الذكر
الذكر نوع من أنواع العبادة؛ إذ إنّ العبادة هي كلُّ ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال ظاهرةً أو باطنةً، وركّز الإسلام على الذكر كعبادة ونبَّه إلى أهميَّته؛ إذ إنّها عبادة سهلة وميسرة لا تستلزم مالًا أو مخاطرةً أو شجاعةً أو أوقات فراغٍ كثيرةٍ، فيمكن ذكر الله باللسان فقط وفي جميع الأحوال قيامًا أو قعودًا، وفي جميع الأماكن، كما أنها تُقارب فضل أعظم العبادات ومنها فضل الجهاد في سبيل الله، كما قرن الله -سبحانه وتعالى- الذكر في معظم العبادات كالصلاة مثلًا، إذ قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (النساء: 103)، كما أمرنا بذكره أثناء أداء مناسك الحج، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (البقرة: 200)[١].
أحاديث عن فضل ذكر الله
يُعدّ الذكر من أفضل الأعمال الصالحة اليسيرة التي تُقرب المسلم إلى ربه، وقد ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في العديد من المواضع في كتابه العزيز، كما أكد النبي -عليه السلام- ذلك في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، ونذكر منها ما يلي[٢][٣]:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- قال: (ألا أنبئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكِم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلقَوا عدوِّكم، فتضرِبوا أعناقَهم ويضرِبوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ قال: ذكرُ اللهِ) [الكلم الطيب| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- قال: (يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا مع عَبْدي حين يَذْكُرُني، فإنْ ذكَرَني في نَفْسِه ذكَرْتُه في نَفْسي، وإنْ ذكَرَني في مَلَئ، ذكَرْتُه في مَلَئ هُم خَيْرٌ مِنهم، وإن اقترَبَ إليَّ شِبْرًا اقترَبْتُ إليه ذِراعًا، فإنِ اقترَبَ إليَّ ذِراعًا اقترَبْتُ إليه باعًا، فإنْ أتاني يَـمْشي أتَيْتُه هَرْوَلةً، وقال ابنُ نُـمَيْرٍ في حَديثِه: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي، وأنا معَه حين يَذْكُرُني) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ: (هذا جُمدانُ، سيروا، سبَقَ المُفَرِّدونَ، قالوا: وما المُفَرِّدونَ؟ قال: الذَّاكِرون اللهَ كثيرًا، ثم قال: اللَّهمَّ اغْفِرْ للمُحَلِّقينَ، قالوا: والمُقَصِّرينَ؟ قال: اللَّهمَّ اغْفِرْ للمُحَلِّقينَ، قالوا: والمُقَصِّرينَ؟ قال: والمُقَصِّرينَ) [تخريج المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وكلمة "المفردون" تعني المتميزين، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذاكرين بعد ذكر الجبل؛ لأن الجبل ثابت بماكنه في الأرض غير متزحزح ومنفرد بمعزل عن الجبال الأخرى، وكذلك الذاكرون الله كثيرًا فإنهم لا يغفلون ولا ينشغلون عن ذكر الله عز وجل وثابتون على هذا الطريق، وينفردون عن الناس بذكرهم لله -سبحانه وتعالى- وتعليق قلبهم به.
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: (لَأنْ أقعُدَ مع قَومٍ يَذكُرونَ اللهَ مِن صَلاةِ الغَداةِ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ أحَبُّ إليَّ مِن أن أُعتِقَ أربَعةً مِن وَلَدِ إسماعيلَ، ولَأنْ أقعُدَ مع قَومٍ يَذكُرونَ اللهَ مِن صَلاةِ العَصرِ إلى أنْ تَغرُبَ الشَّمسُ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أُعتِقَ أربَعةً) [تخريج سنن أبي داود| خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن].
فضائل الذكر وثمراته
يُعدّ ذكر الله من أسهل العبادات التي يؤديها المسلم؛ إذ أمرت الكثير من النصوص القرآنية بالذكر وحثت عليه لما له من فوائد وثمار عظيمة تعود على العبد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً } (الأحزاب: 41-42)، كما أوصى الرسول -عليه الصلاة والسلام- بها العباد كيلا تخلو صحائفهم من الحسنات، ولتعينهم على طاعة الله والزهد بالدنيا من أجل الآخرة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: (مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يجاهدَهُ، وَعَنِ اللَّيْلِ أَنْ يكابدَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذَكَرَ اللَّهِ) [الوهم والإيهام| خلاصة حكم المحدث: حسن أوصحيح]، ونذكر هنا بعض فوائد ذكر الله -سبحانه وتعالى- والمداومة عليه، ومنها[٣]:
- يُعدّ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ سببًا للفلاح في الدارين الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10)، فالفلاح لا يكون الإ بأمرين: النجاة من النار والفوز بالجنة.
- يُعدّ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ سببًا في مغفرة الله ورحمته والفوز بالجنة؛ قال تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْرَاً عَظِيم} (الأحزاب: 35).
- يُعدّ ذكر العبد لله عَزَّ وَجَلَّ سببًا لذكر الله له، والمراد بذكر الله؛ أن الله يثني عليه في الملأ الأعلى، قال تعالى: { فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ } (البقرة: 152).
- يُعدّ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ سببًا للدخول في معية الله وحفظه وحراسته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ) [الترغيب والترهيب| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما].
- يُعدّ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ سببًا في النجاة من الغفلة ونسيان الآخرة؛ قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ} (الأعراف: 205).
- يُعدّ ذكر الله -عز وجل- سببًا في التخلص من الشيطان ووسوساته؛ إذ إنّ الشيطان لا يستطيع النيل من القلوب المحصنة بذكر الله، بل يبحث عن القاسية قلوبهم والهاجرة لكتاب الله وسنة نبيهم.
- يُعدّ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ سببًا للنجاة من عذاب الله وسخطه، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما عمِل آدميٌّ عملًا أنجَى له من العذابِ من ذكرِ اللهِ تعالَى قيل ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ قالَ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا أن يَضرِبَ بسيفِه حتَّى ينقطعَ) [الترغيب والترهيب| خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح].
- يُعدّ ذكر العبد لله عَزَّ وَجَلَّ سببًا لطهارة القلب وبث الاطمئنان فيه، إذ إنّ الذكر يجلي القلوب ويصقلها ويخلصها من كل الشوائب التي تعلق بها؛ بسبب المعاصي أو الهموم التي تتراكم عليها.
المراجع
- ↑ هشام عبد المنعم (10-4-2015)، "ولذكر الله أكبر"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.
- ↑ د. أمين بن عبدالله الشقاوي (17-11-2008)، "فضل الذكر"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب د. مهران ماهر عثمان، "الذكر: الأمر به، وفضله"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2019. بتصرّف.