شرح حديث مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم

شرح حديث مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم

شرح حديث مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم

(إنَّ مَثَلَ ما آتاني اللهُ مِن الهدى والعِلْمِ كمثَلِ غيثٍ أصاب أرضًا فكانت منها طائفةٌ طيِّبةٌ قبِلت ذلك فأنبتَتِ الكلأَ والعُشبَ الكثيرَ وأمسَكتِ الماءَ فنفَع اللهُ بها النَّاسَ فشرِبوا منها وسَقوا وزرَعوا وأصاب منها طائفةً أخرى إنَّما هي قيعانٌ لا تُمسِكُ ماءً ولا تُنبِتُ كلأً فذلك مَثَلُ مَن فقُه في دينِ اللهِ ونفَعه ما بعَثني اللهُ به فعلِم وعمِل، ومثَلُ مَن لم يرفَعْ بذلك رأسًا ولم يقبَلْ هدى اللهِ الَّذي أُرسِلْتُ به)[١]


معنى المفردات

  • مَثَلَ: الصفة العجيبة لا القول السائر.
  • الهُدَى: الدلالة الموصلة إلى المطلوب.
  • العِلم: معرفة الأدلة الشرعية.
  • الغيث: المطر.
  • قبِلت: القبول.
  • الكلأ: اليابس والرطب.
  • العُشب: ذِكر الخاص بعد العام، لأنّ الكلأ يُطلق على الرطب واليابس سويةً، فإن العُشب للرطب فقط.
  • زرعوا: الزرع أو الرعي.
  • سقوا: سقّاه أي ناوله ليشرب، وأسقاه أي جعل له سقيّا.
  • أصاب: المقصود به الماء.
  • قيعان: جمع قاع، وهي الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
  • فقُه: صار فقيهًا.


شرح الحديث

مقصود الحديث تشبيه الهُدى الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه- وسلم بالغيث، ودلالته أنّ الناس ثلاثة أنواع كما هو حال الأرض بأنواعها الثلاثة، إذ أنّ النوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر، فيحيا بعد أن كان ميتًا، وينبت الكلأ فيستفيد الناس، والدواب، والزرع وغيرها، وذلك كحال النوع الأول من الناس يصل إليه الهدى والعلم، فيحفظه ويحيا قلبه به، ويعمل به، ويُعلّم غيره، فينتفع بهذا الهدى وينفع غيره.


أمّا النوع الثاني من الأرض الذي لا ينتفع بالمطر لنفسه، بل لِغيره، إذ أنها تحتفظ بالماء بداخلها من أجل الناس والدواب، لا من أجل نفسها، وحالها كحال النوع الثاني من الناس الذين تحفظ قلوبهم الهدى، لكنهم لا يجتهدون في الطاعة، ولا يستنبطون المعاني والأحكام إلى أن يجيئهم أحد طلاب العلم، لِينهلون من معرفتهم وينتفعون بها، فهذا النوع ينفع الناس بما بلغه من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنوع الثالث من الأرض هي التي لا تنبت، فلا تنتفع بالماء ولا تُمسكه من أجل غيرها، وكذلك حال النوع الثالث من الناس لا يحفظون الهدى ولا يعقلونه، فلا هم ينتفعون به إذا سمعوه، ولا يحفظونه من أجل نفع غيرهم[٢].


دروس مستفادة من الحديث

يضم الحديث النبوي الشريف عدد من الدروس المستفادة، وفي ما يأتي مجموعة من هذه الدروس[٣][٢]:

  • ضرورة تسابق الجادون والحريصون على النهل من العلوم الشرعية المستنبطة من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه.
  • لا بدّ للمسلم من التزود بالعلم فهو لا غنى له عنه، لما للعلم من أهمية في معرفة المسلم لدينه، وكيف يعبد ربه، وكيفية التعامل مع الآخرين، فالحديث يُشير إلى أنّ حاجة المسلم للعلم أشدُّ من حاجته للمطر.
  • يوضِّح الحديث بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو معلم البشرية، إذ استخدم صلى الله عليه وسلم الأساليب التي تُوضّح للمسلمين أمور دينهم بطريقة مبسطة.
  • الإشارة إلى أنّ الناس متفاوتين في قدراتهم، ولكلٍ منهم قدرة على تقبل العلم، إلا أنّه يجدر بهم الاجتهاد من أجل طلب العلم والاستفادة منه، وإفادة الغير به.
  • صرح الحديث على أن أشدّ الناس شقاوة من يُعرض عن العلم؛ فلا يتعلمه ولا يُعلمه لغيره، ولا يتفقه به.


ما الفرق بين الهدى والعلم؟

الهدى

الهدى بيد الله سبحانه وتعالى، ويمنُّ به على من يشاء من عباده، ويجدر بالإنسان السعي والطلب من الله تعالى بإرشاده إلى الهُدى، ويضم الهدى نوعين من الهداية؛ الهداية التي من الله تعالى للإنسان، وبها يوّفق الله عز وجل عباده ويهديهم إلى صراطه المستقيم، فهي ملك لله وحده ويختص بها من يشاء، والنوع الثاني هداية الإرشاد والبيان والدعوة، المبنية على إرسال الرسل والكتب السماوية من أجل هداية الناس، فالرُسل يؤدوا الأمانة التي بُعثوا من أجلها ويبذلوا جهدهم من أجل هداية الناس للدين الحق، ثم يكون المصير بيد الله تعالى[٤].

العلم

العلم جزء من الإسلام، فمنذ أن خلق الله تعالى الإنسان زودّه بالأدوات التي تُساعده على العلم والمعرفة، وفي الإسلام يسبق العلم العمل في كافة الأمور، بما في ذلك القول فقد حذر الله سبحانه وتعالى من القول دون علم، وقد حثّ الدين الإسلامي على الاستزادة في طلب العلم، لما للعلم والعلماء من مكانة عظيمة في الإسلام، ومن أهم العلوم التي يحث الإسلام على تعلمها؛ هي العلوم الشرعية، ومن ثم سائر العلوم التي ينتفع بها صاحبها والآخرين[٥].


وهنا يتضح بأنّ العلم بيد الإنسان يجدر به السعي لاكتسابه، بينما الهدى فهو من الله سبحانه وتعالى يمنُّ به على عباده كيف ما يشاء.

  1. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:4، أخرجه في صحيحه.
  2. ^ أ ب "مثل ما بُعِثَ به النبي - صلى الله عليه وسلم- من الهدى والعلم"، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2021. بتصرّف.
  3. علي بن عبدالعزيز الراجحي، "وقفات مع حديث( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم )"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2021. بتصرّف.
  4. أمين الدميري (2/5/2017)، "معنى الهداية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18/3/2021. بتصرّف.
  5. "العلم في الإسلام"، الإسلام سؤال وجواب، 2001/3/24، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :