ما معنى حياة البرزخ؟

ما معنى حياة البرزخ؟

ما معنى حياة البرزخ؟

تعريف البرزخ لغةً: الحاجز بين الشيئين، قال الله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:19-20]، وتُطلق حياة البرزخ على الحياة المعقبّة لموت الإنسان، كما أشار علماء الإسلام إلى أنّ البرزخ هو الحاجز بين الموت والبعث، أو ما بين الحياة الدنيا والآخرة بدءًا من وقت الموت إلى وقت البعث، بمعنى أنها الفترة التي يقضيها الإنسان ما بين خروجه من الحياة الدنيا ودخوله في الآخرة.

قال الله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100]، قيل في حضرة الشعبي: "رحم الله فلانًا فقد صار من أهل الآخرة، فقال: لم يصر من أهل الآخرة، ولكنه صار من أهل البرزخ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة"، فموت الرجل لا تعني أنه أصبح من أهل الآخرة، بل أنه صار من أهل البرزخ.

تبدأ حياة البرزخ منذ لحظة قبض الروح الأولى، ثم إيداع الإنسان في القبر، وما أن يودع في القبر يتلقاه الملكان ويبدآن بسؤالِه الأسئلة التي تحدّد مصيره؛ من ربك؟ ما دينك؟ وما قولك في الرجل الذي بُعث إليكم (المقصود الرسول عليه الصلاة والسلام)، وهنا يجيب المؤمن عن تلك الأسئلة كالتالي: ربي الله، ديني الإسلام، والمبعوث فينا محمد -عليه الصلاة والسلام- فيجيبه الملكان قائلان: "انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدًا في الجنة فيراهما جميعًا"، أمّا الكافر فيجيب عن تلك الأسئلة بأنه لا يدري، فيجيبانه الملكان: "لا دريت ولا تليت" ليصيبه ما قُدّر له من العذاب.

ومن الجدير بالذكر هنا، اتّفاق أهل السنّة على أن كل البشر يُسألون بعد موتهم، سواءً أودِعوا القبر أو لم يودَعوا فيه، أو من تمزّقت أعضاؤه، أو أكله السّبع ولم يُدفن، أو مات حريقًا، أو غريقًا، فلا بدّ لكل البشر أن يُسألوا ويُجازوا بأعمالهم.

وَصَفَ الله تعالى حياة البرزخ للكافر والمجرم، بالأخص آل فرعون، فقال عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [سورة غافر: 46]، أي أنّ آل فرعون يُعرضون على نار جهنم في الصباح والمساء إلى يوم القيامة حيث يُدخلون إلى النار، بينما وَصَفَ حياة البرزخ للشهداء بأنها فرح وسعادة وسرور، فقال عز وجل: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 170].

وكان الرسول -صل الله عليه وسلم- يقول بعد الانتهاء من دفن الميت: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيتَ فإنه الآنَ يُسألُ)[١] ، أمّا اسم الملكين فقد وَرَدَ في حديث أبو هريرة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إذا قُبرَ أحدُكم، أو الإنسانُ آتاه ملَكانِ أسوَدانِ أزرقانِ، يُقالُ لأحدِهما المنكَرُ وللآخرِ: النَّكيرُ)[٢][٣][٤][٥].

وفي التأكيد على ما قيل فيما يَلقَاه الكافر من عذاب في حياته البرزخية أشار الإمام الصادق -عليه السلام- قائلًا: "إِنَّ لِلْقَبْرِ كَلَامًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، يَقُولُ أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ، أَنَا بَيْتُ الْوَحْشَةِ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا الْقَبْرُ، أَنَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ"، بمعنى أن حياة البرزخ تتناسب مع ما قدّمه الإنسان من أعمال في حياته، فمن كان صالحًا تقيًّا كانت حالته في حياة البرزخ يسرة وجيدة، ومن كان منافقًا فاسدًا كانت حياته البرزخية شديدة[٤].


مواضع ذكر البرزخ في القرآن الكريم

وَرَدَ ذكر البرزخ في القرآن الكريم في 3 مواضع، وهي على النحو التالي[٤]:

  1. سورة الرحمن: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19-20].
  2. سورة الفرقان: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53].
  3. سورة المؤمنون: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].


مواضع ذكر البرزخ في السنة النبوية

وَرَدَ ذكر البرزخ في السنة النبوية فيما يلي من المواضع:

  1. قول شارح الطحاوية: (وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، بل إن الشرع قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عودة الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا)[٦].
  2. قال في موضع آخر: (واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وما ورد من إجلاسه، واختلاف أضلاعه ونحو ذلك، فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير)[٧].
  3. رَوَتْ السيدة عائشة رضي الله عنها: (أنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقالَتْ لَهَا: أعَاذَكِ اللَّهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَذَابِ القَبْرِ، فَقالَ: نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِن عَذَابِ القَبْرِ)[٨][٩].
  4. عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقالَتَا: إنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، قالَتْ: فَكَذَّبْتُهُما وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ عَجُوزَيْنِ مِن عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ، فَقالَ: صَدَقَتَا، إنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ قالَتْ: فَما رَأَيْتُهُ، بَعْدُ في صَلَاةٍ إلَّا يَتَعَوَّذُ مِن عَذَابِ القَبْرِ)[١٠][٩].


ما مدة حياة البرزخ؟

الأمر في هذا الصدد توقيفي، ولا يمكن الاجتهاد أو النظر فيه، وتوقيفي يعني أنه يجب الوقوف على ما وَرَدَ فيه من الخبر، إذ لم يتم الوقوف على خبر في ذلك إلا قول الله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 112-113]، وهنا أشار القرطبي في تفسير الآية الكريمة إلى أن شدّة العذاب أنستهم مدّة مكوثهم في القبور، وقيل أيضًا أنهم استقصروا مدّة لبثهم في الحياة الدنيا وفي القبر ورأوا ذلك يسيرًا بالمقارنة مع ما هم بصدد خوضه.

كذلك، قال الله تعالى: {قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ المؤمنون: 114]، بمعنى أنهم ما لبثوا في الأرض إلا قليلًا، وأن مدّة مكثهم في القبور قليلة مقارنة بمدّة مكثهم في النار، فتلك لا نهاية لها[١١].


هل يلتقي الزوجان في حياة البرزخ؟

الزوجان اللذان توفاهما الله وهما مسلمان، وعلى عقد زواج بينهما لا ينفسخ هذا العقد بموتهما، ومن الممكن أن تلتقي أرواحهما في حياة البرزخ كما هو الحال بالنسبة إلى سائر أرواح المسلمين، كما يمكن أن يتعارفا ويتحادثا، وهذا مذهب جماعة أهل العلم، وبعد انتهاء البعث والجزاء يدخلان الجنة بإذنه تعالى[١٢].


المراجع

  1. رواه ابن عثيمين، في شرح رياض الصالحين، عن ابن عثيمين، الصفحة أو الرقم:4/141، حسن.
  2. رواه الألباني، في شرح الطحاوية، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:399، حسن.
  3. "حياة البرزخ"، طريق الإسلام، 25/12/2014، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "ما معنى البرزخ، و ما حقيقة عالم البرزخ؟"، مركز الإشعاع الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2021. بتصرّف.
  5. أ. د. مصطفى مسلم (22/12/2014)، "حياة البرزخ"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2021. بتصرّف.
  6. الإمام القاضي علي الدمشقي، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 276. بتصرّف.
  7. الإمام القاضي علي الدمشقي، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 268. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1372، صحيح.
  9. ^ أ ب "المبحث الأول: أحاديث عذاب القبر ونعيمه متواترة"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 31/1/2021. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:586، صحيح.
  11. "تحديد مدة البرزخ"، إسلام ويب، 10/10/2005، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2021. بتصرّف.
  12. "التقاء أرواح الأزواج بعد الموت ممكن"، إسلام ويب، 5/5/2002، اطّلع عليه بتاريخ 27/1/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :