خواص سورة يوسف

خواص سورة يوسف

التعريف بسورة يوسف

سورة يوسف هي السورة الثانية عشرة حسب الترتيب القرآني العثماني، وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة آية، وهي سورة مكيّة، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إلا ثلاث آيات من أولها، والاسم الوحيد لهذه السورة هو (يوسف)، لأنها قصَّت قصة يوسف -عليه السلام- كلها، ولم تُذكر قصته في أي سورة غيرها، ولم يُذكر اسمه في غيرها إلا في سورة الأنعام وغافر[١]، وعندما يُذكر اسم يُوسف يخطر على بال الإنسان صفات الجمال والعفة والأمانة والطهر وذلك اقتداءً بنبيّ الله يوسف -عليه السلام-، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعًا من الله تعالى السلام[٢].


تسمية سورة يوسف بأحسن القصص

يقول الله تعالى: {نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3]؛ أي أخبر الله عز وجل عباده بسورة يوسف وهي أحسن القصص، وتعني كلمة القصّ تتبع الشيء، كما جاء في قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11]؛ أي تتبعي أثره، فالقاصّ هو من يتبع الآثار ثم يخبر غيره بها، وكان للعلماء آراء مختلفة في سبب تسمية هذه السورة أحسن القصص دونًا عن باقي قصص القرآن، ومن الأسباب ما يلي[٣]:

  • لذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين، والجن والإنس، وقصص الملوك والتجار والعلماء، والرجال والنساء، وفيها ذكر التوحيد والفقه وتفسير الرؤيا، والسياسة وغيرها من الأمور التي تفيد في الدين والدنيا.
  • لذكر الحبيب والمحبوب وأحوالهما؛ لذا كانت أحسن القصص.
  • لأن كل من ذكر فيها كان مصيره السعادة، كيوسف وأبيه وإخوته، وامرأة العزيز، والملك أيضًا أسلم وحسن إسلامه.
  • لكثرة العبر والحكم التي لم تتضمن مثلها قصة في القرآن الكريم؛ إذ يقول الله في آخر السورة: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
  • لتجاوز يوسف عن ظلم إخوته، وصبره على أذاهم، وعفوه عنهم، حتى قال: {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92].


قصة النبي يوسف عليه السلام

النبي يوسف عليه السلام نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، وقد عاش بداية عمره في الشام، ثم انتقل إلى مصر، وقد قصَّ الله عز وجل علينا قصته في كتابه الكريم، والكثير من التفاصيل عن حياته، فقد كان يوسف -عليه السلام- يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب -عليه السلام-، وقد أحس يعقوب -عليه السلام- بحسد إخوته له، فعندما قصَّ يوسف رؤياه على أبيه قائلًا: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4]، أجابه أبوه: { قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5].

وبلغ الحسد بإخوته أن قرروا التخلص منه؛ فاقترحوا أن يبعدوه عن أبيه في أرض بعيدة، فأخذوه بالحيلة ورموه في البئر، فحزن عليه والده وبكاه حتى فقد بصره، ثم مرَّت قافلة تسير إلى مصر بالبئر، ووجدوا يوسف -عليه السلام- وأخذوه معهم، ولما ذهبت به القافلة إلى مصر وباعوه بها؛ اشتراه عزيز مصر، وطلب من زوجته أن ترعاه، وحين صار شابًّا راودته عن نفسه، ولم يستجب يوسف لها؛ فأمرت بسجنه لكنه صبر واستعان بالله على التثبيت على الحق، وقُدّر ليوسف أن يسجن، ويدخل معه السجن رجال عرفوا عنه قدرته على تفسير الأحلام والرؤى؛ فرأى الملك حلمًا ولم يستطع من حوله تفسيره، فذكروا له يوسف، ففسر الحلم ونال إعجاب الملك وحقق في أمر تهمته، وظهر الحق ببراءة يوسف، ومكّنه وقرّبه، وأصبح صاحب شأن عظيم.


جاء إخوة يوسف لمصر بهدف التجارة، وعرفهم ولم يعرفوه، واشترط عليهم أن يحضروا أخاهم الصغير ليعطيهم مطلبهم، وقام بوضع صواع الملك في رحالهم، وقال أن الأخ الأصغر قد سرق، ويشترط عليه البقاء عند يوسف، فعاد الإخوة لأبيهم يخبرونه بما جرى، فحزن الأب وتذكر يوسف -عليه السلام-، ثم عاد الإخوة إلى يوسف يطلبون أخاهم، فعرفوا من ردّه أنه يوسف؛ فعفا عنهم، وطلب منهم المجيء بوالديه، وجاء والداه إلى مصر فأكرمهما وعظَّمهما، وكان دعاؤه بعد ذلك المُلك والسلطان والعز وأن يتوفاه الله على الإسلام، وأن يلحقه بآبائه الأنبياء الكرام -عليهم السلام- في جنات عدن[٤].


العِبَر المستفادة من سورة يوسف

لسورة يوسف كثير من المميزات وفيها من العبر والدروس الكثير ومنها ما يلي:

  • الشكوى تكون لله وحده: فالشكوى لله وحده دليل التوكل على الله والإيمان الصادق بوحدانيته وقدرته، والإقرار بالحاجة لله وحده والاستغناء عن الناس، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:" الشَّكْوَى إِنَّمَا تَكُونُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف: 86][٥].
  • تجنب اليأس أو القنوط من رحمة الله: قال الله تعالى في سورة يوسف: {إنَّه لا ييأس مِن روح الله إلا القومُ الكافِرون} [يوسف: 87]، وقد دلَّت هذه الآيةُ الكريمةُ على أنَّ القنوطَ واليأسَ مِن رحمة الله مِن صفات القوم الكافرين، وقد يكون كفرًا يخرج مِن مِلَّة الإسلام، وقد يكون كبيرةً من الكبائر[٦].
  • جواز الاستعانة بالبشر بعد التوكل على الله: فقد طلب النبي يوسف -عليه السلام- من صاحبه في السجن أن يذكره عند الملك، وقد شهد الله ليوسف أنه من عباده المخلصين والمخلص لا يكون مخلصًا مع توكله على غير الله، كما وصفه الله تعالى في قوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]؛ فقد توكل على الله أولًا، ثم قال: {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } [يوسف:42]؛ إذ ليس في قوله ما يناقض التوكل، وكذلك حين طلب تنصيبه في قوله: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55][٧].
  • اللجوء إلى الله تعالى: إذ يتوجب على من ابتلي ببلاءٍ اللجوء إلى الله حتى يفرّج الله عنه؛ فقد ابتُلي يعقوب -عليه السلام- بفقد أحب أولاده إليه؛ فلجأ إلى الله وقال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون} [يوسف: 86]؛ فأحسن الله عاقبته كما جاء في السورة[٨].
  • الله وحده هو مغيّر الأحوال: فعلى المسلم أن يؤمن بأن الله قادر على تغيير الحال؛ إذ قال السعدي في تفسيره: "من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة، أنها أحسن القصص وأوضحها وأبينها، لما فيها من أنواع التنقلات من حال لآخر، ومن محنة لأخرى، ومن محنة إلى منحة ومنَّة ومن ذلّ إلى عزّ، ومن رِقٍّ إلى مُلك، ومن فُرقة وشتات إلى اجتماعٍ وائتلاف، ومن حزن لسرور، ومن رخاء لجدب ومن جدب لرخاء، ومن ضيق لسعة، ومن إنكار لإقرار، فتبارك من قصّها فأحسنها، ووضّحها وبيَّنها"[٩].
  • تأكيد رسالة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم: وتأكيد معجزة القرآن الكريم، مع ضرورة أخذ العبرة من قصص الرسل عليهم صلوات الله[١].
  • معرفة أن الرؤيا الحسنة التي يراها المسلم حق: فالمسلم يؤمن أن الرؤيا من عند الله وفيها إخبار بأمر ما[١].
  • قدرة الله نافذة على عباده: فلا يمنع إرادة الله شيء، وكل الأمور لا تخرج عن إرادة الله تعالى[١].
  • الحكم لله وحده: ولا حكم يفوق حكمه في الأمور كلها صغيرها وكبيرها[١].
  • وجوب التحلي بالكرامة والإباء: لأن تلك الصفات تمنح صاحبها النجاح الحقيقيّ لا الرّياء والتقرّب والانحناء للآخرين[١].
  • الاتعاظ بآيات الله: فمن الناس من لا يرى في الآيات الكونيّة التي خلقها الله بعين الاعتبار والاتعاظ، بل يمرون عليها وهم عنها غافلون، وغير مكترثين بما فيها من عِبر[١].
  • الإخلاص لله قولًا وفعلًا: وذلك بالإيمان الصادق في القلب، وتصديق ذلك بالسلوك، فلا يكون في القلب غاية إلا رضا الله وحده، وأن يسيطر هذا على تصرف العبد وسلوكه[١].
  • جزاء الدعوة إلى الله النصر بعد المعاناة: إذ يصاحب الدعوة إلى الله الكثير من المصاعب التي يبذل فيها الداعي كل ما يملك من طاقة، ويجزيه الله بصبره النصر والتأييد من عنده رغم ضعفه ويأسه من أسباب النصر[١].
  • رحمة الله تحلُّ بأهل الفضل: فالله برحمته يخص أهل الفضل ويمنحهم الطمأنينة والراحة[١].
  • العاقبة للمتقين: كما جاء في السورة، فقد كانت العاقبة خيرًا للذين اتقوا الله[١].
  • الله هو الحافظ: فلا يستطيع الإنسان أن يحمي من يحب، لكنه يستطيع أن يدعو الله أن يحميه ويحفظه، وأن يردّ عنه السوء والمكائد[٢].
  • ظهور الحق ولو بعد حين: فمهما حاول المجرم إخفاء جريمته سيكشف الله زوره وبهتانه، ويظهر الحق[٢].
  • تجنب عقوق الوالدين: لأن عقوق الأبناء للآباء فيه من الأذى ما لا يستطيع الآباء نسيانه بسهولة، فعندما طلب أبناء يعقوب -عليه السلام- منه أن يستغفر لهم قال: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [يوسف:98 ] وتأجيله الاستغفار ربما يكون حتى يصفح عنهم الصفح التام، أو حتى يزول ما في صدره نتيجة تصرفاتهم السيئة[٢].
  • الذنب ينغّص على فاعله حياته: فإخوة يوسف -عليه السلام- قالوا: {سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} [يوسف: 61]؛ لأنهم لم ينسوا ما فعلوه بيوسف -عليه السلام- من قبل، وكانوا على نية التفريط بأخيهم مرة أخرى[٢].
  • الفراق واللقاء يؤثران على الإنسان: فللفراق لوعة تمرض الجسد وتتعبه، وللّقاء فرحة تعيد للجسد قوّته وحيويته[٢].
  • العدل بين الأبناء: فهو واجب شرعيّ؛ إذ يجب إخفاء العاطفة في القلب إن زادت لولد دون آخر منعًا لحدوث الكراهية بينهم، وما حدث بين يوسف وإخوته دليل كبير على ذلك[٢].
  • الصراع بين الحق والباطل قائم: فقد بدأ هذا الصراع منذ أن خلق الله الدنيا وما عليها، ولن ينتهي إلا بانتهائها، وهذه سنّة الله تعالى في خلقه[٢].

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز فريق إسلام ويب (19-10-2011)، "مقاصد سورة يوسف عليه السلام"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د محمد عبدالرحمن صادق (18-5-2017)، "علمني نبي الله يوسف عليه السلام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  3. فريق إسلام ويب، "أسباب النزول"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  4. فريق الإسلام سؤال وجواب (17-12-2017)، "التعليق على قصة يوسف عليه السلام في القرآن"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  5. فريق الإسلام سؤال وجواب (6-7-2015)، "كيف تكون الشكوى إلى الله تعالى وحده ؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  6. فريق الإسلام سؤال وجواب. (12-1-2012)، "هل يعد القنوط من رحمة الله كفرا"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  7. فريق إسلام ويب (30-9-2004)، "الاستعانة بالحي فيما يقدر عليه مشروعة"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  8. فريق إسلام ويب (22-5-2002)، "ست وصفات لعلاج القلق النفسي"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.
  9. فريق إسلام ويب (28-5-2012)، "هل قراءة سورة يوسف ينتفع بها المهموم والحزين"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :