الإيمان
الإيمان لغةً هو التصديق المطلق والإقرار، ويُعرَّف شرعًا بقول في اللسان، واعتقادٍ وعملٍ بالقلب، ويزيدُ بفعل الطاعة وينقُص بالمعصية، وقيد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصول الإيمان في الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويشير الإيمان بالله تعالى إلى الاعتقاد الجازم والتصديق التام بوجود الله سبحانه؛ ويتضمن ذلك الإيمان بتفرِّده سبحانه في الخلق والتدبير والملك تفردًا مُطلقًا؛ إذ لا شريك معه في ذلك؛ فيترتب عليه وجوب الإيمان بالألوهيَّة واستِحقاقه العِبادة خالصة لوجهه الكريم فقط، وإثْبات ما أثبَتَه الله تعالى لنفسه أو صحَّ نقله عن نبيِّه -عليه السلام- من أسماء حسنى وصِّفات عليّة على الوجْه اللائق بجلاله[١].
الحديث الشريف وشرحه
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد ذكر النّبي الكريم في هذا الحديث بعضًا من خصال الإيمان بالله واليوم الآخر التي تزيد قرب المؤمن من ربه، وتجعله على صلة دائمة به، فقد ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر) في إشارة منه لاستعمال أسلوب مؤثر في الوعظ لترغيب أصحابه بالأعمال الصالحة؛ فمن كان مصدقًّا بوعد الله، ومحتسبًا للأجر عنده، فليبادر إلى هذه الأعمال والخصال الكريمة؛ فمن هذه الخصال ما هو حق لله كقول الخير ومنها ما هو حقوق للعباد كإكرام الضيف والإحسان إلى الجار، وفي ما يلي شرح مفصل للحديث[٢]:
- أمر النبي بحفظ اللسان من المساوئ، فاستقامته على الخير دليل على استقامة إيمان العبد، وقد حذر الشرع من عدم التحرز أثناء الكلام وتوعد من تكلم بغير بصيرة، وعليه يكون إثم من تعمد السوء في قوله أعظم، وقوله -عليه السلام-: (فليقل خيرا أو ليصمت) فيه إرشاد للعباد بسلوك أحد هذه الأمور حسب الكلام، فإن كان:
- كلام خيرٍ يستحب التكلم به، والكلام أفضل من السكوت في هذا الحال، مثل تلاوة القرآن والعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذكر والدعوة إلى الله مما رغب به الشرع وأمر.
- كلام شر يتوجب الإمساك والسكوت عنه؛ كالغيبة والنميمة والاستهزاء والكذب مما حذر منه الشرع.
- كلام مباحٌ لا شر منه ولا خير فيه، فيشرع للمسلم الإمساك عنه أو التكلم به؛ إلا أن السكوت عنه أفضل، وقد تختلف الأفضلية حسب الحاجة إليها في المعاش والمصلحة.
- حذر السلف من فضول الكلام؛ لما فيه من مضيعةٍ للوقت وذريعةٍ تقود إلى ارتكاب المحرمات؛ إذ توجب قسوة القلب والغفلة عن ذكر الله، فيستحب للمسلم الإكثار من معروف القول بعدم تفويت مجلس أو ساعة من ذكر الله وتدارس العلم الشرعي لبيان الحق والنصح لله، فالمجالس التي لا يذكر فيها اسم الله ولا يُرشد الخلق فيها إليه؛ هي سبب الخسارة في الدنيا، والحسرة والندامة في الآخرة عقوبةً على التفريط، ويجدر التنبيه إلى أن التزام الصمت إطلاقًا لاعتقاده أنه قرب لله وطاعة له في الأحوال جميعها عمل محدث لا أصل له في الشرع، إذ كان من صنيع أهل الجاهلية، ولا يوجد في الشرع ما يثبت أن الصمت مقصود لذاته، بل يشرع الصمت ويستحب في حالات؛ كأن يكون سكوتًا عن باطل أو لسماع الذكر أوالخطبة وغير ذلك من الحالات التي يكون فيها الصمت وسيلةً لعمل آخر، فإن ترتب على الصمت خير كان محمودًا شرعًا، وإن ترتب عليه شرٌ كان مذمومًا في الدين، فالصمت ليس عبادةً بحد ذاته.
- أمر الحديث بالإحسان إلى الجار، ورغّب بذلك بفعل أي معروف قولي أو فعلي، فمن صور الإحسان إلى الجار سؤاله عن حاله، وزيارته لتفقد أحواله، ومواساته عند الفقر وعيادته عند المرض، وإجابة الدعوة والنصح له، وإعانته على قضاء حوائجه، ومشاركته في الأفراح والأحزان، كما أن من أعظم الإكرام للجار تحمل أذاه والصبر على سوء الخلق وقلة المعروف منه، فالمسلم محسن يتعاهد جاره بالمعروف ولا يبخل عليهم بالخير، كما أن من حسن الجوار كف الأذى عن الجار مما قد يؤذيه ويسبب له الضرر والحرج، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (واللهِ لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ قيل: من يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُه؟ قال: شرُّه) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد أكد الإسلام عظم جريمة إيذاء الجيران لعظم حقهم، ويحتمل إيذاء الجار صورًا كثيرةً منها: إتلاف المال، والتعدي على العرض، والتجسس على الأسرار، والاطلاع على الحرمات، والمضايقة في المرافق، والإزعاج بالصوت المرتفع، ونشر الشائعات وغيرها مما يُضر به الإنسان، وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعاذ من جار السوء.
- تعيين حد الجوار لم يصح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحديث صحيح، فقد أطلق الشرع ذلك وجعل العُرف هو المرجع في تعيين الجار القريب ذي الحق الخاص، فما عرف بين أهل بلد في الجوار كان الحد المعتبر، وكلما كان الجار أقرب إلى البيت عظم حقه، وقُدِّم على غيره في تقديم المعروف، كما روت عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهما منك بابًا) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط البخاري].
- أمر الحديث بإكرام الضيف، إذ أجمع العلماء على أن حسن الضيافة من سنن الأنبياء، فكان إبراهيم أول من أكرم ضيفه، فضيافة المسلم واجبة، ومن المؤسف إثقال بعض الأضياف على المستضيف في الإقامة وعدم مراعاة أحواله أو آداب الشريعة في ذلك.
الدروس المستفادة من الحديث
يتضمن هذا الحديث العظيم تفرعات لآداب الخير، فتعلقت أحكامه بالله من جهة وبالخلق من جهة أخرى، وفيما يلي ذكر موجز لبعض فوائد الحديث[٣][٤]:
- دعوة الإسلام إلى التكافل الاجتماعي.
- توجيه المسلم للتحلي بمكارم الأخلاق؛ إذ إنها من أهم خصال الإيمان.
- وجوب إكرام الجيران بتقديم المعروف وكف الأذى.
- كمال الإسلام ورعايته للجوار والضيافة.
- التنبيه من آفات جارحة اللسان وخطرها.
المراجع
- ↑ عبدالله بن صالح القصيِّر (1-5-2016)، "تعريف الإيمان بالله لغة واصطلاحا"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
- ↑ خالد بن سعود البليهد، "شرح حديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
- ↑ عبدالعال بن سعد الرشيدي (6-2-2016)، "شرح حديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت (الأربعون النووية)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.
- ↑ 19-9-2005، "حديث : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 17-12-2019. بتصرّف.