محتويات
تعريف عقوق الوالدين
إنّ عقوق الوالدين مصيبة خطيرة وذات عواقب وخيمة على العاقّين وعلى جميع أفراد الأمة الإسلامية، ومعنى العقوق لغةً الشقُّ والقطع والاستحلاب، أما معناه اصطلاحًا فهو كما عرّفه ابن حجر العسقلاني: "والعقوق مشتق من العقِّ، وهو القطع، والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده، من قول، أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنَّت الوالد"، وقد عرفّه ابن حجر المكي أيضًا بقوله: "العقوق أن يحصل لهما، أو لأحدهما، إيذاء، ليس بالهيِّن عرفاً"[١].
حكم عقوق الوالدين
إنّ عقوق الوالدين أحد الكبائر التي تلي في عظمة إثمها الشرك بالله سبحانه وتعالى، وكما ذكر في كتاب الله جلَّ في علاه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...} [سورة النساء: 36]، وقال أيضًا: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء: 23]؛ فحق الوالدين يأتي بعد الله سبحانه وتعالى، ما جعل عقوق الوالدين من أحد الكبائر الشنيعة، فمن كان عالقًا في مثل هذه المشكلة العظيمة فعليه أن يبادر بطلب السماح من والديه قبل موتهما ويبرَّهما، ويعطيهما كامل احترامه وحبه ورعايته لهما، ومن كان أبواه ميتين؛ فيتعيّن عليه الاستغفار والدعاء وتقديم الصدقات عنهما، لعلَّه ينال تخفيفًا ورحمةً وغفرانًا لهذا الذنب العظيم بتلك الأعمال[٢].
مظاهر عقوق الوالدين
نذكر فيما يلي بعضًا من مظاهر عقوق الوالدين الظاهرة والمنتشرة بشكلٍ كبير[٣]:
- صراخ الابن عليهما أو العبوس في وجههما، ما قد يؤدي إلى بكاء الوالدين وحزنهم، وقد يقوم بعض الآباء بالدعاء على ابنهما بسبب هذا الفعل.
- عدم الاحترام عند طلب أحد الوالدين أمرًا معينًا منه، ويمكن أن يلجأ الابن العاق إلى إلقاء الأوامر عليهما أو التحدث معهما بشيء من التكبُّر والاستعلاء.
- عدم سماعهما ومقاطعتهما المتكررة أثناء حديثهما بأسلوب مزعج، الأمر الذي يعكس عدم الاحترام والتقدير لاسيما إن فعل ذلك أمام الناس؛ ما يؤذي نفسية والديه.
- عدم إجابة أسئلة الوالدين والتهرُّب من طاعة طلباتهم التي تخلو من معصية الله تعالى.
- الطلبات الزائدة عن قدرة الوالدين والسرقة منهم أو خيانة ثقتهم من أجل الحصول على ما يريده الابن دون التفكير بعواقب الأمور.
- إحراجهما وعدم سد ديونهما المعنوية والمادية، وهذا أمرٌ جارحُ للآباء ومجحفٌ في حقهما.
- الخجل من الوالدين أمام الناس وتجنب الحديث عنهما أو الخروج معهما، إما بسبب مظهرهما وطريقة كلامهما أو بسبب الوضع الماديّ أو الوضع الاجتماعيّ.
- عدم تقدير ما قدِّمه الوالدين من أجل أبنائهم، وانتقادهما باستمرار إلى جانب التأفف من كل شيء أقوالهم.
- عدم مساعدتهما في أمور المنزل، كأن تجلس البنت على الأريكة تلهو بهاتفها أثناء قيام والدتها بأعمال المنزل ومتابعة التنظيف وغيره.
- عدم الإنفاق على الوالدين عند كبرهما لا سيما إن كانا في حاجة ماسّة لمساعدة ابنهما، أو البخل عليهما، أو المنِّ بالإنفاق عليهما لإشعارهما بالذل.
- عدمصلة أرحامهما، وترك السؤال المتواصل عن أحوالهما وأخبارهما، وقد يصل الحال به إلى التوقُّف عن زيارتهما وتقديم العون لهما بالمطلوب منه سواءً في صحتهما أو مرضهما.
أضرار عقوق الوالدين
مما لا شك فيه أن الإسلام حفظ للوالدين مكانةً عظيمةً لا يجب أن يستهان بها، وأنَّ أي تقصير تجاه الوالدين يؤدي إلى غضب الله، وبالتالي نيل الجزاء المستحق في الدنيا والآخرة، وفيما يلي ذكر لأضرار عقوق الوالدين تحذيرًا للعقلاء من عقوقهما، وقطع صلة الأرحام بين الأبناء والآباء، ومنها[٤]:
- استحقاق العاقّ لغضب الله تعالى إن لم يتب: فما أقسى أن يغضب الرب على عبده ويراه عاصيًا لا يتوبُ عن ذنبه، فقد روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بنِ العاص عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ) [تخريج شرح السنة| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- إجابة دعوة الآباء على الولد العاق لهما: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) [سنن الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- تضمين العقوق في الكبائر التي يحاسب عليها العبد يوم القيامة: ذلك أنّ طاعةُ الوالدين تأتي بعد تأدية العبد حق ربه، فجعل عدم طاعة الوالدين كبيرةً يعاقب عليها العبد يوم القيامة ويحاسب حسابًا عسيرًا، إلا من تاب عنها واستغفر، فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، ومَنْعًا وهاتِ، ووَأْدَ البَناتِ، وكَرِهَ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ) [المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وبيَّن الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- سبب تخصيص الأم فقال: "خَصَّ الْأُمَّهَاتِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْعُقُوقَ إِلَيْهِنَّ أَسْرَعُ مِنَ الْآبَاءِ لِضَعْفِ النِّسَاءِ وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ بِرَّ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى بِرِّ الْأَبِ فِي التَّلَطُّفِ وَالْحُنُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ".
- استحقاق العاقّ لوالديه دخول النار: وكفى بهذا العقاب من رادع وزاجر عن معصية العقوق، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمرو بنِ العاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى) [صحيح النسائي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح].
- تعجيل عقوبة العاقّ لوالديه في الدنيا قبل الآخرة: فيكون جزاؤه بأن يتأخر رزقه أو يتعثر كثيرًا في أموره ويعاني من تعسُّرها، وهذا ملحوظٌ في كثير من القصص والأحاديث، عَنْ أَنَسٍ بم مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا الْبَغْيُ، وَالْعُقُوقُ) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
المراجع
- ↑ "عقوق الوالدين"، طريق الإسلام، 16/02/2015، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22. بتصرّف.
- ↑ "ما حكم عقوق الوالدين وما السبيل للتوبة؟"، الموقع الرسمي لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22. بتصرّف.
- ↑ السيد محمد (16/02/2015)، "عقوق الوالدين"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22. بتصرّف.
- ↑ الشيخ صلاح نجيب الدق (5/4/2018)، "أقوال وكلمات عن عقوق الوالدين"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23. بتصرّف.