مدينة قوم عاد

مدينة قوم عاد

قوم عاد

خَلَقَ الله عباده لعبادته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، كما أمر عباده بإقامة العدل بينهم وحَرم عليهم ظلم أنفسهم، كما أنزل الله كتابه الكريم ليأمر وينهى، ويُرغب ويُرهب، ويذكر للعباد قصص الأمم السابقة لأخذ العظة والعبرة منهم، وليؤكد لنا جل جلاله بأن سنته بمن طغى وعصى أوامره من الأمم السابقة أو اللاحقة هي واحدة لا تتحول ولا تتبدل، قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].


من تلك القصص التي ذكرها الله في كتابه قصة قوم لم يُرَ مثلها في الظلم، والقوة، والاستكبار، والطغيان، سمى الله عز وجل سورةً في القرآن باسم النبي الذين أرسله لهم وهو النبي هود عليه السلام، وسمى سورةً أخرى باسم المكان الذي كانوا يتخذونه مسكنًا لهم وهو الأحقاف، فمن هم وما قصتهم[١]؟

كان قوم عاد من العرب، وكانوا يسكنون في منطقة بين اليمن وعُمان تُسمى "الأحقاف"، ومن تمييز الله لهم في صفاتهم أنه سَخرَ لهم قوةً في أجسامهم وضخامةً في أبدانهم تفوق أبناء جنسهم، قال تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]، كما أن الله عز وجل لم يخلق أحدًا بذات القوة التي خَلقهم بها، وكانوا أصحاب حضارة في البناء والعمران، فكانت مساكنهم غايةً في الجمال والروعة، ومن فضل الله عليهم أنه زاد في رزقهم وأكثر نعيمهم، ففاضت أموالهم، وكثرت مواشيهم، وأنبت في أراضيهم الزرع وتفجرت فيها عيون الماء حتى أصبحت كالجنات، وزادت ذريتهم، وكانت مساكنهم عظيمة البناء ذات أعمدة ضخمة وبنيان شاهق، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 6ـ 7]، لذلك عاش قوم عاد حياةً مُترفةً، وأفرطوا في الترف فكانوا يشيدون في كل مكانِ مرتفع أبنيةً ضخمةً وباهرةً، ولم يكن هدفهم من بناء هذه المساكن إلا العبث واللهو وإظهار القوة والتفاخر بها، كما أسسوا لهم بروجًا مُشيَّدةً ليسكنوها ويُخلدوا في الدنيا حسب ما كانوا يعتقدون، فأنكر عليهم نبيهم هذا؛ لأنه إجهاد لأجسادهم من غير أي منفعة، وتضييع لوقتهم، وانشغالهم بما لا ينالون منه الفائدة في دنياهم وآخرتهم[٢][٣][٢]


مدينة قوم عاد

تُسمى المدينة التي سكنها قوم عاد في الأحقاف مدينة إرَم، المدينة ذات العِماد، وقد أورد الله ذكرها في سورة الفجر، واعتبرها بعض المؤرخين والباحثين مدينة، بينما اعتبرها بعضهم الآخر قبيلةً من بني عاد، وحسب المختصين وعلماء الآثار فإن أنقاض هذه المدينة تعود لنحو 3000 سنة قبل الميلاد، وقد ورد في القرآن الكريم وصف لمدينة إرَم قال تعالى: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 8]، وهذا دليل واضح ومؤكد على عظم هذه المدينة، والتي تُثبت الأخبار والروايات أنها من أقوى المدن وأكثرها علوًا، كما أنها مليئة بالأعمدة الشامخة ذات البناء المُقتن والتي وصل عددها إلى الألف، ومما يدل على روعة بنائها هو الوصف القرآني البديع لها.


أمّا في الوقت الحاضر فإن إرَم مدينة عربية تقع في القسم الجنوبي لشبه الجزيرة العربية في اليمن، وكما ذُكر أنها كانت مدينةً غنيةً، ومن المراكز التجارية الهامة في المنطقة، ويُعد ذكر الله عز وجل لقوم عاد في القرآن الكريم إعجازًا ربانيًا؛ لأن الله أرسل على هذه المدينة وأهلها عاصفةً رمليةً أدت لاندثارهم واختفاء جميع آثارهم من وجه الأرض، وفي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين كشف الباحثون عن وجود مدينة إرم في مدينة ظفار التي تبعد مسافة 150 كم شمال مدينة صلالة الواقعة جنوب سلطنة عُمان، و80 كم من مدينة ثمريت[٤].


من حياتكِ لكِ

كما ذكرنا فيما تقدم فإن الله أنعم على قوم عاد بنعم كثيرة إلا أنهم قابلوا فضل ربهم بالنكران والجحود، واتجهوا لعبادة الأصنام، وكانوا أول من عَبدها بعد الطوفان الذي أرسله الله لقوم نوح، ثم دعاهم هود عليه السلام للتخلي عن عبادتها والتوجه لعبادة الله وحده قال تعالى: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65]، فلم يستجيبوا له وسخروا منه واتهموه بالجنون وقالوا له: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: 54]، كما أعلنوا كفرهم وعنادهم وقالوا له: {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود: 53]، فرفضوا دعوته واستكبروا عنها، بل وزادوا في طغيانهم وأخبروهم بأنهم باقون على عبادة الأصنام، كما تكبروا على رسولهم، ومن شدة غرورهم وطغيانهم طلبوا أن يكون رسولهم من الملائكة فقالوا:{لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [فصلت: 14]، وأنكروا البعث والنشور، واستبعدوا وجود يوم الحشر والنشور، كما ظلموا الضعفاء منهم، وتكبروا على الله ورسوله.


فكان عقاب الله لهم أن أمسك عنهم نزول المطر فأصبحت أرضهم قاحلةً، وأرسل الله لهم سحابةً فلما رأوها استبشروا بها خيرًا، ولكن لم يعلموا أنها عذاب لهم وسبب في هلاكهم، فسلطها الله عليهم ثمانية أيام وسبع ليالٍ دون أن تنقطع لحظةً واحدةً، وكانت ريحها شديدةً وعقيمةً لا بركة فيها ولا خير، لا تحمل مطرًا، كما كان صوتها قويًا ومُخيفًا قال تعالى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42]، وكانت هذه الرياح تحمل الرجل منهم عاليًا ثم تسقطه على رأسه فينفصل عن جسده، فأهلكتهم جميعًا ولم يتبقَ منهم أحد قال تعالى: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 25]، وزيادةً على هذا العذاب في الدنيا أعد الله لهم يوم القيامة اللعنة والعذاب، ومن قصة قوم عاد نُظهر لكِ العديد من العبر، أبرزها[٣]:

  • النصر للمؤمنين يمكن أن يتأخر لحكمة ربانية، لكنه سيأتي لا محالة.
  • طلب النصر من الله هو نهج الرسل، فسيدنا هود استضعفه قومه وكذبوه فقال: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26].
  • قوة البدن لا تمنع عذاب الله.
  • التوبة والاستغفار من أسباب الراحة والقوة والأمن، قال هود: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
  • التوكل على الله سبب من أسباب النصر، فقوم عاد أقوياء وأشداء، ولم يكن سيدنا هود بقوتهم، لكنه وكّل أمره لربه، فأنزل عليهم العذاب ودمرهم.


المراجع

  1. الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم (27_12_2013)، "خطبة المسجد النبوي - 20/10/1433 هـ - قصة عاد في القرآن والسنة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 25_6_2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "قوم عاد مساكنهم وأطوالهم "، islamweb، 28_2_2005، اطّلع عليه بتاريخ 25_6_2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (27_5_2017)، "قصة عاد في القرآن"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 25_6_2020. بتصرّف.
  4. "مدينة قوم عاد .. إرم ذات العماد"، islamway، 3_9_2019، اطّلع عليه بتاريخ 25_6_2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :