حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان

حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان

مفهوم الإيمان

يعرّف العلماء الإيمان لغة بأنه التصديق أو الإقرار أي الاعتراف بالشيء، أما شرعًا فهو حسب ما بين كتاب الله وسنة رسوله قول باللسان، واعتقادٌ وعمل بالجَنان أي: القلب وعملٌ بالجوارح، ويزيدُ بالطاعة وينقُص بالعِصيان؛ قال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا)[١]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان بضعٌ وسبعون شُعبةً"[المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث:صحيح]، دالًا بذلك على أنه يزيد وينقص فيزيد باستكمال هذه الشعب وينقص بنقصانها، وبيّن الرسول أركان الإيمان في إجابته لجبريل -عليه السلام- عندما قال له: ما الإيمان؟ فقال: "الإيمان: أنْ تُؤمِن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر، وتؤمنَ بالقدَر خيره وشرِّه"[٢] [المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، والإيمان بالله عز وجل والعمل بمقتضى هذا الإيمان له ثمرات، ومن تلك الثمرات ما يتشكل عند المؤمنين من إحساس داخلي يجد به لذة، وهو ما يعبر عنه بحلاوة الإيمان، وحتى يتذوق المسلم هذه الحلاوة لا بد له من القيام ببعض الوسائل التي تقوده لذلك؛ ومنها ما قاله صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه أنس بس مالك -رضي الله عنه-: "ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ"[٣] [المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح] وهذه الحلاوة هي نعمة من الله -سبحانه وتعالى- لا يستشعر أثرها إلا من تذوق طعمها؛ فيطمئن بها قلبه ويأنس بقرب الله -عز وجل- منه: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[٤][٥].


شرح حديث حلاوة الإيمان

يبيّن هذا الحديث الشريف ثلاث خصال؛ فإذا كانت عند المؤمن سيجد بها لذة وثمرة الإيمان، ولذته تكون في انشراح صدره وقربه من الله تعالى والأنس به والرضا بقضاء الله وقدره، وهذه الخصال كما يلي[٦]:

الخصلة الأولى: هي محبة الله تعالى ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجب أن تعلو محبة أي أحد في نفس المؤمن على محبة الله ورسوله كما ذكر في الحديث: "كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شيءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ" [المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وعن أنس بن مالك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ" [المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وهذه المحبة تلزم الامتثال لأوامرهما واجتناب نواهيهما ومنها قراءة القرآن والدوام على الذكر والإكثار من النوافل، ومن محبة الرسول كثرة الصلاة عليه واتباع سنته ونصرته والتخلق بأخلاقه والاطلاع على سيرته[٣].

الخصلة الثانية: أن يحب المرء لا يحبه لله، فلا بد من أن تكون العلاقة بين المسلمين مبنية على محبة الله عزّ وجل، والمعنى أنه عندما يحب المسلم إنسانًا يحبه طاعةً لله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أحبَّ للَّهِ، وأبغَضَ للَّهِ، وأَعْطى للَّهِ، ومنَعَ للَّهِ، فقَدِ اسْتكمَلَ الإيمانَ" [المصدر: تخريج شرح السنة| خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن]، بمعنى أن تغير عواطفه وتبدلها وفق ميزان طاعة الله عز وجل وعندما يصل الناس إلى هذا المستوى من العلاقات فسيشعرون بالسعادة في الدنيا وسيوفيهم الله -سبحانه وتعالى- أجرهم في الآخرة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ بجَلالِي، اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي" [المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٧].

الخصلة الثالثة: هي كراهة ما يكره الله ورسوله بأن يجاهد نفسه بالابتعاد عنه وتجنبه، وأن تكون العَودة إلى الكفر كالإلقاء في النار بالنسبة له، قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[٨][٩][٦].


سبل تقوية الإيمان

يجب على المؤمن الحرص على تجديد الإيمان في قلبه ومما يعينه على ذلك ما يلي[١٠]:

  • التقوى: وهي استشعار مراقبة الله -عز وجل- في كل الأوقات والدوام على شكره وعبادته، وقد وصى الله بذلك في كتابة فقال: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)[١١].
  • التعرف على الله عز وجل: فالتعرف على الله يزيد الإيمان ويضاعف صلة العبد بربه، قال تعالى: (هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)[١٢].
  • الصلاة: الصلاة هي الصلة بين العبد وربه لذلك تجب إقامتها بأوقاتها وبجميع شروطها وأركانها؛ فهي سبيل المؤمن للشعور بالطمأنينة والقرب من الله، كما تنهاه عن فعل المحرمات، قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[١٣].
  • قراءة القرآن وتدبره: قراءة القرآن الكريم والتفكر في معانيه عبادة ومنبع للبركة والهدى في حياة الناس، قال تعالى :(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ)[١٤].
  • قيام الليل: فهو يقرب العبد من ربه ويتيح له فرصة الخلوة به ودعائه وشكره ومناجاته، قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[١٥].

ومما يجدد الإيمان في قلب المؤمن مرافقة أهل الإيمان والتفكر في اليوم الآخر وما فيه من نعيم، والإكثار من الدعاء والإلحاح على الله أن يكون له عونًا في تحقيق معاني الإيمان في قلبه.


المراجع

  1. سورة مريم، آية: 76.
  2. عبدالله القصيّر (1-5-2016)، "تعريف الإيمان بالله لغة واصطلاحا"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب علي الراجحي، "حلاوة الإيمان"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019. بتصرّف.
  4. بدر هميسه، "إنها حلاوة الإيمان"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 16-12-2019. بتصرّف.
  5. سورة الأنعام، آية: 125.
  6. ^ أ ب عبد الله الفريح (22-6-2015)، "حديث: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
  7. صالح الشامي (12-10-2018)، "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
  8. سورة الحجرات، آية: 7.
  9. "فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب » كتاب الإيمان » باب حلاوة الإيمان"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
  10. حسين الحسنية، "مقوّمات تجديد الإيمان في القلوب"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
  11. سورة النساء، آية: 131.
  12. سورة الحشر، آية: 24.
  13. سورة العنكبوت، آية: 45.
  14. سورة ص، آية: 29.
  15. سورة الزمر، آية: 9.

فيديو ذو صلة :