محتويات
صحة حديث إذا أحب الله عبدًا ابتلاه
صيغة حديث إذا أحب الله عبدًا ابتلاه قد ورَدَت في حديث: (إذا أحب الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرُّعه)، وهو حديث ضعيف[١]، وهذا ما رواه البيهقي في كتابه شعب الإيمان، والديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة، كما وردت رواية أخرى إلا أنّها ضعيفة أيضًا: (وإذا أحبه الحب البالغ اقتناه لا يترك له مالًا ولا ولدًا)[٢]، أما الألباني فقد وضع الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة على أنَّه ضعيف جدًّا، فهذا الحديث صحيح دون قول: ليسمع تضرُّعه، وهو الحديث الصحيح الذي ورد في رواية الترمذي[٣].
وتجدُر الإشارة إلى أنّ معنى هذا الحديث قد وَرَدَ في حديثٍ آخر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، إذ رَوَى الترمذي وغيره قول الرسول صلى الله عليه وسلَّم: (إذا أحب الله قومًا ابتلاهم)[٤].
دليل حب الله تعالى لمن يبتليه
توجد مجموعة من الأدلَّة الواضحة على حب الله تعالى لمن يبتليه، وتتمثَّل في قصص الأنبياء عليهم السلام، ومنها ما يأتي[٥]:
- سيدنا إبراهيم الخليل هو أب المسلمين، وقال الله تعالى فيه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[٦]، وقد رُزق عليه السلام بابنيه إسماعيل وإسحاق وهو في سنٍّ كبير، وكان بلاء الله تعالى له في عاطفة الأبوة لديه، فصار مثلًا يحتذي به الآباء لطاعة الله في أبنائهم، باعتبارهم فتنة من فتن الحياة الدنيا وابتلاءاتها كما أخبرنا بذلك سبحانه، وكان ذلك عندما أمره الله بأن يذبح ابنه إسماعيل، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[٧].
- خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم والذي أنزل فيه الله تعالى قوله: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[٨]، فقد تحمَّل عليه الصلاة والسلام كلَّ أنواع الابتلاءات التي يمكن أن تحدث لإنسان في الحياة، والتي تعرَّض لها جميع الرسل ومن هذه الابتلاءات الصبر على الظلم والتجويع والعذاب والأذى والإهانات المتتالية والاستهزاء والردود القبيحة عليه، وإنَّ كل ما تعرَّض له النبي تعرَّض له أيضًا أتباعه وأقاربه، كما صبر النبي عليه الصلاة والسلام في مواطن القتال، ومن أبرز المواقف في الحرب موقفه يوم غزوة أحد ويوم الخندق، كما ابتلي النبي صلى الله عليه وسلَّم بموت أولاده وأقاربه وأصحابه فصبر، كما أنَّه ولد يتيمًا وتوفيت أمه وهو في عمر السادسة، وأيضًا ابتلي الرسول صلى الله عليه وسلَّم بالفقر والمرض والجوع فصبر، وابتلاه الله بسائر ملذات الحياة فالتزم بالسلوك الخُلقي القويم، وهو نموذجٌ يٌقتدى به فى كلِّ موقفٍ من مواقف الابتلاء.
لماذا يبتلي الله عباده بالمحن؟
يبتلي الله سبحانه وتعالى عباده بالمحن لعدَّة أمور، وهي كما يأتي[٩]:
- التكفير عن الذنوب والمعاصي ومحو السيئات، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلَّم: (ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه)[١٠].
- الرفع من درجات العبد والزيادة في حسناته، وهذا كما حدث في ابتلاء الله للرسل، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)[١١].
- المعاقبة بالبلاء على بعض الذنوب، فقال الرسول صلى الله عليه و سلَّم: (إنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يردُّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر)[١٢].
- اختبار المؤمنين، والتمييز بينهم وبين المنافقين، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[١٣]، إذ يبتلي الله تعالى العباد ليتميَّز الصادق عن غيره، وليُعرف الصابر على البلاء من غير الصابر.
كيف يعرف الإنسان أنّ ما أصابه ابتلاء أم عقوبة؟
إنَّ للمصائب والابتلاءات في القرآن والسنة سببين اثنين، وهذين السببين إلى جانب حكمة الله تعالى في قضائه وقدره، وهما كما يأتي[١٤]:
- الآثام والذنوب التي يرتكبها العبد، سواءً كانت كفرًا أو كبيرة من الكبائر أو معصية مجرَّدة، فإنَّه سبحانه يبتلي صاحبها لتكون عقوبة عاجلة له، يقول الله عز وجل:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[١٥].
- رفع درجة العبد، فيبتليه الله عز وجل بالمصيبة حتى يصبر وينال أجر الصابرين في يوم القيامة، ويٌكتب من الفائزين عند الله، وإنَّ البلاء مرافق لحياة الأنبياء والصالحين دائمًا، فقد جعله سبحانه وتعالى بمثابة جائزة لهم ليحصلوا على الدرجة العليا في الجنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ)[١٦].
ما هي علامات حب الله تعالى للعبد؟
يمكن ذكر مجموعة من العلامات التي تدلُّ على حبِّ الله تعالى لعبده على النحو الآتي[١٧]:
- محبة الناس له وقبوله في الأرض، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)[١٨].
- ما قاله الله تعالى في الحديث القدسي من الفضائل العديدة التي يحظى بها أحبابه، إذ قَال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ الله قَال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بِالحرب وما تقرَّب إِليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتَّى أحبَّهُ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإِن سألني لأعطينّهُ ولئن استعاذني لأعيذنَّه وما تردَّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)[١٩].
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في ضعيف الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:295، ضعيف.
- ↑ رواه الذهبي، في ترتيب الموضوعات، عن أبو عنبة الخولاني، الصفحة أو الرقم:291، فيه يمان بن عدي _ نسبه أحمد إلى وضع الحديث.
- ↑ "رتبة حديث: إذا أحب الله قوما ابتلاهم."، إسلام ويب، 30/1/2011، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:285، صحيح.
- ↑ "ابتلاءات بعض الأنبياء و الرسل .. في القرآن الكريم رابط المادة"، طريق الإسلام، 1/2/2017، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:78
- ↑ سورة الصافات، آية:102-107
- ↑ سورة النحل، آية:89
- ↑ "لماذا يبتلي الله العباد"، إسلام ويب ، 19/7/2005، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:5641، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان ، في المقاصد الحسنة ، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:83، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم:1969 ، صحيح.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:2-3
- ↑ "كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته ؟"، الإسلام سؤال وجواب، 29/3/2008، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:79
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن اللجلاج بن حكيم السلمي والد خالد، الصفحة أو الرقم:3090 ، صحيح.
- ↑ "ما هي علامات حب الله للعبد ؟"، الإسلام سؤال وجواب، 14/6/2003، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:3209، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6502 ، صحيح.