خطبة عن موعد وعلامات ليلة القدر
الحمد لله رب السماوات والأرض، خالق آدم من تراب، وأسكنه في الجنة دار البقاء، وأسجد له ملائكته، وصلى الله على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد[١]:
أيها الإخوة الأفاضل، إنّ ليلة القدر وفضلها وأجرها معلوم لكلِّ مسلم؛ فهي لا تشبه ليلة من ليالي الدهر، والأولى أن يحظى بشرف قيامها كلُّ مسلم، لكن من غير المعلوم موعدها قطعًا عند أيٍّ من العلماء، إلا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتماسها في الليالي الفردية من العشر الأواخر، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاوز في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)[٢].
إخوة الإيمان إنَّه ليس من الصحيح أنَّ من يصادف ليلة القدر يرى الخوارق، أو يسمع الملائكة؛ لأنَّ الله قد يكشفها بفضله لبعض الناس في منامهم أو يقظتهم، وبحسب الحافظ ابن حجر أنَّه ينبغي لمن رأى علاماتها أن يكتمها لأنَّها كرامة، ويجب كتمان الكرامة من دون خلاف بين العلماء، ومن علامات هذه الليلة الفضيلة المتَّفق عليها بين العلماء، أنَّ الشمس تطلع في صبيحتها من دون أشعة، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها)[٣]؛ وهذا بسبب كثرة الملائكة التي تنزل إلى الأرض وتصعد منها في تلك الليلة.
إخوة الإسلام، إنَّ الكثير من العلامات المنتشرة اليوم عن علامات هذ الليلة الفضيلة لا أصل له، ولم يثبت في الأحاديث أو اجتهادات العلماء، مثل أن تكون معتدلة ليست حارة ولا باردة، وليس فيها نجوم، والمياه المالحة تُصبح حلوة، والأشجار تسجد ثم تعود إلى مكانها، والكلاب لا تنبح، وتكون الدنيا منيرة، وهذه العلامات لا يجب تداولها ونشرها بين الناس.
أسأل الله القدير أن يرزقنا قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ فهي ليلة عامة لكلِّ المسلمين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
خطبة عن فضل ليلة القدر
الحمد لله رب العالمين، يسمع دعاء خلقه ويجيبهم، ويؤنس وحدتهم، ويَهدي شريدهم، ويُذهب وحشة غريبهم، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، أما بعد[٤]:
إخوة الإيمان إنَّ معنى ليلة القدر مُستمدٌّ من اسمها، فمعنى القدر الشرف والتعظيم، ولعِظَم هذه الليلة، قدَّر الله أن يُغيَّر فيها المقادير، ويكتب فيها الأرزاق والآجال، وقد يكون اسمها مُستمدًّا من (القَدْرِ أي التضييق)؛ لأنَّ الملائكة تهبط بكثرة إلى الأرض في تلك الليلة فتضيق بهم.
إخوة الإسلام من خصائص ليلة القدر المباركة أنَّ العمل فيها بما يُرضي الله، خيرٌ من العبادات والأعمال في ألف شهر غيرها؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[٥]؛ لذلك يؤجر من قامها احتسابًا وإيمانًا بمغفرة ذنوبه المتقدِّمة جميعها، ومن فضالها أنَّ الملائكة تنزل فيها إلى الأرض، ولا ينزلون إلا بالبركة والرحمة والخير.
أيها الإخوة المسلمون إنَّ ليلة القدر أمان للمسلمين من كلِّ مخاوفهم؛ لقوله تعالى: {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[٦]، لأنَّ الله يعتق الكثيرين فيها من جهنم، ويسلمون من عذابها، وقال قتادة في تفسير الطبري: كلُّها خيرٌ إلى أن يطلع الفجر التالي، ومن فضائلها أنَّ الله تعالى أنزل فيها القرآن الكريم، الذي به هدى البشر، وفيه أساسات سعادتهم في الدنيا والآخرة، كما أنَّه سبحانه أنزل في فضلها سورة كاملة تُرتَّل إلى يوم القيامة.
خطبة عن كيفية إحياء ليلة القدر
الحمد لله الذي زين الإيمان في قلوب أوليائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، من اعتز بعزِّه لا يضام، ومن تكبَّر عليه لقي الآثام، والصلاة والسلام على نبينا وشفيعنا محمد على أفضل الصلاة والسلام، أما بعد[٧][٨]:
إخوة الإسلام إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العبادة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أكثر من اجتهاده طيلة العام، بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء، فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل، وأيقظ أهله وشد المئزر)[٩]، وقد حثَّنا عليه الصلاة والسلام على قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وفي حديث أبي هريرة أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)[١٠]، وهذا يدلُّ على مشروعية إحيائها بالقيام أي بالصلاة والدعاء.
إخوة الإيمان إنّ الدعاء من أهم العبادات للمسلم، والدعاء في ليلة القدر له فضل وأفضلية أكثر من أيِّ ليلة في السنة، وقد سنَّ صلى الله عليه وسلم أدعية تُقال فيها، مثل ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)[١١].
إخوة الإيمان إنَّ على المسلم الاستعداد لقيام الليلة الفضيلة بعد صلاة الفجر، مثل الحرص على قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومن الأعمال المُحبَّبة ليوفقنا الله لقيام هذه الليلة الحرص على تفطير صائم إما بإرسال إفطاره إليه، أو بدعوته إلى الإفطار، أو بإعطائه المال ليشتري فطوره، قال صلى الله عليه وسلم: (من فطّر صائمًا كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء)[١٢]، ومن الأفضل إخوة الإيمان أن يُحافظ المسلم على الصدقة طيلة العشر الأواخر؛ ليوفقه الله تعالى لقيام هذه الليلة، والحصول على أجرها العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- ↑ جماز الجماز، "ليلة القدر فضائل وأحكام"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 1/4/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:792، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:3690، صحيح.
- ↑ أحمد عبد الرحمن، "فضائل ليلة القدر"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 1/4/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية:2-3
- ↑ سورة القدر، آية:5
- ↑ "كيف نحيي ليلة القدر ومتى تكون ؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 1/4/2021. بتصرّف.
- ↑ لطيفة بنت عبد الله الجلعود، "كيف تكسب ليلة القدر؟"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 1/4/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1638، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2192، صحيح.
- ↑ رواه ابن دقيق العيد، في الإلمام بأحاديث الأحكام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:364، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن زيد بن خالد الجهني، الصفحة أو الرقم:3429، صحيح.