حديث من تواضع لله رفعه

حديث من تواضع لله رفعه

التواضع في الإسلام

يُعرّف التواضع لغةً بأنّه التذلل والابتعاد عن الاغترار بالنفس، وهو من الأخلاق الحميدة التي دعا إليها ديننا الحنيف؛ لما له من أثر عظيم على من يتصف به، إذ إنه يُنقي قلبه من الغرور والتكبر، كما أن المتواضع هو من يستمع إليه الناس ويتبادلون معه الحديث دون أي حرج أو مجاملة، إذ إن التواضع من صفات الأنبياء التي منحها الله لهم، فبالتواضع تُقبل دعوتهم لله، ويجدون من يؤيدهم ويعينهم في ذلك، فطبيعة البشر لا يحبون التعامل مع المتكبرين، ومن يراهم أقل منه شأنًا ولا يشاركهم في مشكلاتهم ولا يصغي إليهم.


خاطب الله سبحانه وتعالى سيد الخلق والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[١]، ومن الآيات التي دلت على صفة التواضع قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}[٢]، وفيها وصف لمن يمشون على الأرض بصفة الحلم والوقار والتواضع بعيدين عن التجبر أو الاستكبار، كما قال الله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}[٣]، ففي الآية الكريمة نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع.


بما أن التواضع كما ذكرنا هو من أخلاق الأنبياء والرسل، فخير من نقتدي به هو سيد الخلق والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كان متواضعًا في بيته ومع أهله، فيدخل عليهم الفرح والسرور على الدوام، وما يدل على ذلك الحديث النبوي الذي روته عائشة رضي الله عنها: (سُئِلَتْ: ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعمَلُ في بَيتِه؟ قالَتْ: كان بَشَرًا مِن البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه) [ تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ودعا الرسول عليه الصلاة والسلام إلى التواضع في الحديث الذي رواه عياض بن حمار عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال:(إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح].[٤]


حديث من تواضع لله رفعه

روى أبو هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي الحديث بيان من الرسول عليه الصلاة والسلام لعدة أمور، أولها التي جاءت في الشق الأول من الحديث وهو أن المال لا ينتقص منه بالصدقات، ولكنه يزيد ويتضاعف منها، أي إن المال ينجبر من البركة الخفية وما فيها من ثواب كبير، وفي الشق الثاني للحديث حثنا الرسول عليه الصلاة والسلام على العفو عند المقدرة، فمن عفا في الوقت الذي يكون فيه قادرًا على الانتقام، فإن الله سيعزه ويعظمه في القلوب، وفي الجزء الأخير من الحديث الحث على التواضع، وفي قوله أنه من تواضع لله، أي أنزل نفسه عن مراتب يستحقها لوجه الله تعالى دونًا عن سواه، فقد نال الثواب في الدنيا والآخرة، أي إن الله يرفعه في الدنيا والآخرة.[٥]


أقوال العلماء في التواضع

قال علماء الشريعة إن التواضع يأتي من أسباب موجبة له، وفي حقيقتها عملية وليست نظرية، وقد بينوها كالآتي[٦]:

  • ذكر ابن القيم بأن التواضع يأتي من معرفة الله وصفاته وأسمائه، وكذلك معرفة الإنسان لنفسه وخباياها ودقائقها، فيعرف ما فيها من عيوب، وبالتالي يتولد لديه التواضع، فيرى فضل الناس عليه، وأنه لا فضل له على أحد منهم، وفي حقيقة الأمر إن من أحبه الله منحه هذا الفضل.
  • ذكر ابن القيم أيضًا أن التواضع عند العبد يأتي باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، إذ قال ابن القيم: "فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره، فيبدو منها نوع إباء هربًا من العبودية، وتتوقف عند نهيه طلبًا للظفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه: فقد تواضع للعبودية".
  • ذكر ابن القيم أن التواضع هو تواضع لعظمة الله وجلال وجهه، أي أن يخضع الإنسان لعزة الله وكبريائه، فقال: "فكلما شمخت نفسُه: ذَكَر عظمة الرب تعالى، وتفرده بذلك، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأن لهيبته، وأخْبت لسلطانه ، فهذا غاية التواضع، وهو يستلزم الأول من غير عكس، أي يستلزم التواضع لأمر الله ونهيه، وقد يتواضع لأمر الله ونهيه من لم يتواضع لعظمته".
  • ذكر العلماء بأن التواضع يكون في اللباس والمشي، لما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بيْنَما رَجُلٌ يَجُرُّ إزارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، خُسِفَ به، فَهو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يَومِ القِيامَةِ) [ صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • ذكر العلماء بأن التواضع يكون في التعامل مع الأطفال وملاطفتهم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ خُلُقًا، وكان لي أخٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ -قال: أحسِبُه- فَطيمٌ، وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمَيرٍ، ما فعَل النُّغَيرُ؟ نُغَرٌ كان يَلعَبُ به)) [ صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


أهمية التواضع وما يترتب عليه

التواضع هذا الخلق العظيم الذي يلازم عباد الله المخلصين المؤمنين يأتي في مقدمة الأخلاق، في حين أنّ التكبر الذي يعاكسه في المعنى يكون لله وحده لا شريك له وهو يعني الكبرياء والعظمة، وعليه فإنّ التواضع له فوائد عديدة تعود على الفرد ومجتمعه وهي كالآتي[٧]:

  • تكافل الأفراد وتقوية الروابط بينهم، إذ إن هذه الأخلاق تمنح المجتمع الاستقرار والطمأنينة.
  • تهذيب النفس، والابتعاد عن التكبر والخيلاء.
  • زيادة فعالية الإنسان في مجتمعه ومحيطه وأهله وأصدقائه.
  • بناء علاقات بعيدة عن المصالح، قائمة في أصلها على المودة والمحبة.
  • ابتعاد الإنسان عن أذية الآخرين والإساءة إليهم.
  • التسبب بالاتصاف بصفات مختلفة مرافقه له من شأنها أن تساهم في تحقيق الرخاء الاجتماعي، وعليه يتشكّل مجتمع خالٍ من الأحقاد والجرائم.
  • تحسين صورة الإسلام عند المجتمعات الأخرى، فيكون مدخلًا لاستقطابهم إليه.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية: 159.
  2. سورة الفرقان، آية: 63.
  3. سورة الإسراء ، آية: 37.
  4. "خلق التواضع في الإسلام "، islamway، 30-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 19-12-2019. بتصرّف.
  5. "الموسوعة الحديثية"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
  6. "أنواع التواضع وأقسامه"، islamqa، 4-6-2003، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
  7. "علماء الدين: التواضع يحقق التكافل والمحبة بين الناس"، alittihad، 3-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :