محتويات
عاقبة الظالمين
يعرّف الظلم بأنه جور وحياد وابتعاد عن الحق، ووضع الشيء في غير موضعه، وله ثلاثة أنواع، منها ما هو ظلم للعبد بينه وبين نفسه، وظلم للعبد بينه وبين الناس، وظلم للعبد بينه وبين الله، وجميعها ذنوب تستوجب التوبة النصوحة لله تعالى، خوفًا من عقابه وطمعًا في مرضاته، وقد وردت عدّة آيات في كتاب الله تعالى تصف الظلم وتنهى عنه، قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42]، وجاء التهديد والوعيد للظالم في عدد كبير من الآيات والأحاديث، منها الحديث القدسي الذي يرويه الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن ربه والذي يذكر فيه ثلاثة الله تعالى خصمهم يوم القيامة، وفيما يلي من المقال بيان لهؤلاء الظالمين[١].
حديث ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة
إن الله تعالى حرّم الظلم، وتوعّد الظالمين، وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقف دائمًا في وجه الظالمين، فيناصر المظلوم ويأخذ حقه من الظالم، وهذا ما جاء به الشرع الحنيف، إلا أنه ورد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى شدّد على ثلاثة أنواع من الظلم وجعل من يقوم بها خصمًا له يوم القيامة، فقال الرسول-صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ تَعالَى: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ، رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفيما يلي بيان ذلك[٢]:
- أول نوع من أنواع الظلم المذكور في الحديث هو الغدر، ومعنى ذلك أن يعطي الرجل عهدًا ويحلف بالله على أن يوفي به، ثم يغدر ويخون عهده، فيترتب على هذا الخزي والعار يوم القيامة، فقد جاء في الحديث الصحيح أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا جَمع اللَّهُ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ يَومَ القِيامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ، فقِيلَ: هذِه غَدْرَةُ فُلانِ بنِ فُلانٍ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث : صحيح].
- أما النوع الثاني من الظلم المذكور في الحديث، هو أكل ثمن إنسان حرّ، ومعنى ذلك أن يتسلط أحد على إنسان حرّ فيدّعي أنه عبد ثم يبيعه ويأكل ثمنه، وقد جعل الله تعالى المسلمين متساوين في الحرية، فهذا يكون قد سلبه حريته التي أعطاه الله إياها وألزمه الذل، فكان خصمًا لله يوم القيامة.
- والنوع الثالث من الظلم المذكور في الحديث هو أكل مال الأجير، ويعني ذلك أن يستأجر الإنسان إنسانًا آخر يقوم بعمل خدمة له مقابل ثمن متفق عليه، فلما ينتهي من عمله لا يعطيه صاحب العمل أجره ويأكله عليه، كمن يأكل مال خادم أو سائق أو موظف، فهو خصم لله تعالى يوم القيامة.
- ويستنتج من حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن الظلم والغدر وأكل أموال الناس بالباطل توصل إلى عداوة الله تعالى، ومن كان الله تعالى خصمه فقد خسر الخسران المبين، وهو هالك لا محالة.
أمثلة على هلاك الظالمين
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عددًا من الظالمين الذين بغوا في الأرض وعصوا الله تعالى، كما أنهم وقفوا في وجه دعوة الأنبياء وحاربوهم وكانوا خصومًا لهم، فنصر الله تعالى أولياءه وأهلك الظالمين، ومن صور هلاك الظالمين التي وردت في القرآن الكريم[٣]:
- قوم نوح- عليه السلام-: عندما دعاهم نوح- عليه السلام- إلى عبادة الله تعالى فصموا آذانهم عن دعوته، وقابلوه بالتكذيب والاستهزاء، فدعا عليهم بالهلاك، قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 117 -118]، فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه وأهلك الظالمين، قال الله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ} [الشعراء: 119-120]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [ العنكبوت: 14-15].
- قوم فرعون: فرعون الذي نشر في الأرض الفساد، واستعبد بني إسرائيل واستباح أموالهم واغترّ بسلطانه، وادعى الألوهية، فانتقم الله تعالى منه، قال الله تعالى: { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ} [النازعات: 24-26].
- قوم عاد: وقد كانوا أصحاب قوة، واغتروا بها فكانوا يظنون أن لا أحد أقوى منهم، ونسوا قدرة الله تعالى، فأهلكهم الله بالريح، قال الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 6-8].
- قوم ثمود: الذين أرسل الله تعالى لهم صالح -عليه السلام- وعصوه وذبحوا الناقة، فأخذهم الله تعالى بظلمهم، قال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [ القمر: 31].
- قوم لوط: الذين أرسل الله تعالى لهم لوطًا- عليه السلام- ليهديهم إلى طريق الهداية والصلاح وينهاهم عن فعل الفاحشة التي كانوا يفعلونها وما سبقهم بها من أحد من العالمين، ولكنهم رفضوا دعوته، وأنكروا عليه نهيهم عن أفعالهم، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم، قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82-83].
دعوة المظلوم
إن الله تعالى لا يخذل عبدًا لجأ إليه، وهو القوي سبحانه، وقد توعّد الله تعالى أن ينصر المظلوم ويأخذ حقه من الظالم، وقد حذّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الظلم، فقال: (اتقوا الظلمَ، فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ) [ الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن دعوة المظلوم مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب، فقال: (ودعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغمامِ، وتُفتَحُ لَها أبوابُ السَّماءِ، ويقولُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: وعزَّتي لأنصرنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ) [مسند أحمد| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح]، وقال الرسول- صلى الله عليه وسلم- : (اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهَا ليسَ بيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث : صحيح]، فالمظلوم لا يضيع حقه عند الله تعالى، فإن لم يحصل على حقه في الدنيا نال ذلك في الآخرة[٤].
المراجع
- ↑ "الظلم عاقبته وخيمة"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "حديث: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "ولله مع الظالمين سنن وأيام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "ظلمات الظلم"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.