شرح حديث كلكم راع

شرح حديث كلكم راع

الرعاية في الإسلام

الإسلام الدين العظيم الذي دعا إلى القيم والأخلاق التي تقوم على الأخوة والاحترام والتعاضد بين فئات المجتمع بغض النظر عن جنسهم أو لغتهم أو أعراقهم، فالأخلاق التي بثها هذا الدين هي بالأساس منبثقة من عقيدة الإسلام التي لا يرتبط أي من جوانبها بأي مصلحة أو منفعة مادية، ومن القيم والأخلاق التي أوجبها الله هي الرعاية التي هي تنفيذ لأوامر الله في حق أفراد المجتمع، إذ قال الله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[١]، وقال أيضًا :{لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[٢].


ضمن الإسلام رعاية أبنائه في العديد من التشريعات الربانية التي ضمت أنظمةً في مجالات التجارة والمعاملات والأسرة والوصاية والميراث وغيرها، وقد أمر الله تعالى بأن تكون هذه الأنظمة وتطبيقها لتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع الإسلامي مصداقًا لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[٣]، وقد أكدت السنة النبوية الشريفة على هذا الأمر في الحديث الذي نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوع الرعاية، وهو ما سنفصله في الفقرات اللاحقة من هذا المقال[٤].


شرح الحديث كُلَّكُم راعٍ

روى عبد الله بن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، فالإمامُ راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والرجلُ راعٍ في أهلِه، وهو مسؤولٌ عن رعيّتِه، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها، وهي مسؤولةٌ عن رعيَّتِها، والخادمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه، وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والرجلُ راعٍ في مالِ أبيه وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه][٥]، بين الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الحديث أن الكل راع وهو مسؤول عن رعيته.


الرعي في اللغة هو الحفاظ على الشيء، وعليه فالراعي هو الملتزم بأمانه وبصلاح ما قام به من رعاية، فكل ما وقع تحت نظر الراعي مطلوب منه القيام به فيما يخدم مصلحة الدين والدنيا، فالإمام أو الحاكم راعٍ فيما طُلب منه في ديننا الحنيف، فعليه الحفاظ على رعيته من حقوق وواجبات تجاههم، وعدم إهمال حدودهم، والدفاع عنهم من الأعداء، وجميع هذه الوجوه لرعاية الإمام لا تكون إلا في حدود ما أمره الله ورسوله، ولا يطلب الأجر إلا من الله سبحانه وتعالى، فهي مسؤولية تكليف لا تشريف، أما في الأسرة الإسلامية، فالرجل راعٍ في أهل بيته، وهذه الرعاية تشمل الزوجة والأولاد وكل من هو مسؤول عنه أمام الله، فرعايته تتمثل بالإنفاق وحسن المعاشرة، وتربية أولاده وإعانة زوجته على تربية الأولاد بأحسن وأسلم الطرق التي توصلهم للصواب في دينهم ودنياه.


كما أن الأمر لا يقتصر على الرجل في البيت، وإنما المرأة راعية لبيتها وزوجها وأبنائها، فهي من تُحسن التدبير وخدمته، فعليها مسؤولية في تربية أبنائها بدرجة لا تقل عن رعاية الرجل ومسؤوليته، والخادم كما جاء في الحديث هو أيضًا راعٍ في حفظ مال سيده وخدمته، فهو مسؤول عن ذلك بأمر واضح في الحديث الشريف، وكذلك الرجل مسؤول وراعٍ عن مال أبيه، فيحفظه ويأمنه من الضياع والهدر، وأخيرًا يوجد معنًى عام للحديث يفيد بأن كل أحد يُسأل أمام الله عمن تحت يده ممن هو مسؤول عنهم، فواجب شرعًا عليه أن يرشدهم وينصحهم لما يخدم مصالحهم الدينية والدنيوية، وفي حال صدر منهم أي خطأ يضر بهم في تحقيق هذه المصالح فواجب عليه[٦].


المسؤولية والرعاية الواردة في حديث كلكم راعٍ

يَعد العلماء هذا الحديث وما جاء فيه من تعليمات غايةً في الأهمية، وهو أصل في توضيح المسؤولية وكيفية تحملها التي سيحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، وكما جاء في الحديث فإن المسؤولية متفاوتة حسب الرعاية المطلوبة من العبد، فسمؤولية الحاكم تختلف عن مسؤولية الأب في بيته وهكذا، ومن الطبيعي أن لا أحد مسؤول عن تربية الأبناء إلا آباءهم أو أمهاتهم، وهذا النوع من المسؤولية قد يفهمه البعض فهمًا غير صحيح.


يعد بعض الآباء أنه بمجرد أن وفر لأبنائه المأكل والمشرب والملبس والدفء، أي كل ما يتعلق بالأمور المادية فإنه قد حقق المراد الشرعي من الرعاية المذكورة في الحديث، لكنَّ الأمر في حقيقته أكبر من ذلك وأخطر، وهي التي سيكون عنها السؤال يوم القيامة، عن الأمور التي فعلها الآباء والأمهات في دين أبنائهم وأخلاقهم، وإن استطاعوا تربيتهم التربية السليمة التي تخدم مصالحهم الآخروية أم لا، فتوفير الأمور المادية مطلوب كأحد أوجه الرعاية، لكن الأهم التربية والأخلاق وحفظ العرض، فالأمور المادية تزول بزوال الحياة، وإن الرعاية متاكملة في جميع أشكالها وصورها، فكما هو مطلوب من الآباء رعاية أبنائهم صحيًا، فإنه يجب عليهم رعايتهم في دينهم، وتوفير حاجاتهم المادية والروحية على حد سواء، فالأبوة الكاملة قد تكون سببًا في دخول الجنة، وفي المقابل قد تكون البنوة الكاملة هي أيضًا سببًا في دخول الجنة، إذ ورد في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر قال فيه: (جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يستأذنُهُ في الجِهادِ، فقالَ: ألَكَ والِدانِ؟، قالَ: نعَم، قالَ: ففيهما فجاهِدْ)[٧][٨][٩].


توجيهات حديث كلكم راعٍ

أكَّد الحديث أن دين الإسلام هو دين عمل وجد، وحفَّز أفراده بأن يكونوا جادين في توجهاتهم وحياتهم بعيدين عن الخمول والكسل، فكل منهم يقؤدي ما هو مطلوب منه ولا يتنصل منه، فهو مسؤول بالدرجة الأولى عنه أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام المجتمع بالدرجة الثانية، وعليه سيُقيّم عمله فيحاسب عليه سواء أداه على أكمل وجه أو فيه جانب تقصير والعياذ بالله، وبالتالي فإن هذه المنظومة الأخلاقية التي جاء بها الحديث الشريف في مجال الرعاية من شأنها أن تنهض بالمجتمع وتقوي جوانبه العديدة في خدمة أفراده ورعايتهم[١٠].


المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 177.
  2. سورة النساء، آية: 114.
  3. سورة النساء، آية: 65.
  4. "الرعاية الاجتماعية في الإسلام"، tataw3d، 7-4-2011، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2019. بتصرّف.
  5. المحدّث الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 4569، صحيح .
  6. "الموسوعة الحديثية"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  7. المحدّث الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1671، صحيح .
  8. "رياض الصالحين - الدرس : 044 - باب - درجات المسؤولية في الإسلام كما ورد في هذا الحديث: كلكم راع...."، nabulsi، 23-1-1994، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  9. "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته"، islamweb، 22-5-2016، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  10. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن (18-6-2015)، "توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (15)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :