محتويات
تعريف صلاة التراويح
تُعرف كلمة التراويح في معاجم اللّغة العربيّة بأنّها جمع ترويحة، وهي المرّة الواحدة من الرّاحة، فنقول: روّحت بالقوم؛ أي صليت بهم صلاة التّراويح، أمّا اصطلاحًا فهي صلاة نافلة تدخل في عداد قيام شهر رمضان المبارك، شُرعت في آخر سنين الهجرة بإجماع أهل العلم فلم يُنكرها أحد، وقد واظب النبي -صلّى الله عليه وسلم- على أدائها، فيما تخلّف بعضَ الأحيان خشية أن تُفرض عليهم فيعجزوا عن أدائها، وعليه فإنّها سنّة مؤكّدة عن النّبي -صلّى الله عليه وسلم- باتّفاق أهل العلم، وسنتحدّث في هذا المقال عن سبب تسمية الصّلاة بهذا الاسم، بالإضافة إلى سرد مفصّل حول الأخطاء التي يقع فيها البعض، فيجب التحذير منها وتجنّبها لضمان القبول والأجر الجزيل[١].
سبب تسمية صلاة التراويح
سُمّيت صلاة التراويح بهذا الاسم؛ لأنّ الناس فيها كانوا يطيلون القيام والرّكوع والسّجود، فإذا صلّوا أربعَ ركعات منها استراحوا قليلًا ثم استأنفوا، ثمّ استراحوا ثمّ استأنفوا[١]، وتجدر الإشارة إلى أنّها تُؤدّى جماعةً في المسجد حسب اتفاق جمهور الفقهاء والمذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وقد استدلوا في ذلك على حديث أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ في المَسْجِدِ، فَصَلَّى بصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إليهِم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قالَ: قدْ رَأَيْتُ الذي صَنَعْتُمْ ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ علَيْكُم وذلكَ في رَمَضَانَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٢].
في شرح الحديث أنّ الرّسول كان يخرج إلى المسجد لأداء صلاة التراويح وهي قيام رمضان في المسجد، فكان الصّحابة يتّبعونه، فلما صلّى صلّوا معه، وفي اللّيلة الثالثة أو الرّابعة لم يخرج إليهم رغم أنّه أيّد اجتماعهم على الصلاة، لكن السّبب الذي منعه من الخروج هو خشيته من أن تُفرض عليهم لأنّها فرض عليه، فيشقّ عليهم أداؤها، ويكون بذلك من تركها عاصيًا لله مخالفًا سنة نبيه متوعدًا بالعقاب، لأنَ طاعة الرَسول من طاعة الله، وكان -عليه السَلام- رؤوفًا رحيمًا بالمسلمين، كما أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جمع النّاس على قارئ واحد هو أُبيّ بن كعب، أمّا فيما يتعلّق بالنساء فيُفضل أداؤها في المنزل ما لم يُخشَ فوات وقتها أو التّفريط بها، أو إذا كانت صلاة المسجد بالنّسبة لها أخشع وأنشط فهُنا تكون صلاة المسجد أفضل من صلاة البيت مع ضرورة الالتزام بآداب المسجد وصلاة الجماعة والحجاب الشرعي كما أمر الله -جلّ وعلا-، فلا يُعقل مخالفة أوامره في شيء، والأخذ بها في شيء آخر في الوقت ذاته، فمن أرادت أن تذهب إلى المسجد لتحصيل الأجر ينبغي عليها الالتزام بأوامر الشريعة كلّها[١].
أخطاء تقع في صلاة التراويح
تقعُ النّساء بالكثير من الأخطاء في صلاة التراويح، فارتأينا إدراجها بشيء من التّفصيل للتحذير منها وتجنبها، لتكون أقرب لقبول العمل وتحصيل الأجر والثواب[٣][٤]:
- وضع أيّ نوع من أنواع الطّيب أو العطر، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله المصطفى أنّه قال: (أيُّما امرأةٍ أصابت بخورًا فلا تشهدنَّ معنا العشاءَ وفي لفظٍ عشاءَ الآخرةِ) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فقد حرص الدين الإسلامي على إخماد الفتنة بين الجنسين لما لها من خطورة على المجتمع تكمن في انهياره وتفككه، وقد خصّ النّبيّ المصطفى العشاء دون غيره لأنّ الفتنة تعظم بالليل أكثر من النّهار بسبب الظلام الطريق وخلوها، علمًا أن الحرمة تطال جميع الأوقات فلا يجوز للمسلمة الخروج متعطرةً.
- تناول البصل أو الثوم أو غير ذلك من الرّوائح الكريهة التي تُؤذي المُصلّين، وفي بيان شدّة ضرر ذلك فقد أمر النبي -صلّى الله عليه وسلم- آكل الثوم والبصل باعتزال المسجد والقعود في البيت.
- ارتداء عباءة مزركشة بألوان وزخارف وما شابه، أو أي ملابس ضيقة تنافي القصد من الحجاب، وهو الستر والعفة، فمن المعروف أنّ اللباس الشرعيّ فضفاض واسع لا يصفّ ولا يشفّ ولا يُثير الفتنة.
- عدم إقفال الهاتف الجوال أو وضعه صامتًا أثناء الصلاة، فتصدر منه أصوات مزعجة ونغمات رنين عالية.
- ترك الأطفال على حريتهم في اللعب والعبث بأثاث المسجد وإزعاج المصليات.
- سوء التّصرَف عند انقطاع صوت الإمام كالبدء بالحديث، مع العلم أنّ هذا الوقت خاصّ لأداء صلاة السّنة.
- ترك فراغات بين الصفوف، وفي ذلك مخالفة لأوامر النّبيّ المصطفى الذي حث على ضرورة إزالة الفُرَج بين المأمومين لأنّها من الشيطان، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله المصطفى أنه قال: (أقيموا الصُّفوفَ وحاذُوا بينَ المناكبِ وسُدُّوا الخللَ ولينوا بأيدي إخوانِكم ولا تذَروا فرُجاتٍ للشَّيطانِ ومَن وصَلَ صفًّا وصَلَه اللَّهُ ومن قطعَ صفًّا قطعَه اللَّهُ) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي شرح الحديث فإنّ لصلاة الجماعة آدابًا وأحكامًا ينبغي الالتزام بها، منها مساواة الصُّفوف ومحاذاة كل مصلٍ لمنكب المصلي الذي يليه، وهذا يعني الالتصاق به في غير شدة، وأخيرًا ضرورة قبول تسوية الصف من الآخرين، فنجد مَن يحاول ضبط الصف فيما يرفض البعض ذلك سواء بسبب جهل أو سوء تصرف[٥].
- الوقوع بالخطأ في موضع رفع اليدين للتكبيرة، علمًا أنّ هذه المواضع أربعة، أُولاها في تكبيرة الإحرام إيذانًا بدخول الصلاة وبدئها، وثانيها للركوع، وثالثها بعد الرفع من الركوع علمًا أنّ رفع اليدين في هذه الحالة لا يكون مع تكبير، بل يكتفي بقول سمع الله لمن حمده للمنفرد، وربنا لك الحمد للمأموم، وآخر تكبيرة تكون في القيام من التشهد الأول.
- مسابقة الإمام في حركات الصلاة، فنجد البعض يركع قبله أو يسجد قبله، فهذا محرّم ما دام المصلّي فعل ذلك متعمّدًا وبالتالي تبطل الصّلاة حسب القول الرّاجح، ومن سبق الإمام في تكبيرة الإحرام فإنّ صلاته لم تنعقد بعد، وتجدر الإشارة إلى أنّ موافقة الإمام في أقواله وتنفلاته مكروه بل إن البعض مال إلى تحريمه، لكنّه لا يبطل الصّلاة إلا في تكبيرة الإحرام؛ فإنّ الصلاةَ لم تنعقِد معه، كما أنّ التخلف عنه يدخل في عداد السّبق، بل إن المشروع هو متابعة أقواله وأفعاله.
- الاعتقاد بأن صلاة التراويح فريضة واجبة، فنجد البعض يتهجّم وينكر على مَن يتركها، بل قد يصفه بالمنافق أو نحو ذلك، ورغم أنّ لصلاة التراويح أجرًا عظيمًا، إلا أنها سنة في النهاية يمكن أداؤها في المسجد أو البيت، فردًا أو جماعةً.
- مغادرة المسجد قبل إتمام الصلاة، مع العلم أنّ حضورها مع الإمام يوازي قيام ليلة.
- حمل المصحف الشريف أثناء الصلاة، فهو مخالف للسنة ما دام المصلي مأمومًا.
كيفية صلاة التراويح
صلاة التراويح صلاة نافلة يُصلّيها المسلم بعد صلاة العشاء، ولم يختلف العلماء في وقت هذه الصلاة، ويُمكن أن يُصليها المسلم في بيته، أو جماعةً في المسجد، ويُمكن للمرأة أيضًا أن تُصليها في بيتها، ولا تختلف صلاة التراويح عن صلاة الفروض في طريقة الأداء، لكنّها تختلف في عدد الركعات، كما أنّها تُصلى فقط في شهر رمضان المبارك، وقد اختلف العلماء في عدد الركعات وكان لهم أكثر من رأي في ذلك، فالبعض قال إنّها تُصلّى ثلاث عشرة ركعةً، والبعض الآخر قال إنّها تُصلّى ثماني ركعات على الأقل والحد الأعلى عشرون ركعةً، وتنتهي صلاة التراويح عندما يُصلي المسلم صلاة الوتر، وهي صلاة نافلة تُصلّى بعددٍ فردي؛ إذ تكون ركعةً أو ثلاث ركعات[٦].
أمّا بالنسبة لكيفيّة صلاتها؛ فيُصلي المسلم في صلاة التراويح كما لو كان يُصلي أي فريضة؛ فيبدأ بقراءة سورة الفاتحة، ثم ما تيسر من القرآن الكريم، بعد ذلك يبدأ بالركعة الثانية، ثم التشهد والصلاة الإبراهيمية، ثم يُسلّم خلف الإمام، ويستمر بالصلاة إلى أن يصل إلى العدد النهائي، مع أخذ وقت من الراحة بعد كل تسليمة، من أجل راحة المصلين، فقد يكون في هذه الصلاة عدد من كبار السن غير القادرين على تحمل الوقوف لأوقات طويلة[٦].
فضل صلاة التراويح
- ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلاها؛ فهي سنة مستحبة بإجماع علماء الدين، وينطبق عليها ما ينطبق على أحكام قيام الليل، ويشملها ما ورد عن الأدلة التي ترغّب في قيام الليل[٧].
- يُعد قيام الليل من أعظم العبادات التي تُقرّب العبد من ربه، بما فيها صلاة التراويح، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث الذي يرويه أبو هريرة: (من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر لهُ ما تقدَّم من ذنبهِ، ومن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفر لهُ ما تقدَّم من ذنبهِ) [صحيح النسائي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، يُقصد هنا بقيام الليل قيامه بالصلاة، وإيمانًا تعني مُصدقًا بما وعد الله من أجر، واحتسابًا أي طلبًا للأجر الذي وعد الله به بنيّة خالصة لله[٧].
- ينبغي على المؤمن أن يجتهد في العبادات في العشر الأواخر من شهر رمضان أكثر من أي وقت آخر، لما في ذلك من الأجر العظيم عند الله تعالى، لا سيما أنّ ليلة القدر تأتي في هذه الأيام المباركة، فقال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، وكان صلى الله عليه وسلم يُكثر من العبادات في العشر الأواخر أكثر من باقي أيام الشهر، ورُوي عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث : صحيح][٧].
- ينبغي على المؤمن الحرص على صلاة الجماعة في كل الأوقات وفي شهر رمضان خصوصًا، فحرص المؤمن على البقاء مع الإمام حتى ينهي صلاته يوصله إلى الفوز بثواب قيام ليلة كاملة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّه من قام مع الإمامِ حتَّى ينصرِفَ كُتِب له قيامُ ليلةٍ) [الأحكام الصغرى| خلاصة حكم المحدث: صحيح الإسناد][٧].
- تحصيل أجر عمرة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن مَشَى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ في الجماعةِ، فهي كَحَجَّةٍ، ومَن مَشَى إلى صلاةِ تَطَوُّعٍ، فهي كعُمْرَةٍ) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: حسن][٨].
- تحصيل رحمة الله، قال صلى الله عليه وسلم: (رحمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبت رشَّ في وجْهِها الماءَ، ورحمَ اللَّهُ امرأةً قامت منَ اللَّيلِ فصلَّت وأيقظت زوجَها فصلَّى فإن أبى رشَّت في وجْهِهِ الماءَ) [صحيح ابن ماجه| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح][٨].
من حياتكِ لكِ
يجب أن تحرصي على تعريف الناس بصلاة التراويح وما لها من الأجر العظيم، وينبغي الاهتمام بها وبطريقة أدائها، وعدم سرقتها سرقةً، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (أسوأُ الناس سَرِقةً الذي يسرق من صلاتِه، قالوا: يا رسول الله، كيف يسرِقُ من صلاتِه؟! قال: لا يتِمُّ ركوعَها ولا سُجودَها، أو لا يقيمُ صُلبَه في الركوع ولا في السُّجود) [مجمع الزوائد| خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح]، لذا وجب علينا أن نصليها بخشوع، وأن تكون قراءتنا للقرآن قراءةً مجوّدةً، وأن نتم الركوع والسجود اقتداءً بفعل رسولنا الكريم، أما العجلة في الصلاة فهي منكر، ومنهي عنها[٨].
المراجع
- ^ أ ب ت "صلاة التراويح"، طريق الإسلام، 30-7-2013، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ↑ عائشة الطويريش (28-1-2015)، "أخطاء تقع في صلاة التراويح"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أخطاء في صلاة التراويح "، موقع إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب د. محمود فتوح محمد سعدات (3-7-2016)، "صلاة التراويح"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "فضل صلاة التراويح"، الإسلام سؤال وجواب، 08-11-2003، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "فضل صلاة التراويح"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.