محتويات
سورة مريم
القرآن الكريم من أعظم الكتب، وهو الكتاب المحفوظ الذي أحُكِمت آياتهُ وهو خالٍ من التبديل والتحريف، وقد أنزله الله تعالى على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وذكر فيه الآيات التي تُنظم شؤون الأمة، وإنّ قراءة المسلم له عبادة، ومن الواجب المواظبة على قراءة آياته بتمعن وتفكر، وحفظ المستطاع منه لنيل فضل القراءة والأجر الكبير والخير في الدنيا والآخرة، ويعد هَجره معصية وإثمًا كبيرًا، وقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليكون إعجازًا ودليلًا على نبوته وصدق دعوته إلى الله سبحانه وتعالى، إذ استمر نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من بداية البعثة إلى وفاته، فالبعض من آيات القرآن الكريم نزلت في مكة المكرمة لذلك سميت بالسور المكيّة، بينما نزلت بقية السور في المدينة المنورة[١].
فوائد قراءة سورة مريم
جعل الله سبحانه وتعالى لكل سورة قرآنية سبب نزول وفضلًا خاصًّا لقراءتها ومن هذه السّور سورة مريم، وهي من السور المكية، وهي التاسعة عشر في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي السورة الرابعة والأربعون في ترتيب النزول، وقد نزلت سورة مريم قبل سورة طه وبعد سورة فاطر في السنة الرابعة من البعثة، وعدد آياتها تسعٌ وسبعون آية، وسُميت في كتب السنة وكتب التفسير بسورة مريم وذلك بسبب ذِكرها قصة مريم عليها السلام[١].
ومن فضائل سورة مريم ما قصه الإمام أحمد من حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة هجرتهم إلى الحبشة والنجاشي، وفيه أنه دعا أساقفته فنشروا ووزعوا مصاحفهم حوله، وقالوا لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه هل معك مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ، فَقَرَأَ عليْه صَدْرًا من (كهيعص) قالتْ: فَبَكَى واللهِ النَّجَاشِيُّ حتى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وبَكَتْ أساقفته حينَ سَمِعوا ما تُليَ عليهم. ثُمَّ قال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا واللهِ والَّذِي جَاءَ بِهِ موسى لَيَخْرُجُ من مِشْكَاةٍ واحِدَةٍ. [ الراوي مسلم|خلاصة حكم المحدث:صحيح][١].
موضوعات سورة مريم
اشتملت سورة مريم على ثلاثة مقاصد رئيسية، وهي: إثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى، وإثبات البعث، وإثبات يوم القيامة، واشتملت إضافةً إلى هذه المقاصد الرئيسية، على الموضوعات الآتية[١]:
- حديث النبي زكريا ليحيى عليهما السلام بأن يجتهد ويحرص على ما علّمه الله سبحانه وتعالى من الكتاب، وأمر كافة المسلمين بأن يحرصوا على أمور الدين والدنيا باجتهاد.
- ذكرت سورة مريم قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه وأبيه، وتجنبه الشرك بالله، وهبة الله تعالى له الذرية الصالحة.
- ذكرت سورة مريم ما حلَّ بالمكذبين من الأمم من العقاب والهلاك وأنواع العذاب.
- ذكرت سورة مريم إنذار الكفار بأنهم سيندمون على عبادة أصنامهم.
- أنهت سورة مريم آياتها بذكر مشهد مؤثر من هلاك القوم السابقين.
- ذكرت سورة مريم وعد الله عز وجل عباده المؤمنين بأنه سيُنمي في قلوبهم المودة.
- ذكرت سورة مريم الجنة وأحوال أهلها يوم القيامة وما يتمتعون به من نعيم.
- ذكرت سورة مريم قصة عيسى ومريم عليهما السلام، وأكدت قدرة الله عز وجل على الخلق دون سبب، إذ خلق عيسى عليه السلام دون أب، وأنطقه وهو ما يزال طفلًا رضيعًا وأكدت عذرية مريم وعفافها، وفي هذا كرامة لمريم عليها السلام بمعجزة حملها وبركة ولدها، إذ جاء الرد على هذه القصة ببيان قصة عيسى عليه السلام التي تعدد فيها الكلام واختلف أحزاب النصارى واليهود فيها.
- تكررت في سورة مريم ذكر صفة الرحمن ست عشرة مرة، وذكر اسم الرحمة أربع مرات، والعبرة من ذلك تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمن، والرد على الكفار الذين عاندوا وأنكروا هذا الوصف.
نشأة مريم عليها السلام
مريم عليها السلام من النساء الصالحات وهي مثال مضيء من النساء التقيات الراضيات والصابرات إذ ذكرها الله تعالى في كتابه ومدحها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخصال الحميدة والطيبة في سنته الطاهرة، لذا أثنى عليها المسلمون ومنحوا لها المنزلة التي أنزلها الله تعالى إياها دون زيادة أو نقصان، أما أهل البهتان والضلال فقد ابتعدوا عن المنهج القويم فيها فالكفار المغضوب عليهم اتهموها بالفاحشة.
هذه المرأة الصالحة التي حاز المسلمون من حياتها الكثير من الدروس والعبر، كما تعلموا من مواقفها، واستفادوا من أحوالها، فقد أمر الله عز وجل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بذكر قصة مريم عليها السلام للناس فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا[مريم:16].
مريم عليها السلام بنت عمران من بني إسرائيل من أسرة تقية معروفة بالصلاح، إذ جعلها الله تعالى من أفضل أهل زمانها بالهداية والتقوى، وكان من خبر أمها العابدة التقية عندما كانت حاملًا بها أن نذرت حملها خادمًا لبيت المقدس بعد أن تنجبه ويكبر، ولكنها تفاجأت عند ولادتها بأن ما وضعته أنثى فلا تستطيع خدمة بيت المقدس فأطلقت عليها اسم مريم ودعت لها بأن يحميها الله من هي وذريتها من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"[آل عمران:33-36].
وقد رباها زكريا عليه السلام تربية صالحة ورعاها رعاية كاملة وأنشأها في محراب عبادته فكانت تجلب خيرات من الله تعالى من الطعام في غير فصله، إذ وهبها الله تعالى فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فتقبل الله تعالى دعوة أم مريم فحصّن الله سبحانه وتعالى مريم وابنها عيسى عليه السلام من شر الشيطان، وهداها هداية تامة في قوله تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)"[آل عمران:37].[٢]
لطائف وعبر من سورة مريم
وردت العديد من اللطائف والعبر في سورة مريم، نذكر منها[٣]:
- كسب الثواب والغنيمة على قدر الجهد والمشقة، فقد بينت الآيات ذلك في عدة مواضيع منها الذرية الصالحة التي أعطاها الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد وقت طويل عندما هاجر في سبيل الله.
- عندما نطلب من الله عز وجل شيئًا لا نفكر في كيفية وهب الله لنا، إذ يجب أن لا نفكر في العقبات التي ستحصل أو الموانع بل يجب أن نحسن الظن بالله لأنه قادر على كل شيء.
- إذا علم العبد خيرًا فعمل به، هداه الله تعالى إلى المزيد من العلم، ووفقه للعمل به.
المراجع
- ^ أ ب ت ث "مقاصد سورة مريم"، islamweb، 24-3-2013، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019. بتصرّف.
- ↑ عبدالله بن عبده نعمان العواضي (6-7-2017)، "قصة مريم في القرآن"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "لطائف وعبر من سورة مريم"، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019. بتصرّف.