مدينة الاحقاف
قال الله تعالى في قرآنه الكريم :(وَإذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا الله إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأحقاف:21]، فمنطقة الأحقاف التي ذكرت في الآية القرآنية هي مدينة "إرم" أو "عُبار" سكنها قوم عاد، قوم النبي هود عليه السلام، وكانوا يعبدون ثلاثة أصنام صداء، وصمود، وهباء، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى بسبب كفرهم فيه، والتّسفيه والتكذيب والبطش لنبيهم المرسل.
الأحقاف
جمع حقف، وتعني الرمال المرتفعة، وما استطال وأعوج من الرمال، فهناك أحقاف اليمن ومصر وغيرها في العالم العربي، وتشكل الأحقاف جزءًا كبيرًا من الربع الخالي، وتقع مدينة إرم بين اليمن وعُمان، وعُرفت بجمال بنيانها وأعمدتها وصروحها العظيمة وقصورها الفارهة، فكما وصفها الله تعالى في القرآن الكريم ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد) [الفجر: 7-8]. فهي ممر للقوافل التجارية، ومركزًا لبيع وشراء البخور والتجارة فيها، واشتهرت في تجارتها مع بلاد الشام وبلاد فارس والروم.
هلاك قوم عاد
قوم هود كانوا في قمة التطور والرفاهية، والتّطاول في العمران والقصور والأضرحة وكثرة المال وعاشوا في ترف شديد، فبلادهم جنّات خضراء على الأرض، وامتازوا بكثرة الأبناء، وكثرة المواشي ووفرة المياه، فاستكبروا على الله تعالى ولم يشكروه على نعمه، بل زادوا في طغيانهم، وتجبرهم، فأرسل الله سبحانه وتعالى النبي هود عليه السلام، ويرجع نسب هود وعاد إلى سام بن نوح عليه السلام، فقوم عاد يرجعون إلى (عاد ابن إرم بن عوص بن سام بن نوح)، وهود عليه السلام هو (هود بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح). وهم من أوّل الأقوام اللذين عبدوا الأصنام بعد رسالة نوح عليه السلام وقصة الطوفان، فجاء هود عليه السلام يدعوهم إلى وحدانية الله تعالى، ولكنّهم كفروا فيه، وعصوه، وازدادوا بطشًا، فتوعدهم الله تعالى بعذابٍ من عنده، فلم ينزل المطر عليهم لمدّة من الوقت فأجدبت الأرض، وبعدها أتاهم السّحاب ولم يكن خيِّرًا عليهم بل عذاب، فهبت ريح شديدة البرودة، ريح صرصرٍ عاتية وصوتها مفزع، فبقيت 7 ليالٍ و8 أيامٍ حسومًا، وكانت الريح تحمل الرجل وترفعه ثم تهوي به إلى الأرض وينقطع رأسه عن جسده، وعصفت الرّمال ومات أهل المدينة جميعًا، ولم يتبقى أي أثر، فغُطيت بالرّمال وطُمرت، فهلك قوم عاد اللذين كفروا بنبيهم وبرسالته.
أطلانطس الرمال المفقودة
أقدم المستكشف البريطاني "فيلكس"عام 1927 و1930 في البحث عن مدينة عاد، ومحاولاته باءت في الفشل، وبعدها بدأ لورنس العرب التنقيب عنها، ولم يصل إلى شيء، فهنا أطلق على هذه المدينة "أطلانطس الرمال المفقودة " معتقدًا أن قارة اطلانطس مفقودة في المحيط الأطلسي. ومن أسباب البحث عنها أنه تتراود على ألسنة البدو بوجود آثار قديمة لمدينة عُبار"إرم" التي يشاهدونها أثناء مرور قوافلهم التجارية بين بلاد الهند وبلاد شبه الجزيرة العربية. فامتازوا في تجارة التوابل، واللُّبان وهو مادة صمغية نادرة تستخرج من الشّجر فكانت قيمته كقيمة الذهب والمجتمعات تقبل عليه إقبالًا شديدًا، فلفت ذلك الأمر الباحث الإنجليزي "بيرترام توماس" عام 1932 والذي ألّف كتاب بعنوان "أرابيا فيلكس" وهو مصطلح يوناني يطلق على الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية والتي تضم اليمن وعُمان. فأشار في كتابه عن تلك الآثار التي كان يتحدث عنها البدو فقط، وللأسف توقف بحثه بسبب وفاته، فأقدم "نيك كلاب" بمراجعة ذلك الكتاب مما شجعه على إكمال البحث عن تلك المدينة المفقودة. ففي عام 1984 قرأ نيك مقالةً في مجلة "ساينس" الأمريكية أن الأقمار الصناعية وجدت مجاري أنهار مدفونة تحت رمال الربع الخالي، فبعد عدة محاولات اتصل بوكالة ناسا لتساعده في تصوير طرق القوافل الرئيسة التي تساعد في الوصول إلى مدينة عُبار أو أطلنطس المفقودة، فصوّر المكان بعد أخذ الموافقة، فبحث عن المدينة مرات عدة ولكنه فشل. وفي عام 1991 أكمل كلاب البحث ومراجعة الأخطاء، وساندته الحكومة العمانية بكل الوسائل واكتشفت في النهاية مدينة "أطلنطس الرمال المفقودة" فكانت مطمورةً تحت الرمال فيما يقارب 12 مترًا، فوُجدت سلسلة من الأبراج، وكان الغرض منها حماية الممتلكات الثمينة، واكتُشفت حلي وأواني زجاجية، دليل على التقاء الحضارات ذاك الوقت مع روما وفارس والهند. واكتُشفت قنوات وسدود قديمة لاستعمالات الري، ووُجد مجرى لنهرين جافيين، وذاك دليل على أن تلك المنطقة كانت خصبة وتكسوها الغابات الخضراء، ولكن بعد العذاب الذي نُزل في القوم تحولت إلى صحراء قاحلة، ووجدت بعض النقوش في المعابد التي تصور الحيوانات والأسود وهذا أيضًا دليل على أن المنطقة كانت جنات على الأرض ولأن الأسود لا تعيش إلا بالغابات فهذا يؤكد قول الله تعالى في قرآنه الكريم:(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ) [الشعراء 132-136].