محتويات
الجنة والنار
خلق الله تعالى الجنة والنار لتكون جزاءً للعبد على أفعاله في الحياة الدنيا، فالجنة ثواب للمؤمن والنعيم المقيم الذي أعده الله تعالى لعباده يوم القيامة، وقد ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، فقال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]، والجنة درجات اختلف العلماء في عددها، أما النار فدركات يهوي بها الكافر جزاءً من الله تعالى على شرور أعماله في الحياة الدنيا، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145]، وقد بيّن الله تعالى في القرآن الكريم ومن خلال الوحي لرسوله -صلى الله عليه وسلم- الأعمال التي يدخل بها الإنسان الجنة، أو يستحق بها النار[١].
درجات الجنة السبع
لا خلاف بين العلماء في أن عدد السماوات سبعة، فقد قال الله تعالى قي كتابه العزيز: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 12]، وخلق الله تعالى الأرض والسماوات في ستة أيام، مع أن الله تعالى قادر على ذلك في لحظة، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلقها في وقت محدد لحكمة يعلمها سبحانه، ولكن الخلاف كان في عدد درجات الجنة إن كانت سبعًا بعدد السماوات، وقد أجاب العلماء من خلال الأحاديث النبوية الصحيحة وفي ذلك عدّة آراء حول عدد درجات الجنة، وهي[٢][٣]:
- قال بعض أهل العلم أن عدد درجات الجنة بعدد آيات القرآن الكريم، مستندين بذلك إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها) [صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح].
- بعض أهل العلم ومنهم ابن القيّم -رحمه الله- قالوا أن درجات الجنة تزيد عن مئة درجة، مستندين إلى عدّة أحاديث وردت عن الرسول، منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ) [ صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- بعض أهل العلم ردوا على من حصر درجات الجنة بمئة درجة، والذين استندوا إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَن آمَنَ باللَّهِ وبِرَسولِهِ، وأَقامَ الصَّلاةَ، وصامَ رَمَضانَ كانَ حَقًّا علَى اللَّهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ أوْ جَلَسَ في أرْضِهِ الَّتي وُلِدَ فيها، فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قالَ: إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبيلِ اللَّهِ، ما بيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ -أُراهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، ومِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فقالوا أن هذه المئة درجة مخصصة للمجاهدين دون غيرهم، أو أن يكون لفظ المئة للدلالة على الكثرة وليس مقصودًا بعينه، كما أنه يدل على أعلى مراتب الجنة وهي الفردوس الأعلى.
- من أهل العلم من رأى أن درجات الجنة لا يعلم عددها إلّا الله، فهي غير محصورة بعدد، وكلما زاد المسلم من عمل الخير ارتفعت درجته في الجنة.
كيف ترتفع درجة المسلم في الجنة
لا شك أن من الإيمان بالله تعالى والقيام بالأعمال الصالحة من أعظم ما عبادات المسلم التي ترفع درجته في الجنة، ومن رحمة الله تعالى يوم القيامة أنه سبحانه يغفر لعباده ويجازيهم بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، ومن كرم الله تعالى على عباده أن جعل عدّة أمور ترتفع بها درجة المسلم في الجنة، ومن هذه الأمور ما يلي[٤]:
- شفاعة الشافعين: وتشمل شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض، وفي ذلك حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (دَخَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فأغْمَضَهُ، ثُمَّ قالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِن أَهْلِهِ، فَقالَ: لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بخَيْرٍ، فإنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ علَى ما تَقُولونَ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ له في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ له فِيهِ.[وفي رواية]: نَحْوَهُ، غيرَ أنَّهُ قالَ: وَاخْلُفْهُ في تَرِكَتِهِ، وَقالَ: اللَّهُمَّ أَوْسِعْ له في قَبْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: افْسَحْ له) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- استغفار الولد لوالده والدعاء له: فالعبد الصالح يدعو لوالديه بالغفرة والرحمة حتى أنهم يرتفعون درجات في الجنة بهذا الدعاء، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الرَّجلَ لتُرفعُ درجتُهُ في الجنَّةِ فيقولُ: أنَّى هذا؟ فيقالُ: باستِغفارِ ولدِكَ لَكَ) [ مصباح الزجاجة| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات]، كما أن الله تعالى يرفع الولد عند منزلة والديه في الجنة، أو يرفع الوالدين إلى منزلة ولدهما إذا كانت أدنى لتقر أعينهم بذلك، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
أعمال يدخل بها المسلم الجنة
ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- جملة من الأعمال يستطيع المسلم أن يأتيها رجاء ما عند الله تعالى من الثواب، وطمعًا في دخول جنة الخلد التي وعدها الله تعالى لعباده المتقين، ومن هذه الأعمال ما يلي[٥]:
- الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح، والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًا، منها قول الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25].
- تقوى الله تعالى، ومعناه الخوف من الله تعالى في السر والعلن، والعمل بما جاء في القرآن الكريم، وفي هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- طمعًا في المثوبة وخوفًا من العقاب.
- طاعة الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعدم مخالفة سنته، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي، فقد قال الله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60].
- طلب العلم من أحد أسباب دخول الجنة، شرط أن يكون طلبه لوجه الله تعالى، ولا يبغي بذلك رياءً ولا سمعة، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
المراجع
- ↑ "الجنة والنار"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير السعدي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "حول عدد درجات الجنة ، والجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك ."، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "درجات الجنة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "ثلاثون سببا لدخول الجنة من القرآن وصحيح السنة"، saaid<i>، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019. بتصرّف.</span> </li> </ol>