الرضا
الرضا عن الله تعالى من العبادات القلبيّة التي ترفع إيمان المسلم، وهو من تعظيم الله تعالى وتقواه، فالمسلم الذي يعرف الله تعالى حق المعرفة يعلم أنّ في كل قضاء قضاه الله تعالى خيرًا له في دنياه وآخرته، والرضا عن الله تعالى يكون بأمرين: الأول هو الرضا بالقدر خيره وشره، فيعلم المسلم أنّ ما أصابه ما كان ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما أنه يصبر إذا فقد أحد أحبابه ويعلم أن اللقاء سيكون في الآخرة عندما يجتمع الخلق عند الله تعالى، والأمر الآخر هو الرضا بشرع الله تعالى وحكمته، فلا يعترض على حكم من أحكام الله تعالى، ولا على سنة من سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل يُسلم أمره لله تعالى ويتبع ما أُنزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإذا وصل المؤمن إلى هذه الدرجة الرفيعة والسامية نال رضا الله تعالى عنه، ومن رضي الله تعالى عنه فاز في دنياه وآخرته، وقد وردت عدّة أحاديث قدسية تُبين فضل الرضا بالقضاء والقدر وفيما يأتي من المقال بعض هذه الأحاديث[١].
أحاديث قدسية عن الرضا
الحديث القدسي: هو حديث لفظه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعناه من الله تعالى، أوحى له به في منام أو ألهمه إياه في قلبه[٢]، وقد وردت عدّة أحاديث قدسية صحيحة في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه الأحاديث:
- عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: (فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: إنِّي إذا ابتليتُ عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني على ما ابْتَلَيْتُه، فإنه يقومُ من مَضجعِه ذلك كيوم ولدتْهُ أمُّه من الخطايا، ويقولُ الربُّ عزَّ وجلَّ: أنا قيَّدتُ عبدي، وابتليتُه، فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيحٌ) [جامع المسانيد والسنن| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي هذا الحديث بيان للأجر العظيم الذي يناله العبد المؤمن إذا رضي بقضاء الله تعالى وقدره وصبر على ما ابتلاه الله تعالى به، فيكفر الله تعالى عنه الخطايا، بل يكتب له أجر الأعمال الصالحة التي كان يُؤديها قبل مرضه[٣].
- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ) [صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث : حسن]، وفي هذا الحديث ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصيبةً عظيمةً قد يتعرض لها المسلم، فإذا قابلها بالرضا بقضاء الله تعالى وقدره، كان له أجر عظيم من الله، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157][٤].
مما قيل في الرضا
تكون الهداية عندما يستقر الإيمان في قلب العبد، ويعرف الله تعالى حق المعرفة، ويقدره حق قدره، فيلقي الله تعالى نورًا في قلب العبد يميز فيه الحق من الباطل، ويسعى إلى تحقيق رضا الله تعالى، وتوجد عّدة أقوال وردت على لسان الصالحين من هذه الأمة، ومن خير الناس بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهم الصحابة والتابعين، وقد كانوا أئمةً في طريق الخير والصلاح والهداية، ومما قالوه في الرضا[٥]:
- يقول علقمة عن قول الله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، هذا إذا أصابت المسلم المصيبة، فآمن أنها من عند الله تعالى، فسلم أمره لربه ورضي بقضائه.
- روي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- رأى رجلًا مبتلى يسمى عدي، فقال له: "يا عدي إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه فكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه فحبط عمله"، فأمر الله تعالى سيمضي على العبد وهو بين أمرين: إما صابر يحمد الله تعالى فينال الأجر، وإما ساخط فيغضب الله تعالى وينال الوزر.
- روي عن رضا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه بقضاء الله وقدره، أنه قال: "ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره".
- كان ابن عمر يقول في الاستخارة: "إن الرجل ليستخير الله فيختار له، فيتسخّط على ربه، ولا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خِير له".
- رُوي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه عدّ الرضا من ذروة الإيمان، فقال: "ذروة الإيمان أربع: الصبر للحُكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل".
- رُوي أن مالك بن دينار ومحمد بن واسع جلسا يتحدثان عن العيش، فقال مالك: "ما شيء أفضل من أن يكون للرجل غلّة - أي أرضٌ أو زراعة - يعيش فيها"، فقال محمد: "طوبى لمن وجد غداءً ولم يجد عشاءً، ووجد عشاءً ولم يجد غداءً، وهو عن الله عز و جل راض".
- قال سفيان في تفسير قول الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 35]، أنهم المطمئنون، الذين يرضون بقضاء الله تعالى، ويستسلمون له.
- رُوي عن الحسن بن علي -رضي الله عنه- أنه قال في الرضى: "من رضي من الله بالرزق اليسير؛ رضي الله منه بالعمل القليل".
- رُوي عن بشر بن بشار أنه طلب النصيحة من ثلاثة من الصالحين، فقالوا له: "ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك؛ فهو أحرى أن تُفرغ قلبك، ويقل همّك، وإياك أن تسخط ذلك فيحل بك السخط وأنت عنه في غفلة لا تشعر به"، وقال الثاني: "التمس رضوانه في ترك مناهيه فهو أوصل لك إلى الزلفى لديه"، وقال الثالث: "لا تبتغِ في أمرك تدبيرًا غير تدبيره؛ فتهلك فيمن هلك، وتضلّ فيمن ضلّ".
أحاديث قدسية لا تصح
ينتشر بين الناس حديث قدسي ينسبونه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو: (يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب، وَقسَمتُ لَكَ رِزقكَ فَلا تَتعَب، فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُودًا، وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا)، والصحيح أن هذا الحديث لم يرد في أي من كتب السنة، وبذلك فلا يجوز أن يُنسب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما ورد في بعض الكتب أن هذا الحديث نقله كعب الأحبار من الإسرائيليات الموجودة في التوراة، أما الحديث الصحيح الذي ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه فهو: (إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: يا ابنَ آدمَ تفرَّغْ لعبادتي أملأْ صدرَكَ غِنًى، وأسُدُّ فقرَكَ، وإلا تفعَلْ ملأتُ يدَيكَ شغلًا، ولم أسُدَّ فقرَكَ) [ الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٦].
المراجع
- ↑ "الرضا عن الله"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تعريف الحديث القدسي والنبوي"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "موسوعة فقه الابتلاء"، islamport، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أجر من توفي له ولد فصبر عليه"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "قالوا عن الرضا بالقضاء والقدر"، ar.islamway، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الحديث القدسي المشهور (خلقتك للعبادة فلا تلعب)"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.