الطريق إلى الهداية

الطريق إلى الهداية

ما هي طرق الهداية لله تعالى؟

جَعل الله تعالى للهِداية طَرق وأسباب تُعين على تَحقُقِها، ومِنها ما يلي[١][٢]:

  1. الدُعاء وطَلب الهِداية من الله تعالى؛ إذ يُعدّ طلب الدُعاء من الله من أهم الأسباب التي تَجلب الهِداية للمسلم، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[٣]، وعلى المسلم أن يدعو الله ويُلِحَّ في الدُعاء بأن يَشرح الله صدرة ويوفقه إلى طريق الهِداية وخاصَّة في أَوقات الاستجابة التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله، ومنها:آخر اللَّيل ويَوم الجُمعة والوقت بين الأذان والإقامة.
  2. الشعور بالفقر إلى الله سبحانه وتعالى؛ فالإنسان بدونه عزّ وجل لا شيء أبدًا، وليس له غنى عنه في الحصول على الثبات على طريق الحق والهدايّة ولو بطرفة عين.
  3. الإكثار من قراءة كتاب الله؛ إذ جَعل الله تعالى قِراءة القرآن الكريم من أسباب الهِداية ، قال تعالى: {إنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[٤]، لذلك على المسلم أن يَحرص على قِراءة القرآن الكريم قِراءةً فيها تَدَبُّرٌ لِمعانيه ووقوف على مقاصده لكي يَحصل على هِدايته عزّ وجلّ.
  4. اتِّباع سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ يُعد اتِّباع سنة النبي والاقتداء بها وقراءة الأحاديث الواردة فيها من الاسباب التي تُؤدي بالمسلم إلى طريق الهِداية.
  5. مجالسة الصالحين والحرص على البقاء مع الأشخاصالأخيار والجلوس معهم دائمًا واتخاذهم أصحابًا.
  6. اتباع أهل العِلم من المَشايخ المَعروفين بالخَير والصَلاح والحِرص على مُجالستهم والاستماع لأحاديثهم.
  7. التقرب إلى الله عزّ وجلّ بالأعمال الصالحة؛ وتشمل الأعمال الظاهرة والتي تؤدّيها الجوارح وتكون سببًا للهداية، ومنها: التعبّد والصلاة والصيام، والأعمال الباطنة التي تكون في قلب المؤمن، ومنها: الشعور بلذّة الإيمان وحلاوته، وحبّ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وغيرها.


مراتب الهداية في القرآن الكريم

ذُكرت مَراتب الهِداية في القرآن الكريم على أربع أنواع، وهي كما يلي[٥]:

  1. الهِداية العامَّة: يشمل كل الكائنات ولا يقتصر على الإنسان فحسب؛ إذ هدى الله تعالى الكائنات للأمور التي فيها صلاح لحالها وتَسيير لأمورها في هذا الكون، وجَعل الله تعالى طريقَ هِداية الكائنات بالفِطرة التي تُخلق عَليها، قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى*الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ*وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ}[٦]، والأمثلة على هذا النوع من الهِداية لا تُعد ولا تُحصى ومنها هِداية الله تعالى للكائنات لعمليّة التزاوج وهِدايته جَلَّ وعَلا للأجنّة في الأرحام، وهدايته النَحل ليخرج من مسكنة ويَتَنقّل في المراعي بين الأزهار ثم يعود إلى مَسكنة، ويَستطيع النَاس جَميعًا مُلاحظة هذا النوع من الهِداية من خلال مراقبة مَخلوقات الله مِن نبات وحيوان.
  2. الهِداية بالبيان والدلالة والإرشاد: يَخْتَص هذا النوع من الهِداية بالمُكَلَّفين مِن خَلق الله، ويَكون عن طريق إرسال الرُسل والكُتب السَماويَّة، قال تعالى مُخاطبًا النَبي صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[٧]، ويُعد هَذا النَوع من الهِداية أخَصْ من النوع السابق، لأنّه يَشمل المُكلَّفين من الخَلق فقط وهُنا مَوضِع الحُجَّة عَليهم يَوم القِيامة؛ إذ إنّ الله تعالى لا يُعذّب أَحد إلّا بَعد أنْ يُقيم عَليه الحُجَّة ويَبْعث الرُسل الذين بِدَورهم يُبيّنوا للناس طريق الصلاح وطريق الضَّلال، قال تعالى: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[٨]، ولا يَكون طريق الهِداية في هذا النوع إلزاميًّا للنَّاس فَيكون لَهم الخَيَار إمّا في اختيار طَريق الهِداية واتّباع أوامر الله تعالى أو الضَلال والكُفر بما نزَّل الله، وقد هيّأ الله سبحنه وتعالى لعباده المكلفين الوسائل التي تُساعدهم على اختيار طريق الهدايّة، ومنها: العقل والفطرة.
  3. الهِداية مع التوفيق والإلهام والمعونة: يكون هذا النوع أكثر تخصيصًا من الأنواع السابقة ويختلف عنها بأنّ الهِداية لا تكون بواسطة نبي أو ملك مُرسل من الله تعالى، إنّما هي خاصة بالله تعالى يُعطيها لمن تتحقق فيه شروطها وأسبابها، قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}[٩]، ولقد نفى الله تعالى هذه الهدايّة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[١٠]، ولحدوث هذا النوع من الهِداية يلزم شرطين أولهما فعل الله تعالى بهِداية العبد والثاني الفعل المُتعلّق بالعبد وهو الاهتداء ويكون نتيجة للفعل الأول، وينفي الله تعالى هذا النوع عن الظالمين والفاسقين والكاذبين والمسرفين.
  4. الهِداية إلى الجنة أو إلى النَّار يوم القيامة: يكون هذا النوع آخر مراتب الهِداية، ويَعتمد على الهِداية في الحَياةِ الدُنيا واتّباع الرِسالة التي أَرسَل بِها الله تعالى رُسلة لتكون النتيجة يوم القيامة عُبور الصِراط المَنصوب فَوق جَهنَّم والفَوز بالجنَّة.


أسباب تؤدي إلى انحراف الإنسان عن طريق الهداية

يُولد الناس على الفطرة السَليمة، ثُم تَدخل في حياته عوامل قد تُؤَثر عليه وتَصْرِفَه عن طريق الهِداية والفَلاح ولِهذا الانحراف أسبابٌ نَذكر منها ما يلي[١١]:

  1. خُبث النَفس: عِندما تَكون النَفس خَبيثةٌ فإنّ صاحبها يَضِلُ عن طريق الهِداية ولا يَتَّبع ما أمر الله تعالى به، قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}[١٢]، وَجَعَل الله تَعالى لمن يُعرض عن ذِكر الله قَرين سُوء لا يُرشده إلا للضَلال.
  2. اتِّباعُ الهَوى: إذا سَيطر الهَوى على العقل أدّى بِصاحبه للضَلال والبُعد عن المسار الصحيح، فيُصبح الإنسان عبدًا لهواه يَرى الضرر لكنّه يقترب منه، قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّه}[١٣]، والمُدمن على اتّباع هواه يعرف الخطأ ويعلم الصواب لكنّه يختار الخَطأ.
  3. الفَراغ: إذا لم يَهتم الانسان بالوقت وبأمور دُنياه آخِرَتِه فإنّه يعيش في غَفلة عن الهَدف الرَئيس الذي خُلق من أجله، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[١٤]، ويَنبغي على المُؤمن أن يَحرص على مِلئ وقت فراغة بما فيه مرضاة لله تعالى من أعمال صالحة تنفع الناس وتنفعه في الآخرة.
  4. الصُحبة الفاسدة: تُعد مُصاحبة رُفقاء السُوء من الأمور التي تؤدي إلى انحراف الناس عن طريق الهداية والفلاح والوقوع في الآثام والمعاصي.
  5. استبعاد الموت: عِندما يعيش الانسان على أمَل أنّه مُخَلَّد في هذه الدُنيا أو أنّه صَغيرٌ على المَوت ويَنسى أنّه قد يَموت في أيّ لحظة، فَهو في هذه الحالة سينسى ذِكر الله ويَغفل عمَّا يَنفعه في الآخرة.


قصص عن الهداية والضلال

نَذكر هُنا قِصة رجلٍ تَابَ إلى الله تعالى بعدما كان قد انْغَمَس في الذُنوب، ويُذكر أنَّ هذا الرجل كان جُنديًّا يَعمل في الحِراسة لكنَّه أسرف على نفسه في المَعاصي في بِداية حياته وكان بعيدًا عن الصلاة والعبادات ولا يَهتم حتى بأمور الطَهارة، وكان الله قد أعطاه قوّة الجسم لكن قلبة كان ضَعيفًا مهزوم الإرادة، يَعيش في الحياة بلا هدف، وكثير الاستهزاء بالدين والمُتَدينين ولا يَقبل أي نَصيحة يُقدمها له دَاعية أو شَيخ، وزَاد على ذلك أنّه كان عَاقًا لِوالديه.


لكن في أحد الأيام وأثناء نَوبة حِراسته نَادى المُؤذن للصلاة وبدأ الناس يَتجهون للمسجد وهو مكانه لا يَهتم بذلك إلى أن سَمِع صَوت أحد الدُعاء يَرتفع بعد أن أكملوا صلاة العَصر وبَدأ يَصف الجنَّة والنَّار وأهوال يَوم القِيامة، وكان هذا الرجل في هذه الحالة مُسَلِّمًا سَمعة لما يقول الداعية حتى دَخل الكَلام إلى قلبه مُباشرة وبَكى عَلى نفسه، ثم انتظر إلى أنهى عَمله وكان قد عزم على أن يَرجع إلى الله تعالى وعاش بعدها وصَلُحَ عَمَلُه[١٥].

  1. الشيخ أحمد الفقيهي (10/10/2009)، "الهداية والثبات عليها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2021. بتصرّف.
  2. "من أسباب الهداية"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2021. بتصرّف.
  3. سورة غافر، آية:60
  4. سورة الإسراء، آية:9
  5. محمد فتحي حسان (16/5/2010)، "مراتب الهداية في القرآن الكريم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2021. بتصرّف.
  6. سورة الأعلى، آية:1-3
  7. سورة الشورى، آية:52
  8. سورة النساء، آية:165
  9. سورة مريم، آية:76
  10. سورة القصص ، آية:56
  11. الشيخ عائض القرني، "أسباب الانحراف"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2021. بتصرّف.
  12. سورة الأنفال، آية:23
  13. سورة ص، آية:26
  14. سورة المؤمنون، آية:115
  15. الشيخ عائض بن عبدالله القرني (13/8/2007)، "قصة عائد إلى الله"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :