الكذب
يُعرف الكذب على أنه الإخبار بالأشياء خلاف ما هي عليه في الحقيقة، ولعل الكذب من أكثر الخصال السيئة التي قد يمتلكها الإنسان، فهو رأس الخطايا وبداية الذنوب، ومن الطرق التي تودي بصاحبها إلى التهلكة، ولم يقتصر الكذب على أنّه من الطباع المنافية للشريعة الإسلامية فحسب، بل إنه من الطبائع المنافية للفطرة الإنسانية، فجميع الحكماء بمختلف دياناتهم يُجمعون على أن الكذب من الأمور المنبوذة، وذلك لما له من مضارّ جسيمة، وعواقب وخيمة، ليس على صاحبه فقط، بل إن الأذى المتحصل من الكذب يسبب الكثير من الضرر للآخرين، والمجتمعات بأكملها، علاوةً على ذلك فإن خصلة الكذب تجعل من صاحبها شخصًا منبوذًا، ومنافقًا خالصًا، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما أنه جماع كلّ شرّ، وقد ذُكر أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لبعض عمّاله وولاته: (إياك أن تستعين بكذوب؛ فإنك إن تطع الكذوب تهلك)، ولأن الكذب من أشدّ الأمور ضررًا على الفرد والمجتمع، فقد حذّر منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، والتي سنذكر بعضها في هذا المقال.[١][٢]
حديث نبوي عن الكذب
لم يدخر رسول الله صلى الله عليه وسلّم جهدًا في تربية أصحابه والأمة الإسلامية على الأخلاق الحميدة، إذ حثّ على التخلّق بالصدق، ونبذ الكذب واجتنابه، فالصدق لا يكون موجودًا إلا إذا تطهّر القلب واللسان من الكذب، لذا فالصدق والكذب لا يمكن أن يجتمعا في قلب مسلمٍ أبدًا، ولذلك فقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وعدّه من الطبائع التي تودي بصاحبها إلى غضب الله تعالى، وقد وردت الكثير من الأحاديث التي تتحدث عن الكذب وعاقبة أمره، وفيما يأتي بعض تلك الأحاديث:[٣]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصِّدْقَ يَهدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنةِ، وإنَّ الرجُلَ لَيْصْدُقُ، حتى يُكتَبَ عند اللهِ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهدِي إلى النارِ، وإنَّ الرجُلَ لَيكذِبُ حتى يُكتَبَ عند اللهِ كَذَّابًا) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (ما كان خُلُقٌ أَبْغَضَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من الكَذِبِ، ولقد كان الرجلُ يُحَدِّثُ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالكِذْبَةِ، فما يَزَالُ في نفسِهِ، حتى يَعْلَمَ أنه قد أَحْدَثَ منها توبةً) [سنن الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- روى عبدالله بن عامر بن ربيعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟ قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- روت أسماء بنت يزيد أم سلمة الأنصارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (أتيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: بِطعامٍ، فعَرضَ علَينا، فقُلنا لا نَشتَهيهِ فقالَ: لا تجمَعنَ جوعًا وَكَذِبًا) [صحيح ابن ماجه| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيَكذِبُ ليُضحِكَ بِه القومَ، ويلٌ لَه، ويلٌ لَهُ) [الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
إن المتمعّن بالأحاديث السابقة يتضح له من خلالها أن الكذب من الذنوب العظيمة، والتي تؤدي بصاحبها إلى ما لا تحمد عقباه، كما أن فيها تبيانًا لبعض الآداب التي يجب على الوالدين تربية أولادهما عليها، فالكذب على الأطفال الصغار ومناداتهم لإعطاهم شيئًا كذبًا يُعد من الأمور الخطيرة فهي تُنشئ الأطفال على الكذب من صغرهم، كما في حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة، إضافةً لذلك فإن الكذب محرّمٌ حتى في المزاح، ونستذكر في هذا المقام ما يُروّج له من كذبة نيسان، وأن الكثيرين ينعتونها بالكذبة البيضاء، بالرغم من أن الحوادث التي تقع جراء هذه الكذبة لا تتفق مع بياضها، لذا فالواجب بالمسلم أن يتحرى الصدق في حديثه وفعله، وأن يبتعد عن الكذب وما يتصل به من أمور.
عقوبة الكذب
توجد الكثير من العواقب الوخيمة للكذب، وفيما يأتي بعضها:[٤]
- يتسبب الكذب بانعدام الراحة والطمأنينة لصاحبه، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك، فإنَّ الصدقَ طمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبةٌ) [سنن الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح].
- يسبب الكذب الكثير من أمراض القلوب، إذ يفقد الكاذب على إثرها السكينة والطمأنينة في قلبه، ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [البقرة: 8-10].
- يتسبب الكذب لصاحبة بقلّة الرزق، وانعدام بركته، إذ يقول عليه السلام: (البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- يتسبب الكذب ببعد الملائكة عن صاحبه، إذ ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كَذَبَ العبدُ كذِبَةً تباعدَ عنهُ الملَكُ ميلًا، منْ نَتَنِ ما جاءَ بِهِ) [الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- يتسبب الكذب بالبغض لصاحبه، فيبتعد عنه الناس على إثر ذلك، فلا يكون له بين الناس هيبة ولا حظوة، علاوةً على أنه يكون منبوذًا فلا يحب مجالسته أحد.
- يتسبب الكذب بحرمان صاحبه من هداية الله تعالى، إذ يقول في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
- يتسبب الكذب بطرد صاحبه من رحمة الله عز وجل، إذ يقول تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].
المراجع
- ↑ "شهر الكذب"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "هل الكذب أشد من الزنا ؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أحاديث عن الصدق والكذب"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "عقوبة الكذب في الدنيا"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.