العرافين حين يخبرون بتوقعاتهم للمستقبل والغيب؛ فهو تكذيب وكفر أيضًا.
  • تحليل صفات الشخص بالأبراج ، فهي مجرد تخمينات ليس لها أدلة علميّة صحيحة، فلا يوجد ارتباط بالصفات بين الآلاف من الأشخاص الذين يولدون في الساعة نفسها، فكيف في البرج الواحد، الذي يتجاوز عدد مواليده الملايين، ومنهم الهادئ، والعصبي، والضعيف، والقوي، ولا يمكن حصر صفات مشتركة بينهم.
  • المقادير مكتوبة من الله عز وجل، ومنها؛ الأرزاق، والأعمار، والصفات، قبل خلق السموات والأرض، وقبل خلق النجوم والكواكب، فليس لها تأثير في المقادير؛ إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ. وفي روايةٍ: بِهذا الإسْنَادِ مِثْلَهُ، غيرَ أنَّهُما لَمْ يَذْكُرَا: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ)[صحيح مسلم |خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • الاعتقاد بالأبراج اعتقاد فاسد، والإيمان بقدرتها على التأثير في مستقبل الإنسان، شرك بالله تعالى.
  • وجوب التوبة والاستغفار، على كل من تعلّق بأمور التنجيم والطالع، ووجوب الاعتماد على الله وحده، والأخذ بالأسباب المادية المباحة، ثم التوكل على الله، والابتعاد عن تقاليد الجاهلية ومن اتبعها، وتجنب المسلم السؤال عنها مصدقًا أو غير مصدّق، حفاظًا على دينه وعقيدته.


المراجع

  1. خالد يحيى محرق (24-11-2016)، "حظ "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15-1-2020. بتصرّف.
  2. د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه، "لا يضلنك مرتين "، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب نجلاء جبروني (23-2-2017)، "أنت والنجوم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2020. بتصرّف.
  4. فريق إسلام ويب (9-3-2010)، "الاعتقاد في الأبراج وتصديقها من الشرك"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2020. بتصرّف.
  5. الإمام بن باز، "التعلق بالنجوم والأبراج والطالع"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :