محتويات
سجود التلاوة
شَرع الله تعالى للمُسلم الكثير من السُّنن والنّوافل التي تُعين العبد على التقرُّب من الله تعالى والحصول على الأجر العظيم، ومن هذه النوافل ما يُعرف بسجود التّلاوة، ويكون هذا السجود عند تلاوة آيات قرآنية تحتوي على سجدة، ويُساعد هذا السجود العبد في أكثر من جانب أهمها اتباع سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك يحصل العبد على الأجر الكبير، وزيادة الخُشوع عند القارئ، ومن الأدلة على مشروعيَّة سجود التلاوة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107]، ومن الأدلّة أيضًا ما رُوي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ ونَسْجُدُ معهُ، حتَّى ما يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١].
كيفية سجدة التلاوة
يَكون سُجود التلاوة مثل سجود الصلاة؛ فيُكبّر المرء ويسجد على الأعضاء السبعة، ثم يقول: (سبحانَ ربِّيَ الأعلى)، (سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك اللهمَّ اغفرْ لي)، ثم يدعو بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ لكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ثم يقول: (اللَّهمَّ اكتب لي بها عندَكَ أجرًا وضع عنِّي بها وزرًا واجعلْها لي عندَكَ ذخرًا وتقبَّلْها منِّي كما تقبَّلتَها من عبدِكَ داودَ) [شرح سنن الترمذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، بعدها يقوم دون أن يكبر أو يسلم، وأمّا السجود في الصلاة فيُكَبَّر عند السُجود وعند الرفع من السجود، وبذلك لا يختلف عن سجود الصلاة العادية، ولا فرق إذا كان السجود في آخر آية قُرئت، أو إذا كان السجود أثناء القراءة، فإن المُصلي يُكبِّر عند السجود وعند الرفع، ثم يُكَبِّر إذا نزل للرُكوع، ولا ضرر من تتابع التكبيرتين؛ لأنّ لكُلِّ واحدة منهما سببًا مُختلفًا عن الآخر، ويُخطئ البعض في عدم التفريق بين كيفية السجود داخل الصلاة أو خارجها، فيسجد البعض داخل الصلاة دون أن يُكبر عند السجود أو الرفع ولا يعلم لهذا الفعل أصل في السُنَّة النبويَّة[٢].
أحكام سجود التلاوة
للسجود أحكام مختلفة، نذكر منها ما يلي[٣]:
- سجود التلاوة مشروع، وهو سُنَّة قام بها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتكون عند المرور بمواضع السجدة في قراءة القرآن الكريم إما داخل الصلاة أو خارجها.
- يرى معظم أهل العلم بمشروعيَّة سجود التلاوة في الصلاة الجهريَّة والسريَّة، وتكون في الصلاة المفروضة أو صلاة النافلة، ويَرى البعض أن السجود في صلاة الجماعة السريَّة يُمكن أن يُسبب بَلْبَلَة في الصلاة إلا في حال تنبيه الإمام للمُصلين قبل البدء بالصلاة أنَّه سوف يسجد سجدة تلاوة في الصلاة.
- لسجود التلاوة فضل كبير بَيَّنه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (إذا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطانُ يَبْكِي، يقولُ: يا ويْلَهُ، وفي رِوايَةِ أبِي كُرَيْبٍ: يا ويْلِي، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجُودِ فأبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- إذا سجد القارئ أصبح لزامًا على المُستمع أن يَسجد لأنه مأمومٌ به، وهذا ما ذكره ابن بطّال حين قال: "أجمعوا على أن القارئ إذا سجد، لزم على المُستمع أن يسجد".
- يرى جمهور العلماء أن شروط الصلاة العاديَّة من الطهارة، واستقبال القبلة والستر للعورة تنطبق على سجود التلاوة، ولكن بعض العلماء كان لهم رأي آخر؛ إذ ورد في قول الشَّوكاني أنه لم يرى في السُنَّة النبويَّة ما يُبين أن الوضوء من شروط سجود التلاوة، وذكر البُخاري أن ابن عمر كان يسجد دون وضوء، وهذا هو الراجح عند ابن تيمية أيضًا.
- سُجود التلاوة من الأعمال المُستحبة، ولكن إذا لم يسجد القارئ فليس عليه من شيء، ولا أصل في السُنَّة لما يقوم به البعض من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير أربع مرات، وينطبق ذلك أيضًا على الإمام في الصلاة؛ فإن لم يسجد سجود التلاوة لا يؤثم.
- لا يُشترط في من مرَّ بالسجدة وهو يقرأ القرآن خارج الصلاة وهو جالس أن يقوم لِيسجد من القيام.
- يَرى الشيخ ابن عثيمين أَنَّه لا يوجد في السُنَّة ما يُحدد أنه يجب على من يسجد التكبير في النزول والرفع وأنَّه لا حرج علية إذا لم يُكبِّر حتى وإن كان في الصلاة.
مواضع سجود التلاوة
وردت سجدة التلاوة في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا وهي كالآتي[٤]:
- سورة الأعراف الآية 206.
- سورة الرعد الآية 15.
- سورة النحل الآية 49.
- سورة الإسراء الآية 107.
- سورة مريم الآية 58.
- سورة الحج الآية 18.
- سورة الحج الآية 77.
- سورة الفرقان الآية 60.
- سورة النمل الآية 25.
- سورة السجدة الآية 15.
- سورة ص الآية 24.
- سورة فصلت الآية37.
- سورة النجم الآية 62.
- سورة الانشقاق الآية 21.
- سورة العلق الآية 19.
سجود التلاوة عند المذاهب الأربعة
يختلف تعريف وأحكام سجود التلاوة في المذاهب الأربعة، وتاليًا بيان رأي كل مذهب[٥]:
- المَذهب الحنفي: يُعرِّف أصحاب هذا المذهب سُجود التلاوة على أنه سَجده واحدة بين تكبيرتين، الأولى عند السجود والثانية عند الرفع، والتكبيرتان من السُنَّة فَتَصح السجدة دون التكبير مع كراهية ذلك بشرط النزول ووضع الجبهة على الأرض، ولا يكون في هذا السجود تَشَهُّد، ويُقال عند السجود: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات، ويجوز أن يُدعى بأي ورد، ويستحب أن يكون السجود من الوقوف، فمن قرأها قاعدًا يقف ثم ينزل ساجدًا، أما إذا مرَّ القارئ على أكثر من آية فيها سجود فَيَكفيه أن يسجد مرَّة واحدة طالما هو في نفس المجلس.
- المذهب الحنبلي: يُعَرِّف أصحاب هذا المذهب سجدة التلاوة على أنها السجود بتكبيرتين ودون تكبيرة الإحرام، وتكون التكبيرتان عند وضع الجبهة على الأرض وعند رفعها، ولا يكون فيها تَشَهُّد، غير أنَّه من المندوب أن يجلس الساجد إذا لم يكن في الصلاة لأجل أن يُسَلِّم وهو جالس، ولا تُعد التكبيرتان من الأركان في السجدة، ولكنهما واجبتان، وأركان السَجدة عندهم ثلاثة: السجود والرفع والتسليمة الأولى، أما التسليمة الثانية فليست من الأركان وليست واجبة، ويكون الدُعاء عندهم كما هو عند أصحاب المذهب الحنفي.
- المذهب المالكي: يُعَرِّف أصحاب هذا المذهب سجود التلاوة على أنه سجود بسجدة واحدة دون تكبيرة الإحرام، ولكن يكون التكبير للهوي وللرفع استئناسًا، وإذا كان قائمًا ينزل لها إن كان في الصلاة أو خارجها، ولا يُشترط الجلوس ولكن يُسجد كما يَسجد المُصلي في صلاته، وإذا كان على دابة فعليه أن ينزل ويسجد على الأرض؛ إلا في حالة السفر، وإن كان مقيمًا فيجب أن تتوفر فيه شروط صلاة النفل على الدابة، ويكون سجوده بالإيماء، ويكون دُعاؤه في السجود كما في المَذهبين الحنفي والحنبلي.
- المَذهب الشافعي: يرى أصحاب هذا المذهب أن سجود التلاوة يكون للمتلبس في الصلاة أو غيره، وعلى غير المُصلي أن يَنوي بلسانه ويكبر بتكبيرة الإحرام وبعدها يَسجد سجدةً واحدة مثلما يفعل في الصلاة، ثُم يجلس ويُسلِّم، وأركان السجدة لمن كان خارج الصلاة خمسة، أما في الصلاة فتتحقق السجدة بشرطين الأول النيَّة وتكون في القلب وإذا لُفظت بَطُلت الصلاة، والثاني السجود كما في الصلاة، ويَكفي المأموم نيَّة الإمام، ويُشترط لمن لم يكن في الصلاة أن يقارن ما بين النيَّة وتكبيرة الإحرام، ومن السُنَّة رفع اليدين في تكبيرة الاحرام، ومن السُنَّة أيضًا التكبير عند النزول للسجود وعند الرفع، ويكون الدُعاء كما في المذاهب الأُخرى.
المراجع
- ↑ خالد بن سعود البليهد، "أحكام سجود التلاوة"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-8. بتصرّف.
- ↑ "الكيفية الصحيحة لسجود التلاوة"، islamway، 2007-11-17، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-8. بتصرّف.
- ↑ رامي حنفي محمود (2013-3-17)، "ملخص أحكام سجود (التلاوة - الشكر - السهو)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-8. بتصرّف.
- ↑ "مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم"، islamqa.info، 24-06-1999، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2020. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الجزيري، "الفقه على المذاهب الأربعة"، islamport، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-8. بتصرّف.