محتويات
عمل المرأة
لقد شملت الشريعة الإسلامية كافة جوانب الحياة، بما في ذلك تنظيم الحياة الأسرية على ما يخدم المجتمع الإسلامي، ولذلك فقد قُسمت المسؤوليات في النظام الأسري بين الرجل والمرأة لتحقيق الاستقرار العائلي على خير ما يكون، إذ إن العمل خارج المنزل وكسب المعاش وما يكفل الحياة الكريمة للأسرة المسلمة كان من مسؤوليات الرجل، بينما مسؤولية المرأة تتمثل في الأعمال الواقعة داخل الأسرة والمنزل، من تربية الأولاد، والمحافظة على مقدرات المنزل ومحتوياته، ليتحقق بذلك التكافل الأسري على خير ما يكون، وقد تطرأ بعض الأمور التي تحث المرأة على العمل خارج منزلها مما يُثير بعض التساؤلات والتي من بينها حكم الشريعة الإسلامية في هذا الأمر، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال[١].
حكم عمل المرأة المتزوجة
لم يمنع الدين الإسلامي المرأة من العمل أو التجارة، إذ إنّ مجال الكسب مباحًا للرجل والأنثى على حدٍّ سواء، يقول تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وفي هذه الآيات الكريمة وما سواها جاء الأمر عامًّا للرجال والنساء، ولذلك فللمرأة أن تدخل مجال العمل سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجة، كأن تكون طبيبةً أو ممرضةً أو معلمةً أو ما شابه ذلك من الأعمال التي يمكنها أن تعمل بها، وبالرغم من إباحة العمل والتجارة للمرأة فلا بد من وجود ضوابط شرعية وشروط تلتزم المرأة بها عند خروجها للعمل، ليكون عملها غير مخالف لأوامر الشريعة الإسلامية[٢].
ضوابط عمل المرأة المسلمة
سواء أكانت المرأة متزوجة أم لا فلا بدّ لها أن تلتزم الضوابط الشّرعية عند الخروج إلى العمل، وفيما يأتي ذكر لهذه الضوابط[٣]:
- الحاجة الشخصية أو حاجة المجتمع: بالرغم من أن الأصل للمرأة أن تقرّ في بيتها، وذلك مبيّن في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، إلا أن بعض الظروف تُحتّم عمل المرأة خارج المنزل، كأن تُلبي حاجة المجتمع الإسلامي لبعض الوظائف النسائية مثل الطبيبة والمعلمة وما إلى ذلك من أمور تخص النساء، كما يجب أن لا يكون عمل المرأة على حساب الرجل فهو المؤسس للحياة الأسرية.
- الابتعاد عن الاختلاط: من الأمور التي أوجبها الدين الإسلامي أن تبتعد المرأة عن الاختلاط المحرّم، ومصداق ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]، كذلك فقد حرّم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) [عارضة الأحوذي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح].
- تناسب العمل مع طبيعة المرأة: من الضوابط الشرعية لعمل المرأة أن يتناسب العمل في طبيعته مع طبيعتها الخلقية، وما فطرها الله تعالى عليه من الصفات الأنثوية، فلا يجوز لها العمل في المهن الشاقة، التي تُعد من الأعمال التي تتطلب محض القوة البدنية.
- سماح وليّ أمرها بالعمل: لا بد للمرأة أن تأخذ الإذن من وليّ أمرها عند العمل خارج المنزل، كأن يكون الزوج أو الأب أو الأخ، وذلك لأن طاعة ولي الأمر واجبة حتى في صلاتها في المسجد.
- الستر: لا يجوز للمرأة الخروج من منزلها للعمل إلا إذا التزمت باللباس الشرعي الذي حددته الشريعة الإسلامية، وفي ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].
عمل النساء في عهد النبوّة
إن الأصل بالمرأة أن تلزم بيتها، فلا تخرج منه إلا لحاجة، وذلك استنادًا إلى قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، فإذا كان الأمر لأزواج النبي عليه الصلاة والسلام بأن يلزمن بيوتهن وهن الطاهرات المطهرات، فهذا يشمل عامةً نساء المسلمين، ولذلك فقد كان دأب نساء الصحابة رضوان الله عليهم المكوث في بيوتهن وعدم الخروج إلا لحاجة ضرورية، أما عن أعمال أمهات المؤمنين فقد كانت تتمثل بخدمة النبي عليه السلام، وما ينطوي تحت ذلك من الأعمال المنزلية، وما كنّ يخرجن إلا للصلاة والضرورات.
وقد أُذن للنساء بالخروج لحاجتهن إذ تروي عائشة رضي الله عنها: (خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَما ضُرِبَ الحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لا تَخْفَى علَى مَن يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَقالَ: يا سَوْدَةُ، أما واللَّهِ ما تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كيفَ تَخْرُجِينَ، قالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِي، وإنَّه لَيَتَعَشَّى وفي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقالَ لي عُمَرُ كَذَا وكَذَا، قالَتْ: فأوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عنْه، وإنَّ العَرْقَ في يَدِهِ ما وضَعَهُ، فَقالَ: إنَّه قدْ أُذِنَ لَكُنَّ أنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما ورد أيضًا أن نساء الصحابة كُنّ يخرجن لمساعدة أزواجهن في بعض الأحوال والظروف، كحال أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها مع زوجها الزبير، والحاصل من ذلك أن نساء الصحابة كانت أعمالهن تقتصر على المنزل وعون الزوج، والمساعدة في الغزوات[٤].
المراجع
- ↑ "عمل المرأة خارج البيت"، almoslim، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "حكم عمل المرأة"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "ضوابط عمل المرأة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "كيف كان عمل نساء الصحابة ، وأمهات المؤمنين ؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2020. بتصرّف.