حق الجار في الإسلام
لقد اعتنت الشريعة الإسلامية بكافة الجوانب المُنظمة لحياة البشر، فقد وضعت نظامًا دقيقًا في المعاملات بين أطياف المجتمع وأفراده، بما يضمن التكافل الاجتماعي، والترابط الحثيث بين المجتمع الإسلامي، كما أن الله تعالى وضع لنا حقوقًا نتعامل على أساسها؛ فللمسلم حق على أخيه المسلم، ولعل من بين أهم تلك الحقوق حق الجار على جاره، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} [النساء: 36]؛ لذا فإن حق الجار من الواجبات الإسلامية التي يجب على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ مراعاتها، وبذل ما بالوسع لأدائها بالنصح والإرشاد إلى طريق الخير، وحفظ الجار وممتلكاته، وإعانته على الخير، والوقوف إلى جانبه بالمصائب والشدائد، كما شدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حق الجار في الكثير من الأحاديث الشريفة التي هي محور حديثنا في هذا المقال[١].
حديث عن حق الجار
ورد في السنة النبوية المطهّرة الكثير من الأحاديث التي توصي بالجار؛ فلم يقف الأمر عند كف الأذى عن الجار، أو الوقوف بجانبه في الشدائد فحسب؛ بل تعدى الأمر ذلك حتى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى بعض أصحابه بزيادة قدر الطعام حتى يطعم الجار جاره، وإن دل هذا فإنما يدل على عظيم حق الجار، وفيما يأتي بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد ذلك[٢][٣]:
- عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو، أنَّهُ ذبحَ شاةً فقالَ: (أَهْدَيتُمْ لجاري اليَهوديِّ، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ يقولُ: ما زَالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ، حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيُورِّثُهُ) [الصحيح المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- روى أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- فقال: (إنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَوْصَانِي: إذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فأكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِن جِيرَانِكَ، فأصِبْهُمْ منها بمَعروفٍ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (واللهِ لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ قيل: من يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُه ؟ قال: شرُّه) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا نِساءَ المُسْلِماتِ! يا نِساءَ المُسْلِماتِ! لا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِها ولَوْ فِرسِنَ شَاةٍ) [صحيح الأدب المفرد| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُ الأصحابِ عندَ اللهِ تعالى خيرُهُم لصاحِبِهِ، وخيرُ الجيرانِ عندَ اللهِ تعالى خيرُهُم لجارِهِ) [تخريج رياض الصالحين| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فليُكرِمْ جارَه، مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، فليَقُلْ خيْرًا، أو لِيَصْمُتْ، مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فليُكرِمْ ضَيفَهُ، جائِزَتُهُ يومٌ وليلةٌ، الضِّيافَةُ ثلاثةُ أيَّامٍ، فما كانَ بعدَ ذلكَ فهو صَدقَةٌ، لا يَحِلُّ له أن يَثوِيَ عندَهُ حتَّى يُحْرِجَهُ) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما تقولونَ في الزِّنا؟ قالوا: حرَّمَهُ اللَّهُ ورسولُهُ، فَهوَ حرامٌ إلى يومِ القيامةِ، قالَ: فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ- لأصحابِهِ: لأن يزنيَ الرَّجلُ بعَشرِ نسوةٍ، أيسَرُ علَيهِ من أن يزنيَ بامرأةِ جارِهِ، قالَ: فقالَ: ما تَقولونَ في السَّرقةِ؟ قالوا: حرَّمَهَ اللَّهُ ورسولُهُ فَهيَ حرامٌ، قالَ: لأن يسرقَ الرَّجلُ من عشرةِ أبياتٍ، أيسَرُ علَيهِ مِن أن يَسرقَ من جارِه) [الصحيح المسند| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- روى الحسن البصري أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: المُؤْمِنُ مَنْ أمِنَهُ النَّاسُ.. فذَكَرَ مِثْلَه؛ أي حديثَ: المؤمِنُ مَن أَمِنَه النَّاسُ، والمُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه، والمهاجِرُ مَن هَجَر السُّوءَ، والذي نفسي بيَدِه لا يدخُلُ الجنَّةَ عبدٌ لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح]
- روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: (قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
مما سبق من أحاديث نبوية شريفة يتضح لكل مسلمٍ ومسلمةٍ أن للجار حقًا عظيمًا يجب أن يصان ولا يُخان، وقد كانت هذه الخصلة الشريفة من أخلاق العرب قبل الإسلام؛ فقد افتخر شعراؤهم بأداء حق الجار وحمايته؛ لذا فالواجب أن يكون للمجتمع الإسلامي أفضليته في حماية حقوق الجار، ونبذ الفرقة والعداوة المنتشرة في زمننا هذا.
الزنا بحليلة الجار
إن من أكثر الذنوب حُرمةً عند الله تعالى ذنب الزنا؛ فهو من أخبث الذنوب وأرذلها، أما إذا كان الزنا بحليلة الجار فهو أشد وأعظم تحريمًا؛ إذ إن ترتيبه يأتي بعد الشرك بالله تعالى، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود: (قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أيُّ الذَّنبِ أعظَمُ قالَ: أن تجعَلَ للَّهِ ندًّا وَهوَ خلقَكَ قالَ: قلتُ: ثمَّ ماذا؟ قالَ: أن تقتُلَ ولدَكَ خشيةَ أن يطعمَ معَكَ، قالَ: قلتُ: ثمَّ ماذا؟ قالَ: أن تزنيَ بحليلةِ جارِكَ) [صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي تفسير هذا الحديث يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الكافي: (فالزنا بالمرْأة التي لها زوْج أعظم إثمًا وعقوبة من الَّتي لا زوْج لها؛ إذ فيه انتِهاك حرمة الزَّوج، وإفساد فراشِه، وتعليق نسبٍ عليْه لَم يكن منْه، وغير ذلك من أنْواع أذاه، فهو أعظم إثْمًا وجرمًا من الزنا بغيْر ذات البعْل، فإن كان زوْجُها جارًا له، انضاف إلى ذلك سوءُ الجوار، وإيذاء جارِه بأعلى أنواع الأَذى، وذلك من أعْظم البوائق)، وقد ثبتَ عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: لا يدخُل الجنَّة مَن لا يأمن جارُه بوائقَه؛ [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فلا بائقة أعظم من الزنا بامرأتِه، فالزنا بِمائة امرأةٍ لا زوْج لها أيْسر عند الله من الزنا بامرأة الجار؛ ولهذا فإن واجب المسلم أن يراعي حرمة جاره، وأن ينأى بنفسه عن هذا الذنب العظيم، والذي ابتُليت به الكثير من الأسر في يومنا هذا[٤].
المراجع
- ↑ "حقوق الجار في الشريعة الإسلامية"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "حق الجار... حسن الجوار.. سمت الأبرار"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تذكير الفار من حقوق الجار"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الزنا بحليلة الجار"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.