خطبة بمناسبة عيد الأم
الحمد لله العفو الغفور، لا تَنقضي نعمه، ولا تُحصى على مر الدهور، والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أمّا بعـد: عرّف الشيخ ابن تيمية مصطلح العيد بأنه: "فالعيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، عائد : إمّا بعود السّنة أو بعود الأسبوع أو الشهرأو نحو ذلك (اقتضاء الصراط المستقيم )"، وقد كَثُرت الأعياد في هذه الأيام عند المسلمين كعيد الميلاد، وعيد العمال، وعيد الشجرة، وعيد الجلوس، وعيد الأم، وغيرها الكثير، إلا أن ظهور هذه الأعياد في المجتمع الإسلاميّ ما هو إلا اتّباع للمشركين واليهود والنصارى، إذ لم يرد في الإسلام أيٌّ منها، ولا عيدٌ للمسلمين سِوى عيديّ الأضحى والفطر.
مثل هذه المناسبات والأعياد التي تتكرر كل سنة زجرتها الشريعة الإسلامية، وأمرت بعدم الاحتفال بأعياد زمن الجاهلية بغض النظرعن مصدرها، فالسّنة والعادة في الجاهلية والتي تتكرر بمرور السنوات والأيام تجعل الناس لا يميزون مما يعدّونه عبادةً لله -عز وجل- عن غيرها، ومن يقتدي بعاداتهم فقد تأَسّى بسنة الجاهلية، وتشبه بمجتمع غير مجتمع المسلمين، فلا يجوز الاحتفال بعيد الأم وغيره من الأعياد السابق ذكرها حتى لو كانت نية المسلم التعبد أو التقرب من الله، والأصل للمسلم أن يجتنب البِدع.
أخبرنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن اتّباع أمته للأمم السابقة من الفرس واليهود والنصارى، وقد ذكرهذا الاتّباع لذمّهم ولذكر الوعيد الذي ينتظرهم، إذ وردت عدّة أحاديث عن هذا الأمر؛ (فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن !؟) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، (وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك؟) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، والمقصود بقوله -عليه الصلاة والسلام- بأخذ القرون: أيّ اتّباع جهل الأمم السابقة في بِدَعِها وضلالها وشركها، وقد تمثَلَ بالفرس والنصارى واليهود مذاهبهم وسيماهم.
فعيد الأم وما يحمله من مسمًا آخر كعيد الأسرة هو يوم اخترعه النصارى لزعمهم أنهم يكرمونها في هذا اليوم حيث نجد الكثر من الناس يزورون أمهاتهم في هذا اليوم ويجلبون لها الهدايا، وعند انقضاء هذا اليوم يعودون للقطيعة، وهذا أمرٌ يجب أن يكون مُستنكرًا للمسلمين أجمعين؛ لأن الله -عز وجل- فرض عليهم بر أمهاتهم، ووعد من يعقّها بالعذاب، وأثاب من يبرّها ويحسن لها كما أحسنت إليه بأرفع المنازل والدرجات.
كما أنّ الغرب أوجدوا عيد الأم الذي قلّدناهم تقليدًا أعمى بالاحتفال به دون معرفتنا لمَ اخترعوه، فهم ابتدعوه لأن الأوروبين من المفكّرين والعلماء لاحظوا نسيان الكثير من الناس أمهاتهم كونهم ينفصلون عنهم عند بلوغهم سنًا معينة، فلا يلبون احتياجاتهم كاملة ولا يرعونهم الرعاية الشاملة، لذا خصّصوا يومًا واحدًا بالسّنة ليتذكرهؤلاء أمهاتهم فيه، وعلى المسلمين أن يخالفوا الأمم السابقة حتى ما يملكونه من حق، إذ نملك في ديننا وعقيدتنا الحق امتلاكًا أكبر وأعم منهم، ففي بر الوالدين والأم على وجه التحديد ذُكرت العديد من الآيات والأحاديث النبوية؛ إذ قال -عز وجل- :{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24]، وورد في السنة النبوية: (أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَ: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها) [صحيح النسائي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح] وهذه الأدلة القاطعة تنبهنا بعظمة إسلامنا الذي كرّم الأم في كل الأوقات، وليس بيومٍ واحدٍ بالسنة [١][٢].
خطبة قصيرة بمناسبة عيد الأم
الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السموات والأرض وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، أمّا بعد: فيجب علينا أن نعلم أنه من غير الجائز الاحتفال بعيد الأم أو يوم الأم، ولا ما يشابهه من الأعياد الأخرى التي اختلقها المشركون، اتباعًا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملًا ليس عليه غير أمرنا فهو رد) [نظرية العقد| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد ينذهل معظمنا ممّا نراه من العلاقات الأسرية الغربية عمومًا وفي أحوال العلاقات مع الأم خصوصًا، فلا يوجد هنالك أسرة كاملة يصِل أفرادها بعضهم البعض، بل أنهم يلجؤن إلى دور العجزة عند بلوغ الأم أو الأب أيضًا سن الكبر، وللأسف قد نجد بعضًا من المسلمين أيضًا اتّبعوا هذه العادة تاركين ورائهم الألم والقهرليستقر في قلوب الوالدين، فما لنا نتّبع كل ما يخترعونه اتباعًا تقليديًا أعمى لا فائدة فيه، فالإسلام الحنيف أوصانا بأمهاتنا وبرهنَّ خير البر.
كذلك، ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :(أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ.)[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١].
واجب الأبناء اتجاه الأم
أمرنا الله عز وجل بالإحسان لكل من يُحسن إلينا، فقال في كتابه الحكيم: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، فكيف سيكون الإحسان للأم؛ هو خير الإحسان وأوجبه بعد إحسان العبد إلى ربه ورسوله، إذ جمع الله شكره بشكر الوالدين لعظمة حقهما على أبنائهما، وخصّ الأم لمَ تتحمله من مشقة في الحمل والرضاعة والتربية، قال الله تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، فعلى الأبناء بر والدتهم لمَ فيه رضىً من الله -عز وجل- وتوفيق ورضا في الدنيا والآخرة، أمّا فيما يتوجب على الأبناء اتّجاه أمهاتهم فهي كثيرة نذكر منها ما يلي [٣]:
- الإحسان لها، والبحث عن كل منفعة وإيصالها لها على كفوف الراحة، وترك كل أذى عنها، والمبالغة والإيثار في هذا الأمر، ولا ننسَ حُسن صحبتها، فهي أحق الناس بهذا الأمر.
- قضاء حاجاتها؛ فيجب على الابن البار أن يكونَ يقظًا لمَ تحتاجه أمه ويلبيها بها، لأن الكثير من الأمهات يخجلن من طلب حاجيتهم، فيجب عليه أن يتمحص بها ويُكثر من جلوسه معها ليلبيها دون أن يحوِجها أن تطلبها.
- خدمتها وإعانتها؛ فيعرف ويفهم نفسيتها، وما الذي تحبه وما الذي تكرهه، وما الذي يغضبها ويرضيها، ويكتشف ما تخفيه في سريرتها ويفهمها من عينيها دون أن تنطق.
- تخصيص جزءًا من ماله لها؛ فعلى الابن البار أن يخصّص لها مبلغًا من أجرته وماله، ولا يبخل عليها من رزقه أبدًا حتى وإن كانت غنية، ففي هذا الأمر يطرح الله البركة في ماله، وإن كانت بحاجة فقد حقق ولبى لها النفع.
- ^ أ ب "عيد الأم ! نبذة تاريخية ، وحكمه عند أهل العلم"، الإسلام سؤال وجواب، 4/1/2018، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2020. بتصرّف.
- ↑ "الاحتفال بيوم الأم تقليد أعمى"، إسلام ويب، 5/4/2011، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2020. بتصرّف.
- ↑ الدكتور إبراهيم بن محمد الحقيل (11/5/2011)، "من حقوق الأم على أولادها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2020. بتصرّف.