محتويات
ما مفهوم عالمية الإسلام؟
فيما يأتي بيانٌ لمعنى عالمية الإسلام لغةً واصطلاحًا:
عالمية الإسلام لغةً
العالمية لغةً هي اسمٌ مؤنَّثٌ ينسب إلى (عالَم)، وهي مصدر صناعي من نفس اللفظ، وهي حركة انسانية تخدم البشرية، وتُقارِب بين الشعوب، بعيدًا عن المساس بخصوصيّتها وهويتها الثقافية، أمّا عالمية الإسلام لغةً، فتعني أنّ الإسلام منتشرٌ في كل العالم[١].
عالمية الإسلام اصطلاحًا
تعني عالمية الإسلام اصطلاحًا أنّ الإسلام آخر الرسالات السماوية إلى البشر جميعهم، وليس مُصوّرًا بجماعة دون غيرهم، والدليل قوله سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[٢]، والحديث في صحيح مسلم: (كانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى كُلِّ أحْمَرَ وأَسْوَدَ)[٣]، ومعنى ذلك أنّ شريعة الإسلام وما تضمّنته مِن قوانين أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن أو السنة هي لعموم الناس.
جعل الله رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة لرسالات الأنبياء قبله، ومتمّمة لما نزل عليهم من الهداية، وجعله الله دينًا بصِبغة انسانية عالمية؛ لأنّه يناسب كلَّ واحد من الناس في كل وقت ومكان، وجعل شريعته عالمية وموافقة للبشر جميعًا؛ فهي تمتلك المقومات والخصائص التي تجعلها عالمية؛ فهي إلهية، واقعية، ترفع الحرج والمشقّة، ملائمة للطبيعة البشرية، وسطية، تجمع بين المرونة والثبات، والكثير من الديانات والأنظمة البشرية تفتقر لهذه المقومات الأساسية[٤].
عالمية الدعوة الإسلامية من خلال النصوص الشرعية
جاء تشريع الإسلام عامًّا لجميع الناس ولكلّ الأحوال في كلّ الأزمان والأماكن؛ لهذا هو عالمي، والأدلة على عالميّته أثبتها القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما يأتي عدد منها[٥]:
- قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[٦]، جاءت أول آيات القرآن الكريم لتثبت عالمية الإسلام، وأنّ الله تعالى رب كل الناس، وليس رب المسلمين أو العرب فقط، وجعلها الله شرطًا لصحة الصلاة، وهي أوّل ركن في الإسلام، ومن دونها لا تصح أيِّ صلاة.
- قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[٧]، جاء في تفسير الزجاج؛ أنّ معنى العالمين كلّ مخلوقات الله، وهو ربّها جميعًا، وهو جامع كل العوالم، ولا مفرد من نفس لفظ العالم؛ لأن العالم جمع لأشياء مختلفة، فإن كان عالم لواحد منها، صار جمعًا لأشياء متوافقة، ويرى ابن عباس أنّ لفظ الْعَالَمِينَ يعني الجن والإنس.
- قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[٨]، أخبر القرآن الكريم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم، مبعوث رحمة للعالمين جميعًا، وجاءهم بالصلاح والخير والرحمة والنور، وأكّد الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه مكمّل لما جاء به الأنبياء من قبله بقوله: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)[٩].
- قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}[١٠]، أكّد القرآن الكريم أنّ الكعبة المشرفة قبلة لجميع العالمين، وهداية وبركة للناس جميعًا.
- تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم بعالمية الإسلام، وذلك بقوله: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ)[١١].
مظاهر العالمية في الإسلام
يتّصف دين الإسلام بأنّه عالمي، وفيما يأتي أهمّ مظاهر عالميّته[١٢]:
دين رباني
أي أنّ عقيدته ومنشأه وغايته من الله سبحانه وتعالى، وعقيدة الإسلام لا يمكن أن يغيّرها أحد؛ فهي من عند الله وهو يحميها، والعبادات ربانية أي أنّها موقوفة من عند الله أي لا يجوز التعبّد بعبادة غير مثبتة في الكتاب أو السنة، والتشريع الرباني يعني أنّ الله صاحب الحدود، ولا يمكن التعديل أو التبديل فيها.
الشمولية
يعني أنّ قوانين الإسلام شاملة لجميع نواحي الحياة الدينية والاجتماعية والأخلاقية، وهو شامل لكل الأوقات والأماكن، والرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث للناس أجمعين، ووضّح للناس كلّ أحكام الإسلام، والدين الإسلامي يكفل التوازن الاجتماعي لكلّ الناس، من دون تفضيل أحد على أحد أو لون على لون.
التوازن والوسطية
أي أنّ شريعة الإسلام لا تتشدّد في شيء، ولا تتراخى في شيء، وهو يوازن بين الضوابط والرغبات، وبين الجسد والروح، وبين الحرمان والترف، ولا يميل للمادّيّة البحتة، ولا الروحيّة الصرفة.
الانفتاح والتّجدّد
أي أنّ الإسلام صالح لكلّ زمان ومكان، ويستوعب جميع التغييرات التي تحدث، وقادر على حل المشكلات المستجدة عبر الأزمان، وهو ملائم لكلّ طبائع البشر.
ما الفرق بين العالمية والعولمة؟
هناك الكثير من أوجه الاختلاف بين عالمية الإسلام والعولمة، وفيما يأتي عددٌ من هذه الاختلافات[١٣]:
- المصدر: الإسلام مصدره من الله سبحانه، المتّصف بصفات الجلال والكمال، خالق الناس والكون، والأعلم بما يصلحهم، بينما تستمدّ العولمة مبادئها من الناس، وهي مليئة بالفساد والانحلال الأخلاقي والفكري.
- المنهج: يقوم منهج الإسلام على التسليم والإيمان بكلّ أركانه وأصوله، بينما تُحارب العولمة الإسلام والأديان؛ لما فيه من الأخلاق والقيم والنظم التشريعية.
- الواقعية: يتعامل الإسلام مع الحقائق بالأدلة العقلية الموضوعية، لا تنافي العقل أو الحياة، بينما تركّز العولمة على تصوّرات مجرّدة أو مثاليات لا يمكن تطبيقها في الواقع.
- الرحمة: الإسلام دين رحمة للعالمين جميعًا للمسلمين ولغيرهم، وفي كلّ حالاتهم، بينما لا يمكن تطبيق قوانين العولمة في كلّ الأحوال ولكلّ الناس.
- الخصائص والمبادئ: يستمدّ الإسلام عالميّته من مفهوم الإسلام نفسه، مبادئه شاملة لكلّ الإنسانية، بغضّ النظر عن لغتها أو لونها، بينما تستمدّ العولمة مبادئها من النظام الرأسمالي الغربي المادي، وقد ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين؛ بسبب أحداث سياسية واقتصادية عديدة، مثل انتهاء الحرب الباردة عام 1961م.
واجبات المسلم للتأكيد على عالمية الإسلام
تتلخّص مسؤولية المسلمين اتجاه عالمية الإسلام بما يأتي[١٤]:
- حماية النفس والأسرة والمجتمع من الخطر الذي تحرّض عليه الحضارة المعاصرة، القائم على إضعاف القِيَم الفكرية والرُّوحية التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية.
- التعرّف على خصائصها التي تميّزها عن غيرها من الديانات والحضارات.
- المجاهدة بكل الوسائل في سبيل تقديمها للآخرين.
- التعرّف إلى معنى الاستخلاف في الأرض، وكيفية محاسبة الله عليه.
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى عالمية في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:107
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله ، الصفحة أو الرقم:521، صحيح.
- ↑ إسماعيل علي محمد (19/3/2017)، "عالمية الشريعة الإسلامية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2021. بتصرّف.
- ↑ بدر عبد الحميد هميسه، "عالمية الإسلام"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الفاتحة، آية:2
- ↑ سورة القلم، آية:87
- ↑ سورة الأنبياء، آية:107
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:3443، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية:96
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن تميم الداري، الصفحة أو الرقم:6155، إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ السيد مراد سلامة (18/11/2018)، "تحفة الأنام بعالمية وخصوصيات الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2021. بتصرّف.
- ↑ صالح الرقب، بين عالمية الإسلام والعولمة، صفحة 1001-1005. بتصرّف.
- ↑ عبدالحليم عويس (31/10/2018)، "واجب المسلمين نحو الحضارة الإسلامية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2021. بتصرّف.