شرح سورة الحج
في يلي سنذكر شرحًا مبسطًا لآيات سورة الحج[١][٢]:
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}: يخطب الله عز وجل بالناس كافة ويحثهم على التقوى وما يعين عليها من أخبارهم بأهوال يوم القيامة.
- {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}: في ذلك اليوم "يوم القيامة" ومن شدة الفزع والخوف تنسى وتضع كل مرضعةٍ ما أرضعت، وكذلك تَلد الحامل قبل أوان حملها من شدة الفزع، ويحسب الرائي أنه يرى الناس سكارى، ولكنهم في الحقيقة غير ذلك ولكن يضنهم من شدة خوفهم من يوم الحساب.
- {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ}:أي أنه توجد فئة من الناس تريد إسكات الحق بالباطل، ويسلكون سلوك كل عدوٍ لله ورسوله، ليصبحوا من دعاة الضلال.
- {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}:يقول الله سبحانه وتعالى أنه من اتبع الشيطان ومن يتولاه سيضله و يبعده عن طريق الصلاح والاستقامة؛ ليتعذب في نار جهنم.
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}: يفتتح الله عز وجل ومخاطبًا الناس كافة أنه إن كان في قلبك شك من البعث فإليكم أيها الناس ما تستدلون به دلائل عقليه ومنطقية على وجود البعث، وهما دليلين الأول فهو بداية الخلق؛ فكما خلقكم الله سيخلقكم مرة أخرى، فخلقكم من التراب ثم من نطفة أي مني، ثم يَتناول تكون الإنسان بعد النطفة إلى العلقة ويتبعها بالمضغة؛ أي تكون دمًا أحمر ثم تتحول إلى علقة أي المضغة، وقد تكون هذه المضغة مُخلّقة أي على شكل الإنسان أو غير مُخلّقة تقذف بالأرحام قبل أن تُخلق، وجعل الله هذا التراكم في الخلق ليبين لنا حكمته، ويكون الحمل مدة هو الأجل المسمى.
- {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هو الذي يخلق ويُحيّ الموتى، ويصف نفسه تعالى بالقدرة المطلقة فهو على كل شيء قدير.
- {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}: إن يوم الحساب قادم ولا شك في ذلك، فيبعث الله من في قبورهم لحسابهم على أعمالهم.
- {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}: من الناس من يَتبع الشيطان في مجادلة الله ورسله وما أتوا به من حق، وما يجادلون إلا بالباطل بغير علم، ولا هُدى يستنار به ولا حتى حُجَّة أو كتاب منطقي عقلي للجدال.
- {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}: "ثَانِيَ عِطْفِهِ" أي: لاوي جانبه وعنقه، أي إن الناس الذين ذكروا في الآية السابقة تراهم متكبرين عن "الحق" وهو سبيل الله عز وجل فيعدهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بالخزي بالحياة الدنيا وله عذاب جهنم الحارقة يوم القيامة.
- {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}: يقول الله سبحانه وتعالى للكافر المذكور في الآيتين السابقتين أنه لا يظلم أحد من خلقه، وأن جزائك اليوم عادل بما قَدمتَ من أعمال وتَكبرٍ على الإيمان بالله.
- {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}: يقول الله سبحانه وتعالى من الناس من يعبد الله عندما يكون في رغد العيش وفي نعيم الدنيا، وإن أصابه امتحان واختبار من الله فيرتد عن إيمانه؛ ذلك الشخص قد خسر دنياه وأخرته معًا فلا هو حاز الدنيا بانقلابه عن إيمانه، وقد خسر أخرته بهذا الفعل، فيصف الله هذا الخسران بالخسران المُبين أي الواضح البيّن.
- {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}: والشخص المذكور بالأوصاف السابقة فإنه يدعو من عباد الله ومن هم لا يضرون ولا ينفعون من أحد فبيد الله سبحان وتعالى كل الأمر، فيصف الله سبحان وتعالى هذا الفعل بالضلال البعيد، وهو أبعد ضلال يمكن أن يصله الإنسان؛ فيدعو من هم من دون الله ويترك دعاء الله سبحانه وتعالى.
- {يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}: ترى هذا الإنسان يدعو من هو مثله ومن هو أقل مرتبة منه حتى، فإن الذي يدعوه يضره وضرره حاصل في دنياه وأخرته في بدنه ونفسه، فلبَئِسَ المعبود ولبَئِسَ الملازم على صحبته، والمقصود بالمولى والعشيرة هو دفع حصول النفع ودفع الضرر.
- {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}: يذكر الله الذين أمنوا به وعملوا من بعد إيمانهم الصالحات بجنات النعيم التي تجري من تحتها الأنهار، وهو وصف بليغٌ بمعنى النعيم المقيم والكبير، وإن مشيئة الله هي التي تحصل دون مانع أو حاصل، بمعنى هنا دخول أهل الجنة الجنة.
- {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}: من يَظن أن الله سبحان وتعالى لن ينصر رسوله في الدنيا والآخرة فلينظر في معاداته وغيضهِ في محاربته الله ورسوله هل تأتي بنتيجة، ويقول الله سبحانه وتعالى متحديًا هذا الذي يريد محاربة رسوله ودعوته فلتمدد بِسببٍ تَصعد به إلى السموات ولِتغلق الأبواب التي يأتي بها النصر لتكتم كَيدك وغيظك، وأما دون ذلك فلا تفكر به حتى، وفي هذه الآية تأييد من الله لرسوله الكريم والمؤمنين بالنصر المبّين على الكافرين.
- {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ}: كذلك أنزل الله تعالى آيات واضحات مفصلات، وأنه هو يهدي من يشاء.
- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}: يخبر الله أنهم سيجمع الناس بكل طوائفهم يوم القيامة ويحكم بينهم بالعدل، وسيجازي كل الناس بأعمالهم التي شهدها عليهم وهو على كل شيء مُطلع وشَهيد.
- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، ألم ترىَ يا محمد فًتعلم أن كل ما في السموات من ملائكة، وشمس وقمر، ونجوم، ومن في الأرض من جن وأنس ودواب وشجر وجبال يسجد لله تبارك وتعالى.
- {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}: هذان خصمان -أي الكفار والمؤمنين - اختصموا فكل يدعي أن لديه الحق، فيعد الله سبحانه وتعالى الذين كفروا بثياب من النار ويصب فوق رؤؤسهم الماء الحار.
- {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}: فيصهر بالماء الحار بطونهم وأمعاءهم وجلودهم من شدة حرارته.
- {وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}:يصف الله سبحانه وتعالى ملائكة العذاب بالغلاظ الشداد، ولهم مقامع من حديد يَضربون بها أهل النار.
- {كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}: فلا يتوقف عنهم العذاب الخارق للبدن والنفس.
- {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}: يذكر الله الذين أمنوا به وعملوا من بعد إيمانهم الصالحات بجنات النعيم التي تجري من تحتها الأنهار، وهو وصف بليغٌ للجنات التي تحوي كذلك الذهب واللؤلؤ واللباس الحرير.
- {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}: هذا النعيم للمؤمنين في الجنة لأنهم هُدوا إلى طيب القول من الإخلاص والتوحيد ومن سائر الكلام الطيب، وهُدوا إلى الصراط المحمود عند الله سبحانه وتعالى.
- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}: وجوب تعظيم الحرم وعدم عِصْيَان الله فيه، وكيف يصد الكفار الناس عن سبيل الله فسيذيقهم عظيم قوي وشديد.
- {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}: يعظم الله سبحانه وتعالى مكانة نبينا إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة وأمره بعدم الشرك بالله من شيء، وأمره بتطهير بيته الحرام من الأنجاس لكي يطوف به الطائفون،ويكون مكانًا للاعتكاف، وللركع السجود أي المصلين به.
- {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}: نادي يا إبراهيم بالناس وأبلغهم بالحج يأتك الناس رجالا أي على أرجلهم، وعلى كل ناقة يأتون من كل بلد بعيد.
- {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}: ذكر لفوائد زيارة بيت الله الحرام، منها الدينية لتي تكون في أيام معلومات من ذكر وعبادة لا تكون إلا به، وكذلك دنيوية من ذبح للأضاحي وتقديم الهدايا وإطعام شديد الفقر من هذه الأضاحي.
- {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}: ليقضوا نسكهم ويطهروا أنفسهم من الأذى والأوساخ، ويوفوا بالنذر من العمرة والحج وليطوفوا بالبيت العتيق أي بيت الله الحرام، والمعتق من تسلط الجبابرة.
- {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور}: ومن يعظم حرمات الله من الأحكام ومناسك الحج فإن الله يحب ذلك في عباده، واتبعها بذكر الأنعام التي أنعهما على عباده من الأغنام والإبل والبقر، واستثناه ما حرم في القرآن، وأمر باجتناب الرجس أي الخبث والقذارة من الأنداد لله تبارك وتعالى، كذلك واجتناب الأقوال من المحرمات ومنها قول الزور.
- {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق}: يأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأن يكون موحدين غير مشركين على أن يكون من أشرك كأنما سقط من السماء فتقطعه الطير بسرعة أو تذهب به الريح إلى مكانٍ بعيد.
- {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}: ذلك فمن يعظم مناسكَ الله وأعلامَ الدين فإنه من التقوى التي في القلب ودليل على صحة الإيمان.
- {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق}: لكم في الهدايا أي الأنعام منافع من حلب وركوب إلى وقت ذبحها، وإلى مكانها وهو البيت العتيق.
- {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}: فكان لكل أمّة منسكًا، فاستبقوا الخيرات وسارعوا إليها، وباختلاف أجناس الشرائع والأمم فقد اتفقوا على إلوهية الله سبحانه وتعالى ووحدانيته، فله اسلموا وفي نهاية الآية بشارة للموحدين المستسلمين لله سبحانه وتعالى والخاضعين له.
- {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}: من صفات المخبتين الذين ذكروا بالآية السابقة الذين إذ ذكر الله وجلت قلوبهم وانتهوا عن فعل المحرمات والمنكرات لخوف قلوبهم من الله، ومن صفاتهم الصبر عند نزل الشدائد وإقامة الصلاة التامة المحمودة، واللذين ينفقون مما أعطاهم الله سبحانه وتعالى.
- {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: البدن أي الأنعام، ويَذُكر في هذه الآية هذا دليل على أن الشعائر عام، في جميع أعلام الدين الظاهرة.
- {لن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}: لن ينال الله من لحوم أضحيتكم ودمائها من شيء فهو الغني الحميد، ولكن الأضحية يراد بها التقوى والإخلاص في النحر ليكون لوجه الله خالصًا، وفيه بشرى لمن حسن إيمانه.
- {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}: بشارة بأن الله يدافع عن المؤمنين وأنه لا يحب كل من خُون عهده وأمانته التي حملها الله إياها.
- {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}: في هذه الآية إذنٌ للمسلمين بالقتال بعد خروجهم من مكة وهجرتهم للمدينة بعد أَن سُمح الله لهم، وذلك بسبب الظلم من الكفار، والله هو الناصر لهم.
- {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}: والمسلمون الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق فلولا أن قالوا ربنا الله ووحدوه مخلصين، ولولا دفع الله المجاهدين للقتال في سبيله لهدمت صوامع لأهل الكتاب ومساجد للمسلمين يذكر فيها اسمه، وفي الآية نصر وتأييد من الله عز وجل لعباده الناصرين له وهو القوي العزيز الممتنع.
- {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}: وصفة هؤلاء الذين ينصرون الله بحق المذكورين بالآية السابقة بأنهم إذا مُكّنوا في الأرض وأخذوا السلطة فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونهوا عما حرم الله، ولله نهاية الأمر وعاقبته.
- {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ}: يخاطب الله سبحانه وتعالى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويقول وإن يكذبك المشركون فكذلك كُذب من قَبلك الرسل من قبل من قوم نوح وعاد وثمود.
- {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ}: واستطرد بذكر قومي إبراهيم ولوط عليهم السلام.
- {وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}: كذلك الأمر قوم شعيب وقد كذب موسى عليه السلام وأستمر الكافرون في طغيانهم وظلمهم، فأخذهم عذاب مقتدر عزيز.
- {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}: وكم من قرية كان أهلها ظالمين أهلكناهم وجدرانها وقصورها مهدمة خاوية على عروشها، وكم من بئر كان عليه الناس مجتمعين وكم من قصور مشيدة ومزخرفة أصبحت خاوية وجعلهم الله عبر لغيرهم من الأمم ليس لشيء سوا ظلمهم الأنبياء ولتكبرهم عن رسالة الله.
- {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}:ألم يسير المؤمنون بالأرض لينظروا من آيات الله بقلوبهم وأجسادهم، لينظروا من آيات الله ويسمعوا أخبار الأمم السابقة بآذانهم، وأن العُمى ليس في البصر والرؤيا إنما العُمي الذين لا يرون الحق وهو أمامهم بقلوبهم، وذلك هو العَمى الحقيقي.
- {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}: ومن كبر الكافرين وتكذيبهم لرسالة ربهم يستعجلون بالعذاب مستهزئين فيعدهم الله وعد الحق بأنه لن يخلف وعده، وأن يوم عند الله كألف سنة مما يعد البشر في أيامهم وذلك في رسالة لهول العذاب وأمده.
- {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}: كقرية أعطاها الله سبحانه وتعالى الأمد للتوبة والرجوع عن ظلمها الحاصل بعدم الأيمان به فما زادت إلا استكبارًا عن الله وظلًا وجحودًا، فأخذها الله في العذاب في الدنيا وسيلقاها في الآخرة للحساب على أعمالهم الظالمة.
- {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}: يأمر الله تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ينذر الناس كافة.
- {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}: والمؤمنين بالبَشائر والرزق الكريم.
- {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}: وأما الكافرين المستكبرين على آيات الله بالعذاب وأنهم من أصحاب الجحيم.
- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: مخاطبًا الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويخبره وما أرسلنا من قبلك من نَبي أو رسول يبلغ بالقراءة والقول إلا ألقى الشيطان في قراءته من طرق ومكايد وهذه المكايد غير مستقرة ومستمرة فتنتهي بثبوت بآيات ويحفظها الله بحكمه، والله هو العالم الحكيم بكل شيء.
- {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}: فتكون المكايد والمصائد التي وضعها لشيطان فتنة للقلوب الضعيفة، والمريضة، والقاسية عن آيات الله، وإن في ذلك ظلم في حق الله وحقهم ولذلك فهم في شقاق بعيد من الحق.
- {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}: ليعلم من لديهم العلم بالحق منه ويؤمنوا به إيمانًا تامًا فتخشع به قلوبهم، فهو الذي يهدي المؤمنين إلى سبيله وصراطه المستقيم القويم.
- {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ}: لا يزال الذين كفروا في استكبارٍ عن رسالة الله وفي ريب حتى يأتيهم يوم الحساب بغتة أي فجأة أو حتى يأتيهم عذاب لا خير فيه.
- {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}: الملك يوم القيامة لله وحده وهو الذي يحكم بالذين آمنوا به بالعدل وعملوا الصالحات ويدخلهم في جنات النعيم.
- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}: الذين استكبروا عن آياته لهم عذاب مهين لهم كما استهانوا برسالته ورسله ووعده الحق.
- {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}: في هذه الآية بشارة للذين خرجوا من ديارهم في سبيل الله وقتلوا ابتغاء مرضاته أو ماتوا فلهم وعد من الله أن يدخلهم الجنة، وقد تُفسر الآية أن رزقهم كله مضمون لهم.
- {لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}: لَيُدخل المؤمنين في رزقه ويفيض في سعته عليهم وكذلك دخول مكة المكرمة يوم فتحها من المسلمين، وإن الله هو العالم بكل شيء الحليم على عباده الرازق لهم على الرغْمِ من معصيتهم له.
- {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}: من ظلم وجُني عليه فإنه يجوز له أن يقتص من الجاني بنفس الظلم الواقع عليه، وإن ظلم بعدها فإن الله سينصره، ومن عفا عن الظالم له الأجر العظيم، وإن الله هو الذي يغفر الذنوب والعفو عن عباده.
- {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}: هو الذي سن لكم الأحكام وشرعها لكم في العدل، فكذلك يولج النهار بالليل والليل في النهار، أنه هو البصير والسميع بكل أمر.
- {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}: هو الحق وما يشركون به من أي شيء ومنكر، وأنه هو المتنزه عن كل شيء العلي الكبير العظيم صاحب الحكم والأحكام والجبروت.
- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}: ألم ترى آيات الله من نزول المطر من السماء فتكون الأرض يابسةً فَتنبت وتَخضر بعد أن كانت ميتة، أنه هو اللطيف الخبير بسرائر وخبايا الصدور.
- {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}: له ما في السموات وما في الأرض من خلائق وعبيد، كما أنه هو صاحب الحكم والملك يتصرف به كيف يشاء، وهو الغني عن عباده ومخلوقاته القوي المحمود بصفاته.
- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}: من آيات الله سبحانه وتعالى تسخير الحيوان والجماد والنبات للإنسان، وتحملكم الفلك أي السفن وتجري بكم في البحر بأمر منه، وهو الذي يمسك لكم السماء ولولا رحمته لسقطت السماء على الأرض، وهو الرحيم بالناس العطوف والرؤوف بحالهم وبهم.
- {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ}: هو الذي أوجدكم من العدم وأحياكم ثم يميتكم بعد أحيائكم، وإن الإنسان إلا من عصمه الله لكفور أي لا يعترف بإحسانه ونعمه عليه.
- {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}: لكل أمة جعلنا لهم معبد يتعبدون به ومنهاج لهم، فلا يعترضكم أيها الرسول والمؤمنون منهم من كانت عقولهم فاسدة، واستمر بالدعاء إلى سبيل الله وصراطه المستقيم ولا تستمع إلى المعترضين، فإنك على صراط مستقيم بالهدى الصحيح، والهدى ما تحصل به الهداية
- {وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}: إن جادلوك أيها النبي فقل الله أعلك بما في صدوركم ونواياكم ويجازيكم عليها.
- {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}: يحكم بينكم بالعدل يوم القيامة.
- {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}: إن الله لا تخفَ عليه خافية في هذا الكون، وقد أثبته في الكتاب أي اللوح المحفوظ، وإن ذلك على الله هين سهل عليه تبارك وتعالى.
- {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}: ويذكر الله المشركين به فيضعون مع الله أندادا من دون دليل ما أنزل به من ويشركون بما ليس لهم به علم ليس سوى تقليد لآبائهم، وما لهم من نصير أو عون من عذاب الله يوم القيامة.
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}: وإذ تتلى عليهم آيات الله المبينات المفصلات يظهر على وجوه الذين كفروا وأنكروا الكره، يكادون يضربون ويتوعدون من كثر الغَيض في قلوبهم، ولكن الله يعدهم بما هو أشر منهم ومن ذلك وهو عذاب جنهم الطويل الأمد وبِئس من مقعد لهم.
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}: وفي هذه الآية يُخاطب الله تبارك وتعالى الناس كافة، المؤمنين والكفار، فاستمعوا بقلوبكم بقوله إن الذين تدعونهم من دون الله وهم دونه لن يخلقوا ذبابة وهي أضعف المخلوقات، فليس لكم سبيل أن تخلقوا بأكبر منها، ولو اجتمعتم وأبلغ من ذلك فلا تستطيعوا أن تستردوا ما تأخذه الذبابة منكم، ضعف المعبود من دون الله وضعف والمطلوب هو الذباب، وأضعف منهم من يتعلقون بهذا الضعيف وينزلنه منزل الرب الحكيم العليم تعالى الله عما تشركون.
- {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}: وما قدروا الله حق قدره ومنزلته؛ هؤلاء الذين اتخذوا من دونه أله يعبدوه ويشركوه مع الله إنه هو القوي العزيز عن كل شيء.
- {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}: وإن الله يصطفي من الملائكة والناس رسلًا هم صفوة الخلق، وهو المصطفي لهم والسميع البصير.
- {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}: وهو يعلم ما بين أيدي الرسل وما خلفهم أي يعلم أنهم أهل لذلك، وهو الذي يرسل الرسل لهداية الناس فمنهم المجيب ومنهم المَعْرِض عن رسالته، وإليه يرجع ومآل الأمر كله.
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: ويأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالصلاة والتعبد له والركوع والسجود له، ويأمرهم بفعل الخيرات لعله يصبح حالهم في الدنيا والآخرة.
- {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}: وجاهدوا بالله حق الجهاد أي أبذل الوسع والطاقة للدعوة إلى سبيله والهداية بأمره وعبادته حق العبادة، فهو اختاركم أيها المسمون واجتباكم من بين الناس واختار لكم الدين فقابلوه بالجهاد في سبيله، وما جعل الله الدين من حرج بل يسره وسهله فلزموا ملة سيدنا إبراهيم فهو سماكم المسلمين من قبل في الكتب السابقة وفي هذا الكتاب أي الشَرع، ليكون الرسول شاهدًا على أعمالكم خيرها وشرها ولتكونوا شهداء على الناس فتكونوا أمة عادلة، تبلغوا رسل من قبلكم للأمم اللاحقة، ويأمر الله عباده المؤمنين بإقامة الصلاة بأحكامها وأركانها كاملة، كما وإيتاء الزكاة والاعتصام به أي التوكل عليه هو الذي يحسن إليكم ويتولاكم، فنعم المولى لمن تولاه ونعم لمن استنصره فدفع عنه الكره والكرب.
ما سبب تسمية سورة الحج بهذا الاسم؟
يعود سبب تسمية سورة الحج بهذا الاسم إلى ذِكر أمر الله سبحانه وتعالى لسيدنا إبراهيم عليه السلام بدعوة الناس للحج لبيته المحرم، وأيضًا ذِكر ما شرع للناس من نسك الحج وفضائله ومنافعه، وكذلك توبيخ للذين يصدون الذين آمنوا عن المسجد الحرام، والجدير بالذكر أن نزولها سبق فرض الحج على المسلمين[٣].
ما فضل سورة الحج؟
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل سورة الحج بذكر سجدتين فيها، كما كانت أول آية نزلت في القتال للمسلمين هي من سورة الحج، قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}[٤][٥].
المراجع
- ↑ "سورة الحج تفسير السعدي"، طريق الإسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-14. بتصرّف.
- ↑ "القول في تأويل قوله تعالى " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ""، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 10/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "سبب تسمية سورة الحج وذكر السنة التي فرض فيها الحج"، اسلام ويب، 2006-05-07، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-14. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:39
- ↑ "مقاصد سورة الحج"، إسلام ويب، 2013-10-01، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-14. بتصرّف.