محتويات
الحَرم المكِّي
لِمَعْرِفَة حُدود الحَرَم المكِّي أهميةٌ كبيرة؛ إذ تَرتَبِط بها الكثير من الأحكام الدينيَّة، وقد عَمِل العُلماء على تَوضيح هذه الحدود بكُلِّ وضوح وإتقان، فالحَدّ من جهة المدينة المُنَوَّرَة: عِند بيوت بني نفار عَلى بُعد ثلاثة أميال من مكَّة المُكرَّمة، ومِن جِهَة طريق الجعرانة: في شعب آل عبدالله بن خالد على بُعدِ تِسعَة أميال، ومن طريق جِدَّة على بُعد عَشرَة أميال مِن مكَّة المُكَرَّمَة، ومِن جِهة طَريق اليَمَن: جهة "أضاة لبن" على بُعد سَبعةِ أميال، ومِن جهة طريق العِراق على "ثَنِيَّة جَبَل" على بُعد سبعة أميال، وللحرم المكِّي علامات مَنصُوبة، وذَكَرَ الأَزرَقي وغَيرُه أن سيدنا إبراهيم -عليه السّلام- قَد وضَع هذه العلامات بعد أن بيَّنها له جبريل -عليه السلام-، وقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بتوضيحها، ومِن بَعدِه عُمر ثم عُثمان ثم مَعاوية -رضي الله عنهم جميعًا-، حتى صارت في وقتنا الحالي واضحة[١].
قصة ظهور عين زمزم
يَقَعُ ماء زمزم شرقيّ الكعبة المشرفة، ويبعد عنها مسافة واحد وعشرين مترًا، ويُقدّر عُمقها بما يُقارب الثلاثين مترًا، وقد اختار الله -تعالى- هذا الموقع دونًا عن غيره؛ لأنه أطهر منطقة على وجه الأرض، وأقرب ما يكون إلى موقع بيت الله الحرام، وأظهر الله -تعالى- للناس كيف أحيا هذه المنطقة بعدما كانت منطقة خالية من أي معالم للحياة، وجَعَل من هذا الماء مصدر شُرب لحجاج البيت الحرام وللناس كافة.
لقد بدأت قصّة ماء زمزم عند قُدوم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى البيت الحرام الذي لم يكن يَسكنه في ذلك الزمان أحد ولا يوجد فيه أي شيءٍ، ثم تَرك سيدنا إبراهيم زوجته وابنهُ وذهب، فلحقته وسألته إن كان الله تعالى هو من أمره بذلك، فقال لها نعم؛ فعرفت أن الله لن يضيِّعها وابنها، فذهب سينا إبراهيم، وبعد أن اختفى عنهم دعا الله بهذا الدعاء كما ورد في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]، بعدها نزل ملك من الملائكة يقال أنه جبريل -عليه السلام- إلى مكان زمزم وبَحَث بجناحه حتى خَرَج الماء، وبَدَأت هاجر -عليها السلام- تَجمع الماء في حوض وتأخذ منه وكلما أخذت زادت المياه وفارت، وبهذا كرَّم الله تعالى سيدنا إبراهيم وأبناءه وبقي ماء زمزم إلى يومنا هذا.
اهتم الملوك على مَرِّ الأزمان بهذا الماء، وعملوا على إعماره، وفي العهد الحديث اهتمت المملكة العربية السعودية بزمزم، وأصبح الماء متوفرًا للشرب في جميع أجزاء الحرم المكِّي، ويقال أن هذا البئر يَضُخُّ من الماء ما متوسطه 900 لتر في الدقيقة، ويمكننا أن نتخيل كم روى هذا البئر من الأجيال منذ اللحظة الأولى لخروج الماء إلى يومنا هذا وكم سيسقي من الناس في المستقبل [٢].
تسمية وتاريخ ماء زمزم
يُقال أنّ ماء زَمْزَم سُميَّ بهذا الاسم بسبب كثرة الماء فيه، وقيل بسبب اجتماعها، وقيل أيضًا أنَّه وعندما فاضت الماء جعلت السيدة هاجر تقول "زَمْ زَمْ" أي اجتمع يا مُبارك؛ فاجتمع الماء وسُمي بهذا الاسم، وقيل أيضًا أن السيدة هاجر زمَّت بالتُراب لتمنع الماء من السيلان يمينًا ويسارًا. وقد عُرف ماء زمزم بأسماء كثيرة تَدُلُّ على فَضلها، وتُذَكِّر بقصة خروج الماء، ومن هذه الأسماء: زَمْزَم وزُمام، وركضَة جُبرائيل، وهزمة جبرائيل، وهزمة الملك، والهزمة والركضة، وسُقيا الله لإسماعيل -عليه السلام-، وشُّباعة، وبرَّة، ومَضنونة، وتُكتَم، وشِفاءُ سُقم، وطَعامُ طُعم، وشراب الأبرار، وطعامُ الأبرار، وطيّبة[٣].
لقد بقيت ماء زمزم لفترة طويلة من الزمن عبارة عن حوضين من الماء، كان الأول بينها وبين الرُكن وكان مُخصصًا للشُرب، والحوض الثاني كان في الجهة الخلفية وكان مخصّصًا للوُضوء، وكان بِناءُ البِئْر بِناءً بسيطا جدًا إلى أن بُنيت أول قبة فوقه في عصر الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وكان ذلك سنة 145 هجري، وكان الخليفة أبو جعفر أول من وضع الرُخام في زمزم، وعلى يد عمر بن فرج سُقِف البئر بالساج، وكُسيت القُبَّة بالفُسيفساء، وفي زمن الخليفة المَهدي سنة 160 هجري جُددت العمارة في البئر، وبُنيت قُبةٌ كبيرةٌ سُقفت بالساج فوق حُجرة الشراب، وجُدد البناء أيضًا في زمن الخليفة العباسيّ المُعتَصِم[٣].
فضائل وآداب شرب ماء زمزم
أجمع علماء المسلمين على استحباب الشّرب من ماء زمزم لا سيما للحجاج والمُعتمرين، وقد ثبت أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- شرب منه وحثّ على الشّرب منه، فقال -صلّى الله عليه وسلّم- في ماء زمزم: (إنّها مباركةٌ إنّها طعامٌ طُعمٍ) [المصدر: صحيح مسلم | خلاصة حكم المحدث: صحيح]، يُقصد من الحديث الشريف أن شُرب مَاء زَمزم يَسُدُّ عن الطعام ويَشفي من الأمراض، ومن فضائل ماء زمزم أنها تُقوِّي القَلب، وورد في السيرة النبوية أنَّ جبريل -عليه السلام- غسل صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء زمزم، وقد وردت عن أهل العلم آداب مستحبة للشرب من ماء زمزم؛ منها التَضَّلُّع: وهو الشُرب بِكثرةٍ للوُصول إلى الارتواء الكامل، ويُستحب أيضًا التوجه إلى القبلة أثناء الشرب، والبَسملة، وحَمْد الله بعد الشُرب، ويَكون الشُرب بوضعيَّة الجُلوس، ويُستحب بعد الشرب التزوُّد بالماء ونقله ليَستفيد منه من يحتاجه في مكان آخر[٤].
الدروس المستفادة من القصة
توجد العديد من الدروس المُستفادة من هذه القصة، ومنها ما يلي[٥]:
- اليقين الكامل في الله تعالى: تبعت السيدة هاجر نبي الله إبراهيم -عليه السلام- لتعرف منه إن كان تَرْكُهُ لَهُم في هذا المكان بأمر الله تعالى، وعندما عرفت أنه بأمر الله اطمأنت وعرفت معرفة اليقين أن الله تعالى سيكون معهم، وذلك لأن ارتباطها مع الله تعالى ارتباط قويٌ ووثيق، كما أنّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- كان على يقين كامل بأن الله لن ينسى زوجته وابنه، وإلَّا لما تركهم وذهب، وأيضًا عندما كانت السيدة هاجر تترك ولدها وتذهب بين الصفا والمروة، فقد كانت على يقين بأن الله تعالى سَيَحْمِي لها طفلها، وعلى كُلِ مؤمن أن يتوكّل على الله حقَّ توكّله، ويعرف بعدها أن الله سيختار له الأفضل.
- التوكُّل على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب: كان سعي السّيدة هاجر بين الصّفا والمروة من مظاهر الأخذ بالأسباب، فقد كانت تبحث عن أي مصدرٍ يمكن من خلاله أن تحصل على الرزق، وقلبُها مُعَلَّقٌ بالله تعالى، ولم تكتفي السيدة هاجر بالسَّعي مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث، لكنها استمرت بالسَّعي سَبْع مراتٍ إلى أن جاء الفرج من عند الله تعالى، من هذا التصرُّف نعرف أن علينا الاجتهاد في السعي والعمل بالأسباب وعدم اليأس من كثرة المحاولة.
المراجع
- ↑ "حدود الحرم المكي"، islamweb، 14-2-2006، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ↑ د. محمود بن أحمد الدوسري (13-11-2017)، "قصة ماء زمزم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "زمزم.. خير ماء على الأرض"، archive.islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "فضل ماء زمزم وخصائصه"، islamqa.info، 25-06-1999، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "دروس من قصة هاجر عليها السلام"، islamstory، 28-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.