حديث شريف سبعة يظلهم الله في ظله

حديث شريف سبعة يظلهم الله في ظله

أهوال يوم القيامة

إن الإيمان باليوم الآخر من الأركان الإيمانية التي يجب على المؤمن التصديق بها، ليكون بذلك صحيح الإيمان، قويم العقيدة، ويتبع ذلك ما يتعلق بيوم القيامة من أهوالٍ وأحداث عصيبة تمرّ بها البشرية جمعاء، وهذا ما جاء به القرآن الكريم، وذكره ربّ العزة في الكثير من الآيات الكريمة، التي تحدثت عن بعض أهوال هذا اليوم العظيم، بما في ذلك يوم الحشر، إذ يقول الله تعالى: { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [الواقعة: 49، 50]، إذ إن الله تعالى يجمع في هذا اليوم كلّ ما خُلق على الأرض، من بشرٍ، وجان، وحيوانات فيُعرضون على ربّهم لا يخفى منهم أحد، يقول تعالى { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [الأنعام: 38]، كما أن البشر يُحشرون في هذا اليوم حفاةً عراةً، رجالهم مع النساء لا ينظر أحدهم إلى الآخر من وطأة هذا الأمر، إذ تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت (يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، قالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشَةُ الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولكن في معمعة هذا الأمر، وشدة هذا الكرب، من المؤمنين رجالٌ ونساءٌ يُظلهم الله بظله يوم لا ظل إلى ظله، فلا يكابدون من هذا العناء شيئًا، وهذا ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما سنتحدث عنه في هذا المقال.[١][٢]


حديث شريف سبعة يظلهم الله في ظله

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأَ بعِبادَةِ اللهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ اجْتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ، فقالَ: إنِّي أخافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالِيًا، فَفاضَتْ عَيْناهُ. [وفي رواية]: ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ بالمَسْجِدِ، إذا خَرَجَ منه حتَّى يَعُودَ إلَيْهِ ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، في الحديث الشّريف يبين النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أمور يمكن لفاعلها أن ينال رضا الله، والحماية المطلقة منه سبحانه وتعالى، وفيما يأتي شرح الحديث:[٣]

  • الإمامُ العادِل: والإمامة تشمل القضاة والولاة والحكام وأصحاب القرار أينما كانوا، والعادل هو من يحكم بشرع الله وبإنصاف بعيدًا عن الإجحاف أو التّحيز أو المحاباة، فيجرد حكمه من أيّ مشاعر ويجعل أساسه أحكام الشريعة الإسلامية وإعطاء كل ذي حق حقه، ويُشار بأن تقديم الإمام العادل في هذا الحديث له دلالةٌ واضحةٌ على أنّ صلاح الرعية من صلاح حاكمها، وفسادها من فساده كذلك.
  • شابٌّ نَشَأَ بعِبادَةِ اللهِ: والمنشأ هي التربية منذ الصغر، وقد حدّد النبي مرحلة الشباب؛ لأنّ الرجل فيها يكون بكامل قوته وشهوته ويكون حب الحياة لديه في أعلى مستوياته وتكون الملهيات حوله كثيرة، وهذا الشاب تربّى منذ صغره على العبادة والطاعات حتى ألفها وأحبها وأصبحت من خلجات فؤاده، ولكن ينبغي العلم ألا عصمة إلا للأنبياء، إذ إن كل بني آدم خطاء وفي ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (كلُّ ابنِ آدمَ خطاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوابونَ) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: حسن ]، وهذا لا يُخالف نص الحديث، إذ إن المقصود أن يكون الشاب ملازمًا لطاعة الله وإن أخطأ.
  • رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ: التعلق هنا يعني الحب الخالص النابع من القلب، والخالي من أيّ رياء أو نفاق أو مصالح دنيويّة، فالرجل عندما يتعلّق قلبه بالمسجد يواظب على الصلاة فيه وينتظر موعدها بفارغ الصّبر دون أن يتملل أو يتكاسل، كما أنّ من تعلق قلبه بالمسجد التزم بأداء الصلوات في وقتها، وهذا دليل قوة الصلة بين الرجل وربه، ولذلك فقد كان له تلك المكانة العظيمة.
  • رَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ اجْتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه: والمقصود هنا أن الحب يجب أن يكون في سبيل رضا الله وليس لأي مصالح دنيوية أخرى، كما أنّ التفرق لا يكون أيضًا لخلاف أو نزاع بل يكون تحت مظلّة رضا الله وبكل حب ومودة، كما أن هذه الصفة تدعو كل واحدٍ منهما لعون الآخر على عبادة الله، واجتناب المعاصي والذنوب.
  • ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ، فقالَ: إنِّي أخافُ اللَّهَ: وضح النبي في الحديث الشريف أن مجاهدة النفس في هذه الحالة ستكون كبيرةً، فقد حدّد النبي أن المرأة ستكون ذات منصب، وجاه، ومال، وستكون هي المبادرة في مراودة الرجل عن نفسه، فهذه الصفات إن اجتمعت في امرأة فهي من النساء التي يرغبها عامة الرجال ويحبون الحصول عليها، ولكن الرجل الصالح ستمنعه خشيته من الله من قبول طلبها، بل وزجرها بقوله إني أخاف الله، فالمراد في هذا أن يذكرها بتقوى الله وخشيته، ولهذا استحق هذا الرجل تلك المنزلة العظيمة.
  • رَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ: كانت الصدقة في هذا الحديث مشروطةً بالسرية والابتعاد الكلي عن الرياء والنفاق أو التباهي، ولشدّة الحرص على هذا أورد الحبيب صورةً فنيةً وكأن اليد اليمنى تقدم الصدقة دون أن تعلم بها اليد اليسرى كنايةً عن السرية التّامة، وأن المراد بها وجه الله تعالى وحده، وفي ذلك قال الله تعالى { إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ البقرة: 271].
  • رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالِيًا، فَفاضَتْ عَيْناهُ: إن البكاء في الخلوات من أعظم الأجور التي يُثاب عليها العبد يوم القيامة، وفي هذا الحديث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفيض، أي المبالغة في البكاء، أما الذكر فهو يشمل كل ما يمكن للمسلم أن يناجي به ربه، كالخوف، والخشية من عذابه، أو الشوق لملاقاته، وللنظر إلى وجهه الكريم، ولعلها أعظم المناجاة، كما أن ذكر الخلوة عن الناس يفيد الإخلاص في العمل، فلا يُقصد في ذلك إلا ربّ العزّة سبحانه وتعالى.


حال المرأة مع هذا الحديث

مما لا شك فيه أن الدين الإسلامي أكرم المرأة كالرجل تمامًا، ولعل ذكر بعض الأحاديث المتحدثة بصيغة المذكر لا تخص الرجال فحسب، بل هي للنساء أيضًا، فهذا الحديث لا يخص الرجال على وجه الخصوص، بل المرأة المعلّق قلبها بالصلاة، والمرأتان المتحابتان في الله تعالى، وربما دل على المرأة وزوجها المتحابان بالله تعالى أيضًا، كذلك المرأة التي يَدعوها رجلٌ ذو منصبٍ وجمال إلى نفسه فذكرته بالله، والمرأة المتصدقة، والمرأة الذاكرة لربها والباكية في خلوتها، جميع ذلك ينطبق عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا والله أعلم.[٤]


المراجع

  1. "أهوال وأحوال يوم القيامة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
  2. "من مشاهد القيامة ( الحشر وأهواله )"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
  3. "اللُّمعة في بيان صفات السبعة الذين يظلهم الله في ظله"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
  4. "حديث (سبعة يظلهم الله في ظله) يشمل الرجال والنساء"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :