دعاء لحماية الوطن

دعاء لحماية الوطن

الوطن

إن حب الوطن مزروع في قلوب الناس وأصحاب الفطرة السوية، فالإنسان يحب المكان الذي ولد وعاش فيه وأكل من خيراته، وقد ذكر الله تعالى حب الوطن ومكانته في قلوب أبنائه، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66]، وقد يضطر المرء مجبرًا على ترك وطنه إما بسبب الحروب والنزاعات وإما خرجًا لطلب الرزق، وقد هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من وطنهم مكة إلى المدينة بسبب الأذى الذي تعرضوا له، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]، والأمن في الوطن نعمة عظيمة من خير نعم الدنيا، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أصبحَ منكمْ آمنًا في سربِه، معافًى في جسدِه، عندَهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حيزتْ له الدنيا بحذافيرِها) [المصدر: الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: حسن]، والمسلم يدعو الله تعالى أن يحفظ وطنه ويديم عليه نعمه وخيراته[١].


دعاء لحماية الوطن

يجتهد المسلم في دعاء ربّه عزّ وجل، ويسأله من خيري الدّنيا والآخرة، ومن النّعم العظيمة التي يسأل المسلم ربّه أن يحفظها هي نعمة الوطن، وقد وردت في القرآن الكريم دعوة عظيمة لحماية الوطن على لسان إبراهيم -عليه السلام- قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126]، فقد دعا إبراهيم -عليه السلام- ربه أن يجعل مكة بلد أمن وأمان على كلّ من دخلها وسكنها، كما أنّه دعا لأهلها بأن يرزقهم الله تعالى من الثمرات، وقد كانت مكة صحراء في ذلك الوقت، فرُوي في كتب التفسير أن مدينة الطائف كانت من مدن الشام فأمر الله تعالى جبريل أن ينزعها ويضعها بجانب مكة، والطائف معروفة بكثرة الزرع ووفرته، وأكثر ثمرات مكة منها، والمسلم يقتدي بأنبياء الله تعالى ورسله ويدعو لوطنه بدعوة إبراهيم -عليه السلام- فيسأل ربه أن يجعل وطنه آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين[٢].


واجبات المسلم تجاه وطنه

استخلف الله تعالى الإنسان لعمارة هذه الأرض، فالمرء يُحافظ على وطنه ويبنيه وهو بذلك يؤدّي أمر الله تعالى، وقد دعا الإسلام إلى حبّ الوطن والحفاظ عليه، وتتعدد واجبات المسلم تجاه وطنه، ومن هذه الواجبات[٣]:

  • استشعار فضل الله تعالى أولًا ثم الوطن ثانيًا وتذكّر أفضال الوطن منذ نعومة الأظفار، وردّ الإحسان بالإحسان.
  • نشر المحبة والفضيلة والأخوة بين أبناء الوطن الواحد، فهم كالجسد الواحد في مواجهة الظروف المختلفة.
  • تنمية حب الوطن والانتماء له، ويكون ذلك في مؤسسات المجتمع كافة ابتداءً من الأسرة والبيت والمدرسة والمساجد وأماكن العمل والنوادي ووسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية.
  • أداء المسلم لواجباته تجاه وطنه، حتى يحيا حياة كريمة على أرضه.
  • تنمية تقدير ممتلكات الوطن في قلوب أبنائه، فيعلم أن مرافق الوطن هي حق لجميع أبنائه.
  • المشاركة الإيجابية في خدمة الوطن والمساهمة الفعالة في رفعته قولًا وعملًا، وهو أمر يعود بالنفع على الجميع.
  • عدم السماح لأي فعل بأن يمس أمن الوطن أو يخل بسلامته، والدفاع عن الوطن عندما يحتاج إلى ذلك.


حب الوطن والهجرة النبوية

حب الوطن من الأمور الثابتة في قلب الإنسان، لا يمحوه البعد ولا تنسيه الأيام، حتى وإن اضطر المرء لترك وطنه فيبقى قلبه معلقًا به، كما حدث مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عندما هاجروا من مكة إلى المدينة، فبالرغم من محبتهم للمدينة التي هي موطنهم الجديد إلا أنهم لم يستطيعوا نسيان مكة، وقد وردت عدّة أحاديث نبوية تبين حب الوطن في قلوب المسلمين، منها[٤]:

  • لما نزل الوحي على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء وفزع إلى زوجته خديجة -رضي الله عنها- ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان عالمًا بالكتب السماوية كالإنجيل والتوراة، فعلم أن هذا هو الوحي الذي نزل على عيسى وموسى، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيكذبه قومه ويخرجوه، فقال له: (هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا) [المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ويدلّ الحديث على ألمٍ في قلب الرسول -صلّى الله عليه وسلم- لمفارقته وطنه وخروجه منه.
  • لما حان موعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودّع مكة بكلمات تدل على عظيم حبه لوطنه، وحزنه على مفارقته، فقال: (واللَّهِ إنِّي أعلمُ أنَّكِ خَيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّها إلى اللَّهِ ولَولا أنَّ أهلَكِ أخرَجوني مِنكِ ما خرَجتُ) [المصدر: التمهيد| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • لما وصل المهاجرون إلى المدينة كانت فيها حُمّى، فمرض بعض الصحابة بها حتى ظنوا أن الموت آتيهم منها، فدعا الرسول -صلى الله عليه وسلم ربه أن يحبب لهم المدينة والتي هي وطنهم الجديد كحبهم لمكة، فقال: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، اللَّهُمَّ وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا في مُدِّهَا وصَاعِهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ) [المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • كما أن المسلم يتعلم من سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أنه أينما استطاع تأدية شعائر الإسلام فثمة وطن، وقد دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمدينة المنورة وهي موطن المسلمين الجديد بعد هجرتهم من مكة، فقال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ بالمَدِينَةِ ضِعْفَيْ ما جَعَلْتَ بمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ) [المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنَّه دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وإنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بمِثْلِ ما دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ معهُ) [المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


المراجع

  1. "حب الأوطان في الإسلام"، khutabaa، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2020. بتصرّف.
  2. "تفسير البغوي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2020. بتصرّف.
  3. "التربية الإسلامية و حب الوطن"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2020. بتصرّف.
  4. "حب الوطن من دروس الهجرة النبوية"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :