محتويات
محاسبة النفس
إن محاسبة النفس وحملها على ما يرضي رب العزّة، وإبعادها عن كل ما يُغضب الله تعالى، من الأمور التي تؤدي بالمسلم للفلاح في الدارين، وحسن العاقبة، إذ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]، لذا فإن محاسبة المسلم لنفسه لها أهميتها البالغة في حياته، فبها تستقيم النفس على الطاعة، وبها يزداد إيمان المرء قوةً، كما أنها نبراس القلوب وصلاحها، وبها تعرف النفس ذنوبها وتقصيرها، وما ترتكبه من سيئاتٍ وذنوب، مما يدفع المسلم إلى العمل الدؤوب في إصلاح نفسه، وإبعادها عمّا يهدد سلامة عقيدتها، إذ إنها تُحيط كلّ زللٍ بالتوبة، وتحذّر النفس من الوقوع في الغفلة، علاوةً على كونها من سِمات المؤمن الكيّس، إذ يقول في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ) [ المصدر: الخطب المنبرية| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولذلك فإنه لا بد للمسلم أن يحاسب نفسه ويؤنّبها، لما لذلك من عظيم الأثر وكريم الفوائد، وفي هذا المقال سنتحدث عن بعض الجوانب الهامة من فوائد محاسبة النفس[١].
فوائد محاسبة النفس
إن لمحاسبة النفس الكثير من الفوائد، منها ما يعود على الفرد، ومنها ما يعود على المجتمع بأكمله، وفيما يأتي أهم هذه الفوائد[٢]:
- تؤدي محاسبة النفس للاطلاع على ما تحتويه النفس من عيوب وتقصير، مما يساهم في علاجه، إذ إن من لا يطلع على عيب نفسه لم يتمكن من علاجه.
- تفيد محاسبة النفس بالسعي للتوبة، وتدارك الأخطاء وما وقع به المسلم من الزلل، علاوةً على الندم لارتكاب الخطأ.
- توصل محاسبة النفس إلى معرفة حقوق الله تعالى، فهي الأصل الذي تتمحور حوله محاسبة النفس.
- تُبقي محاسبة النفس على العبد منكسرًا أمام خالقه، ومتذللًا لعظمته جل في علاه، مما يَحيد بها عن الكبر والغرور والمجاهرة بالمعصية والتجرؤ عليها.
- تعرّف بعظيم فضل الله ورحمته وكرمه ومدى عفوه عن عباده المسلمين، إذ إنه لم يُعجل لهم العقوبة بل أمهلهم، لحين التوبة والاستغفار.
- توصل إلى الاجتهاد في الطاعات، وترك المعاصي، إذ إنه بمحاسبة النفس يرى المسلم مدى حجم ذنوبه فيحاول تجنبها خشية لحظة المحاسبة.
- تؤدي محاسبة النفس لفائدة عظيمة جدًّا، ألا وهي إعادة الحقوق لأصحابها، وإصلاح ما دخل في النفوس من غيظ.
أنواع محاسبة النفس
يوجد نوعان من المحاسبة للنّفس، وربما يكون لأحدهما الأفضلية على الآخر لكن في كليهما الخير والفضل، لأنّ المحاسبة دائمًا استشعار لمراقبة الله وسلطته، وفيما يأتي أنواع محاسبة النفس[٣]:
- محاسبة النّفس عند العمل: فبمجرد أن يهم الإنسان بعمل الشيء ويمتلئ بالإرادة يراوده شعور بتأنيب الضمير والضِّيق والتّردد، فيسأل نفسه هل أفعل هذا أم لا، ثم يتمعَّن في النتائج الممكنة ويتخيَّلها، ويحاسب نفسه ويلومها على الضرر المتوقع، وهل يكون هذا العمل لله، أم لغيره، وفي ذلك قال الحسن رحمه الله: "رحم الله عبدًا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر".
- محاسبة النفس بعد العمل: وهو أن يحاسب المسلم نفسه على تقصيره في الطاعات والعبادات، إذا لم يؤدِّها على الوجه الأمثل، ولم يفعلها كما ينبغي، إضافةً لمحاسبة النفس على كل عمل ترْكُهُ أَوْلى من فعْلِه، أو أن يحاسب نفسه على الأمور المباحة والمعتادة، لماذا فعلها، وهل كان يبغي بها وجه الله تعالى، أم كانت غايته غير ذلك.
أقوال السلف الصالح في محاسبة النفس
لقد فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم قيمة محاسبة المرء لنفسه، وعظيم فوائدها، وقد كان لهم العديد من الأقوال المأثورة في ذلك، وفيما يأتي بعضها[٤]:
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (من كتاب الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، ص 99، ص 633).
- قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القيامة: 2]: لا يُلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه؛ ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والعاجز يمضي قدمًا لا يُعاتِب نفسه، (من كتاب محاسبة النفس؛ لابن أبي الدنيا، ص 24، رقم: 4).
- قال مسروق رحمه الله: إن المرء لحقيقٌ أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر فيها ذنوبَه فيستغفر منها، (من كتاب الزهد؛ للإمام أحمد بن حنبل، ص 283، رقم: 2038).
- قال مالك بن دينار رحمه الله: رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله؛ فكان لها قائدًا، (من كتاب محاسبة النفس؛ لابن أبي الدنيا، ص 25، رقم:8).
- قال ميمون بن مهران رحمه الله: لا يكون العبد تقيًّا حتى يُحاسب نفسه كما يحاسب شريكه؛ من أين مطعمه وملبسه؟، (من كتاب سنن الترمذي، جـ 4، ص 219).
- قال إبراهيم التيمي رحمه الله: مثَّلْت نفسي في الجنة، آكل ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثَّلْت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها؛ فقلت لنفسي: أي نفسي، أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدَّ إلى الدنيا؛ فأعمل صالحًا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي، (من كتاب محاسبة النفس؛ لابن أبي الدنيا، ص 26، رقم: 10).
التربية ومحاسبة النفس
من الأمور التي يجب على الأم أن تربي أطفالها عليها هي الحق، وتنشئهم تنشأةً إسلامية صحيحة، كما يجب عليها تعليمهم الدين الإسلامي، واتباع الأساليب الصحيحة في تربيتهم، ولعل من الأمور التي يجب عليها أن تُعلمها لهم وتربيهم عليها محاسبة النفس، لما لها من الأثر العظيم في حياتهم، كما أسلفنا، كما يجب أن تربيهم على المنهج النبوي الحنيف، وسيرة السلف الصالح، وتعرف كيف كانت الصحابيات الجليلات يربين أولادهن، وأن تدرس ذلك دراسةً جادّة لفهم الأساليب التي يمكنها اتباعها في هذا الغرض، ليكونوا بذلك ذخرًا لها، في حياتها قبل موتها، هذا والله أعلم.[٥]
المراجع
- ↑ "محاسبة النفس"، almoslim، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "محاسبة النفس"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "أنواع محاسبة النفس"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "فوائد محاسبة النفس"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "كيف تربي المرأة أطفالها على الحق؟"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2019. بتصرّف.