خلق الإنسان
لقد كرّم الله آدم بأن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه المقدّسة، ولمّا أتم خلقه أمر ملائكته بالسجود له من باب التكريم، فقال الله تعالى في محكم التنزيل: { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ﴿٧١﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٧٢﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٧٣﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [ ص: 71-74]، كما أن الله تعالى جعل آدم وذريته خلفاءه في الأرض، إذ قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 30-31]، فسجد له الملائكة كلّهم إلّا إبليس أبى ذلك متكبرًا، فأخزاه الله تعالى وأخرجه من الجنّة، ولعل المتمعّن في هذه الأحداث يتضح له جليًّا أن لآدم وذريته شأن عظيم عند رب العالمين، أما عن كيفية خلق آدم، والمراحل التي توالت في خلقه فهو ما سنتحدث عنه في هذا المقال[١].
خلق الإنسان من تراب
لقد بدأ الله تعالى خلق الإنسان من التراب، فقال تعالى في ذلك: { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [فاطر: 11]، ثم إن علماء الدين الإسلامي قسموا مراحل خلق الإنسان الأول إلى مراحل سنذكرها فيما يأتي[٢]:
- الطين: إن أول مرحلة من خلق الإنسان كانت من مزج التراب مع الماء، والذي يُدعى بالطين، إذ إنه المكون الأول لخلق آدم عليه السلام، قال تعالى: { ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } [السجدة: 6-9]، كما أن الله تعالى وضّح لنا هيئة ذلك الطين، إذ قال: { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ } [الصافات: 11]، أي أنه كان طينًا لازبًا يشد بعضه بعضًا، ويشار إلى أن اختلاف البشر بألوانهم وطبائعهم يعود إلى اختلاف التراب الذي خُلقوا منه أول مرة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خَلَقَ آدَمَ مِن قَبضةٍ قَبَضَها مِن جَميعِ الأرضِ، فجاء بَنو آدَمَ على قَدْرِ الأرضِ، جاء منهم الأبيَضُ والأحمرُ والأسوَدُ، وبيْنَ ذلك، والخَبيثُ والطَّيِّبُ، والسَّهلُ والحَزْنُ، وبيْنَ ذلك) [ المصدر: تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- الحمأ المسنون: في المرحلة الثانية من خلق الله تعالى للإنسان؛ ترك الطين اللازب حتى صار حمًأ مسنونًا، فقال تعالى في ذلك: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ } [الحجر: 26]، والمعنى من الحمأ أنه الطين الأسود المتغير، أما المسنون ففيه اختلاف، فمنهم من قال أنه المُصوّر، ومنهم من قال أنه المصبوب المفرغ، وقيل أنه الأملس، وقيل أنه المنتن.
- مرحلة الصلصال: بعد أن أصبح الطين حمأً مسنونًا، صار بعد ذلك صلصالًا كالفخار، قال تعالى: { خَلَقَ الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } [الرحمن: 14-15]، أما عن معنى الصلصال فهو الطين اليابس الذي يُصدر صوتًا إذا ضرب بشيء، أما إذا مسّته النار صار فخارًا.
- نفخ الروح: بعد أن خلق الله تعالى الإنسان من تراب ثم طين، ثم صَوّره، ثم يَبس فصار صلصالًا؛ بث فيه الروح في المرحلة الأخيرة من خلقه، قال تعالى: { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ص: 71-72]، أما عن الروح في حد ذاتها فهي من الأمور الغيبية التي لا يعلم ماهيتها إلا الله تعالى، يقول تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } [الإسراء: 85].
أما عن المدة الزمنية لهذه المراحل فلم يُخبرنا بها الله تعالى في القرآن الكريم ولا رسوله في الأحاديث الصحيحة، وفي هذا يقول صاحب الظلال: ( ما كان لهذا الكائنِ الصغير الحجم، المحدود القوة، القصير الأَجَل، المحدود المعرفة، ما كان له أن ينال شيئًا من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة (النفخة العلوية التي جعلت منه إنسانًا) وإلا فمَن هو؟ إنه ذلك الخلق الصغير الضئيل الهزيل الذي يحيا على هذا الكوكب الأرضي مع ملايين الأنواع والأجناس من الأحياء، وما الكوكب الأرضي إلا تابعٌ صغير من توابعِ أحدِ النجوم، ومن هذه النجوم ملايين الملايين في ذلك الفضاء الذي لا يدري إلا الله مداه.. فماذا يبلغ هذا الإنسان لتسجدَ له ملائكة الرحمن إلا بهذا السر اللطيف العظيم؟! إنه بهذا السر كريم كريم، فإذا تخلَّى عنه أو اعتصم منه ارتدَّ إلى أصله الزهيد من طين) [ من كتاب التفسير التربوي ج 3: ص 145].
الحكمة من خلق البشر
إن الله تعالى صاحب الحكمة المطلقة؛ فما من شيء خلقه إلا وله حكمةً وسببًا، منها ما أعلمنا به ومنها ما استأثر به في علمه الواسع، ولعل أول من تساءل عن حكمة الله من خلق البشر هم الملائكة، وقد تقدم ذكر الآيات الدالة على ذلك، ولعل الخير الحاصل من خلق آدم والبشرية أضعاف الشر الذي أحدثوه في الأرض، إذ تحقق بخلقه الكثير من العبودية لله تعالى، ونشر الشريعة الإلهية العظيمة، كما ظهر بخلق آدم ما كان يُخفيه إبليس من شرٍّ في نفسه، أما ما ذكره القرآن عن ذلك فقد قال تعالى :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]، كما قال أيضًا: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115-116]، إذ إن هذه الآيات المباركة تؤكد على أن خلق الإنسان ما كان إلا لعبادة الله تعالى، وإعمار الأرض بالعبادات والطاعات، كما أن في ذلك إعمارًا لجنّة الرحمن، وما إلى ذلك من خيرات من خلق البشرية، ولذلك فالواجب على المسلم أن يسعى في هذه الأرض ليكون من عباد الله الذين اصطفاهم، وفضّلهم على كثيرٍ من خلقه تفضيلًا[٣].
المراجع
- ↑ "خلق الإنسان"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أطوار خلق الإنسان في القرآن بين الإعجاز التربوي والإعجاز العلمي"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الحكمه من خلق الله تعالى الإنسان"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.