حديث الرسول جئتكم بالذبح

حديث الرسول جئتكم بالذبح

ما صحة حديث الرسول جئتكم بالذبح؟

إنّ الحديث هو حديث صحيح، إذ رواه أحمد في "المسند" (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسّنه المحققون، كما حسّنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/19) ، أمّا في رواية البخاري، فقد جاء أنّ عروة بن الزبير -رحمه الله- قال: (سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا . فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)[١][٢]، كما أنّ لفظ (جئتكم بالذبح) يحمل معنى صحيح بدون شك[٢].


نص حديث الرسول جئتكم بالذبح

(أتسمعون يا معشرَ قريشٍ ! أما والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه ؛ لقد جئتُكم بالذَّبحِ . قال : فأخذت [ القومُ ] كلمتَه ، حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا لكأنَّما على رأسِه طائرٌ واقعٌ ، حتَّى إنَّ أشدَّهم فيه وطأةً قبل ذلك يترفَّؤُه بأحسنِ ما يُجيبُ من [ القولِ ] ؛ حتَّى إنَّه ليقولُ : انصرِفْ يا أبا القاسمِ ! انصرِفْ راشدًا ؛ فواللهِ ما كنتُ جهولًا ! . فانصرف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، حتَّى إذا كان من الغدِ ، اجتمعوا في الحِجرِ ؛ وأنا معهم ، فقال بعضُهم لبعضٍ : ذكرتم ما بلغ منكم ، وما بلغكم عنه ، حتَّى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه ! وبينا هم في ذلك ؛ إذ طلع عليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فوثبوا إليه وثبةَ رجلٍ واحدٍ ، وأحاطوا به يقولون له : أنت الَّذي تقولُ كذا وكذا ؟ لمَّا كان يبلغُهم منه من عيبِ آلهتِهم ودينِهم ، قال : نعم أنا الَّذي أقولُ ذلك ، قال : فلقد رأيتُ رجلًا منهم أخذ بمجمَعِ ردائِه ، وقام أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي اللهُ عنه دونه يقولُ – وهو يبكي - : أتقتلون رجلًا أن يقولَ ربِّي اللهَ ، ثمَّ انصرفوا عنه . فإنَّ ذلك لأشدُّ ما رأيتُ قريشًا بلغت منه قطُّ)[٣][٤].


شرح حديث جئتكم بالذبح

اللفظ الوارد في الحديث النبوي المذكور آنفًا صحيح، إلّا أنّه لا يؤخذ على إطلاقه؛ بمعنى أن المقصودين بالذبح هم أشخاص محدّدون، فهم أولئك الذين يُصرّون على الكفر بالله عز وجل، ومحاربة الديم الإسلامي والمسلمين، علاوةً على اضطهاد المستضعفين وظلمهم، وإيذاء الشيوخ والنساء والأطفال، فأولئك الأفراد يهرعون إلى فرض أفكارهم ومبادئهم بالقتل والتعذيب والظلم، وهنا يخاطب الحديث الشريف أهل قريش الذين قتلوا أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وطعنوا في عفّة زوجة ياسر، وقتلوا ياسر الرجل الكبير في السن، وهم أيضًا من عذّبوا بلالًا، وحاولوا قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومارسوا أشكال التعذيب كلّها على المؤمنين في مكة المكرمة، وزادوا من ظلمهم حتى دفعوهم للهجرة إلى الحبشة بحثًا عن الأمان والراحة فيها، وما أُشير إليه في الحديث السابق ما هو إلا جزء فقط ممّا فعله كفّار قريش ومجرموها مع المؤمنين والصحابة؛ لذا استحقّوا القتل للاحتماء من شرّهم وتخليص النّاس من أذاهم وظلمهم.


ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أنّ الأشخاص الذين لا يُريدون للإسلام خيرًا، ويريدوا له كل السوء وللمؤمنين قاموا باجتزاء عبارة (جئتكم بالذبح) التي قالها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من السّياق الذي ظهرت فيه محاولين إظهار الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بمظهر المحب للقتل وسفك الدماء، بالتالي ينفر منه الناس، وفعلهم ذلك يُخفي وجه الحقيقة؛ لذلك يجب التعامل مع أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفقًا للسياق الذي وردت فيه، كما يجب معرفة الأشخاص المقصودين في الخطاب، والواقعة التي تفسّر الحديث الشريف وتوضّح المقصود منه، إلى جانب النظر في جميع النصوص المتعلّقة بالموضوع المحدّد، فمن شأن تلك النصوص توضيح وجهة نظر الإسلام الحقيقية في الموضوع، بدلًا من النظر إلى نصٍ واحد فقط[٢].

  1. "الدرر السنية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 28/2/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "هل صح حديث : ( لقد جئتكم بالذبح )، وما توجيه معناه ؟"، الإسلام سؤال وجواب، 8/7/2009، اطّلع عليه بتاريخ 28/2/2021. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح الموارد، عن عبدالله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:1404 ، حسن.
  4. "[ حديث ابن العاص عن أكثر ما رأى قريشا نالته من رسول الله صلى الله عليه وسلم "]، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 28/2/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :